Image

هيلاري مانتل أحيت الرواية التاريخيّة... ورحلت

فجعت الأجواء الثقافيّة البريطانيّة يوم الخميس الماضي بغياب الروائيّة هيلاري مانتل، الشهيرة بتحفتها ثلاثية الأدب التاريخي المستوحاة من حياة توماس كرومويل، كبير مستشاري وتنفيذي بلاط الملك هنري الثامن.

ويعزى لمانتل الفضل في إعادة الحيوية إلى فضاء الرواية الأدبيّة التاريخيّة بعدما خرجت لبعض الوقت من دائرة اهتمام القراء والناشرين الأنغلوساكسون على حد سواء. وقد باعت كتبها السبعة عشر ملايين النسخ، وتحوّل بعضها إلى أعمال تلفزيونيّة ناجحة، كما توجت بجائزة بوكر البريطانيّة المرموقة مرتين (عن الجزأين الأوّل والثاني من ثلاثيتها عن كرومويل: «قاعة الذئب»، 2009، و«إيقاظ الجثث»، 2012، واختير الجزء الثالث «المرآة والضوء» ضمن القائمة الطويلة للجائزة عام 2020. وبفضل هذه الثلاثيّة تحديداً أصبح لها بالفعل جيش من القراء المتابعين الأوفياء الذين يتلقفون كل ما تكتب بما في ذلك مقالات كانت تنشرها بين الحين والآخر في مجلّة لندن ريفيو أوف بوكس نصف الشهريّة - جمعت في كتاب صدر في 2020 -

يصف النقّاد مانتل بأنّها قرنت قدرتها الهائلة على التنقيب العميق في قلب الحدث التاريخي مع الحدس الدقيق لاستقراء المشاعر الإنسانيّة الممكنة عند شخصياته، واعتبرها كثيرون مبتدعة لغة جديدة «غيّرت الخيال التاريخي إلى الأبد»، وصنعت شيئاً ممتعاً من مادة العلاقة المعقَدة بين التاريخ، والحقيقة، والخيال. وتعجب معنيّون بالتاريخ والأدب من الطريقة التي ترسم فيها فصولاً كاملة من الماضي بكامل الألوان من خلال نثرها المتمكن، وإحساسها النفسي المتوقّد، وتنقّلها اللّماح في متاهة العواطف الإنسانيّة والأركان المظلمة في الأرواح. وبالفعل، فإن قراءة «قاعة الذئب»، فاتحة الثلاثيّة، تبدو أشبه بالعيش داخل رأس توماس كرومويل، أكثر منها وصفاً أدبيّاً لسيرته. ويدين لها المؤرخون بإعادة تأهيل صورة هذه الشخصية الإنجليزية المهمّة في المخيال الشعبي من خلال تقديمها له كاستراتيجي بارع وثوري لامع، حتى أن ديارميد ماكولوك، بروفسور اللاهوت في جامعة أكسفورد ومؤلف أهم سيرة تاريخيّة لكرومويل كتب عنها لصحيفة التايمز اللندنية قائلاً: «إن هيلاري قد أعادت ضبط الأنماط التاريخيّة لنا».

لمانتل منهجها الخاص في فهم التاريخ. فالأدلة عندها، دائماً، جزئية، و«الوقائع لا تمثِل الحقيقة»، و«التاريخ ليس الماضي بقدر ما هو النمط الذي طورناه لتنظيم جهلنا بالماضي. إنه سِجلّ ما تبقَى مسجَلاً فحسب». وقالت في محاضرة لها إن «القرّاء مخلصون، بشكلٍ يثير الشفقة، لأوّل تاريخ تعلّموه، وإنْ أنت طعنتَ فيه، فكأنك تسلب منهم طفولتهم». ولذلك، فإن مقارعتها للحدث التاريخي أتت مثيرة ومبدعة، كما لو كانت منجز مخرج سينما عبقري يعيد خلق عوالم كاملة من بضع صفحات عثر عليها في مكتبة عتيقة.