Image

بطل أولمبي وضحية اتجار بالبشر.. العدّاء مو فرح يروي قصة حياته

مو فرح، واسمه الحقيقي حسين عبدي كاهين، وصل من الصومال من دون والديه، واضطر للبقاء صامتاً لأكثر من 30 عاما، لكن ذلك لم يمنعه من أن يصبح أحد أفضل العدائين في التاريخ وأحد أكثر الرياضيين المحبوبين في بريطانيا.

الأربعاء 13 حزيران/يوليو، كان الجمهور الرياضي العالمي بشكل عام والبريطاني بشكل خاص، على موعد مع مفاجأة فجرتها هيئة الإذاعة البريطانية، التي نشرت وثائقياً يروي فيه العدّاء مو فرح القصة الحقيقية لحياته.

"صحيح أنني قلت سابقاً إن والديّ قد أتيا إلى المملكة المتحدة وأن قصتي كانت مختلفة عن القصة التي أحكيها اليوم، لكن ثقل السنين والرغبة في قول الحقيقة بالنسبة لي ولعائلتي وبالنسبة لأحبائي، كان أمرا مهما للغاية. لن أستطيع التعايش مع هذا إلى الأبد". هذا ما قاله بطل العالم ست مرات في سباق 5000 و10.000 متر لمهاجر نيوز، معبراً بشكل واضح عن راحته بعد مشاركته القصة الحقيقية لحياته. فقبل أن يصل إلى المجد على حلبات السباق حول العالم، بدأ مو فرح حياته في واحدة من أكثر الأماكن غير المستقرة على هذا الكوكب وتحت اسم آخر وهو حسين عبدي كاهين.

خطى حسين خطواته الأولى في مناطق النزاع في الصومال، حيث عاشت عائلته على الرغم من التوترات والاشتباكات المسلحة المتكررة. كان الصبي الصغير يبلغ من العمر أربع سنوات عندما أصيبت عائلته بمأساتها الأولى، قُتل والده في اشتباك مع الجيش الوطني تاركا وراءه ثلاثة أطفال وزوجة بات عليها رعايتهم وحدها. يقول فرح "تم تدمير العائلة، فقدنا رب أسرتنا وأساسها. من هناك أصبح الوضع أكثر صعوبة على أمي، التي لم تكن تعرف حقا ما الذي سيحدث غدا...".

حاول الطفل مساعدة والدته عائشة بالعمل، لكن الحياة كانت تزداد تعقيدا بالنسبة للعائلة، فتم إرساله إلى أقربائه في جيبوتي من أجل ضمان حصوله على بعض الاستقرار.

للوهلة الأولى، بدت رحلة خروج الطفل من مدينته كطوق نجاة، لكنها سرعان ما تحولت إلى كابوس. يقول "انتهى بي الأمر مع بعض الأشخاص من عائلتي، وشعرت أنني في أيد أمينة. ولكن ذات يوم، جاءت امرأة لم أسمع بها من قبل ولم تكن من عائلتي حتى تقابلنا. أخبرتني أنها ستأخذني إلى أوروبا معها. لم أكن متأكدا مما يجب أن أفكر فيه، لكنني كنت أعلم أن ذلك من شأنه أن يمنحني حياة أفضل، لذلك كنت لا أزال متحمسا للغاية. كنت سأستقل الطائرة لأول مرة في حياتي، لقد كان الأمر أكبر من قدرتي على التخيل في ذلك الوقت".

سافر حسين إلى لندن على أمل الانضمام إلى أفراد عائلته هناك، لكن ملامح العقبات التي انتظرته بدأت بالظهور له في المطار، حيث طلبت منه السيدة التي سافر معها أن يطلق على نفسه اسم محمد فرح، كما هو مكتوب في وثائق السفر التي تم توفيرها والتي تعود إلى طفل صغير آخر، كما نصحته بنسيان هويته الحقيقية.

عند الوصول إلى العاصمة البريطانية، وجد حسين نفسه في شقة صغيرة في هونسلو غرب المدينة، وأدرك أن حياته الجديدة تأخذ منعطفا دراماتيكيا غير متوقع. يتابع "كان أول ما فعلته السيدة هو تمزيق المستند الذي يحتوي على جميع أسماء أفراد عائلتي الذين يعيشون في بريطانيا ومعارفهم. شعرت بأنني سجين ومدمر".

داخل أسرة هذه المرأة، اضطر حسين إلى القيام بالأعمال المنزلية ورعاية الأطفال، كما حُرم من المدرسة حتى بلغ من العمر 11 عاما.

يقول "لقد كانت حياتي عبارة عن عبودية حديثة، ما حدث معي هو إتجار بالبشر من دون أي إنسانية، كانوا يجبروني على العمل حتى أتمكن من الأكل، من دون عمل لا يوجد طعام. إن التعامل مع طفل بذلك الشكل أمر حقير. أمروني بالصمت وهددوني بأني لن أرى عائلتي مرة أخرى. عندما بدأت في الذهاب إلى المدرسة، تظاهