Image
  • Image
  • 10:00 2022/08/24
  •    

حزب الوطن الكبير وسلطة الشعب

أن يكون تأسيس حزبٍ ما بمثابة ضرورة وطنية يتوصل إليها مجتمع من المجتمعات بكافة فئاته وأطيافه، معنى ذلك أن هذا الحزب هو حزب الشعب بالدرجة الأولى. وأن يكون مرافقا لميلاد ذلك الحزب ميثاق وطني صيغ من تطلعات وآمال وضمير أبناء الوطن، وليس مستوردا ولا مستنسخا من تجربة حزبية أخرى في هذا البلد أو ذاك، فمعناه أنك لن تجد أصدق ترجمة لطموحات وتطلعات أولئك منه. 
ذاك هو حزب المؤتمر الشعبي العام. فالمؤتمر لم يكن حزبا وليد اللحظة ولا فرضته إملاءات من الخارج ولااستنسخ أفكار الآخرين وأراد أن يفرضها على الواقع اليمني، بل كان حزبا يمنيا محضا وتجربة يمنية خالصة. 
ولأنه كذلك، فقد ظل مخلصا ووفيا وبارا باليمن، وسطيا ومتسامحا لا يقبل المغالاة ولا التفريط، معتزا بهويته قابضا على ثوابت وطنه وشعبه، قريبا من الناس بعيدا عن التنظير والبهرجات. إنه ببساطة الإنسان اليمني من المهرة إلى صعدة. 
لم يعرف التطرف يوما، ولم يسلك طريق العنف أو الإقصاء، ولا كان يجد السياسة إلا على أنها وسيلة لا غاية. سلك طريق الديمقراطية وآمن بالشعب لا بسلطة الحزب الواحد. هو هكذا بسلطة وبدون سلطة. 
في الرابع والعشرين من أغسطس آب 1982، كان اليمن على موعد مع انبثاق فجر جديد اسمه المؤتمر الشعبي العام. 
ظل هذا الحزب منذ تأسيسه وحتى اليوم هو حزب الوطن الكبير، وظل بمبدأ الحوار والوسطية اللذين انتهجمها قادرا على تجاوز كل الصعاب والأزمات، تجلى ذلك في معظم مواقف وثوابت المؤتمر الذي مر بمحطات تاريخية عدة كان له فيها مواقف وطنية واضحة لاينكرها إلا جاحد؛ وهو ما جعل هذا التنظيم الوطني الرائد محط أنظار الخصوم قبل الأصدقاء، ولا تزال الآمال معقودة عليه للإسهام الفاعل في إخراج اليمن من الأزمة الطاحنة التي عصفت به.
إن أولى خصائص المؤتمر الشعبي العام التي تميزه عن غيره من الأحزاب والتنظيمات السياسية أنه انطلق من نظرية العمل الوطني «الميثاق الوطني» الذي صاغه وأقره الشعب بمختلف فئاته وشرائحه، وألوان طيفه السياسي. حيث كان في طليعة هموم قائده ومؤسسه الرئيس الشهيد علي عبد الله صالح، البحث في أفضل صيغة لنظرية العمل الوطني كدليل نظري وعقد اجتماعي بين مختلف الفئات الاجتماعية وقوى وشرائح شعبنا، تتدارك حالة الفراغ السياسي من المأزق والاحتقانات السياسية والخلافات الطاحنة التي أوشكت أن تمزق مجاميع من أبناء الوطن جراء الانحياز لهذا الفكر الدخيل او ذاك، فكانت دعوة ذلك القائد الفذ إلى وضع ميثاق وطني ترتب على إقراره إقرار قيام واستمرارية المؤتمر الشعبي العام كأسلوب عمل سياسي يحمي الميثاق ويطبقه، فاجتمعت للشعب اليمني نظرية العمل الوطني والتنظيم السياسي، وأمكن بهما معا الانتقال بأهداف ومبادئ الثورة اليمنية المجيدة إلى مشروع سياسي وفكري وثقافي واقتصادي واجتماعي، أخذ سبيله إلى التجسيد الحي في واقع الحياة العملية.
إن طبيعة النشأة الديمقراطية للمؤتمر الشعبي العام في مراحل صياغة الميثاق الوطني كان لها كبير الأثر في ترسيخ قيم الحوار الديمقراطي، والمتمثلة في احترام الرأي والرأي الآخر، وشرعية وأدب الاختلاف، والتي غدت سلوكا ومنهجا يمارسه المؤتمر الشعبي العام عبر مسيرته الديمقراطية، سواء في نطاق العلاقات الداخلية بين مختلف تكويناته، أو في نطاق علاقاته بغيره من الأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني داخل الوطن وخارجه.
ولقد سجل المؤتمر الشعبي العام منذ تأسيسه بأنه التنظيم الذي يتمايز برنامجيا وتشكيلا. فقد ضم خلاصة رموز الحركة الوطنية اليمنية في ربوع الوطن بمختلف اتجاهاتها السياسية والفكرية. ولم يكن العدد المؤسس للمؤتمر الذي تشكل من ألف عضو سوى بداية الطريق لبناء صرح تنظيمي تهيأت بوجوده ممكنات الانتقال إلى التعددية السياسية والحزبية بيسر وسهولة. 
فما إن تحققت الوحدة على قاعدة التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة حتى تدافع عشرات الآلاف للانضمام إلى عضوية المؤتمر الشعبي العام، بعد أن فتح باب الانتساب الطوعي، فاستكمل تواجده في المحافظات الجنوبية والجنوبية الشرقية، في الوقت الذي أتاح لمن يريد العودة لى حزب أو الانضمام إلى تنظيم سياسي آخر حرية الاختيار، فذهب بعض من مؤسسيه لتأسيس أحزاب وتنظيمات أخرى، لكنهم لم يقطعوا صلتهم بفكر المؤتمر ودليله الفكري والنظري «الميثاق الوطني»، بل استمر معظمهم في التأكيد الصريح والمعلن بأن الميثاق الوطني هو نظرية العمل الوطني التي لا تزال تمثل قواسم مشتركة بين جميع التيارات في الساحة الوطنية.
كما انسحب من المؤتمر الشعبي العام القيادات العسكرية والأمنية، والقضائية والدبلوماسية، التزاماً بقانون الأحزاب والتنظيمات السياسية الذي يحرم الانتماء الحزبي التعددي حفاظاً على حياديتها ولتكون صمام أمان الشرعية الدستورية.
إن فصولاً مهمة من المفيد أن نستحضرها في تنظيمنا السياسي الرائد «المؤتمر الشعبي العام» الذي أضحى انتشاره الواسع تعبيراً عن التصاقه بجماهير الشعب التي منحته الثقة على مدى خمس عمليات انتخابية «نيابية ومحلية، ورئاسية»، وظل وفياً لتلك الجماهير، ومعبراً عن آمالها وهمومها وتطلعاتها، ونابضاً بمشاعرها. 
امتلك المؤتمر بمشروعه الوطني قوة الفعل والتأثير وقدرة المواءمة بين النظرية والتطبيق، وظل المؤتمر مستوعباً هموم ومطالب كل مرحلة، متسماً بالتجديد والتطوير في قياداته وبرامجه ومهامه، وهو في مسيرته ما انفك يجسد أهداف ومبادئ الثورة المجيدة، ويرجحها في جميع برامجه ونشاطاته وعلاقاته وعلى كل صعيد، ويحافظ على مصلحة الشعب والثوابت الوطنية، ويستجيب بوعي واقتدار لمختلف التحديات، وما برح متصلاً بالجماهير، في علاقة عضوية جدلية مصيرية تضعهما معاً في تلاحم يجسد انبثاقه من بين صفوفها ويؤكد انتماءه إليها وحرصه على الانتقال بها إلى حالة أفضل، بالتشريعات والبرامج المستقبلية كحرصه على ألاّ يعدها إلا بما هو قادر على الوفاء به.
الآن ونحن نستقبل الذكرى الأربعين على تأسيس هذا الحزب الرائد، وفي ظل ما تعيشه اليمن من تشرذم وحرب واقتتال، وفي ظل ما أثبتته بقية الأحزاب من فشل سياسي وارتهان وانبطاح، وفي ظل ما حدث للحزب من تشتت ومحاولات تقسيم، يبقى المؤتمر هو النبراس الذي تُمد الأعناق إليه والرهان الوحيد لإخراج اليمنيين مما هم فيه، لأنه ببساطة من يمكن أن يمثل لهم حالة إجماع شمالا وجنوبا وشرقا وغربا.
وفي الأخير سيبقى المؤتمر كما كان حزباً مؤثراً وفاعلاً في الحياة السياسية، رغم طمع الطامعين وتربص المتربصين، وسيفشل كل المؤامرات والمحاولات التي تسعى إلى استيلابه وتجزئته. 
وكما أكد السفير أحمد علي عبد الله صالح: سيظل المؤتمر درعاً حصيناً ووحدة متماسكة وتنظيماً رائداً همه الوطن ومصالح الشعب، غير قابل للقسمة أو التجزئة والاستلاب تحكمه، كون الحزب محميا بجماهيره وأنصاره ومحبيه.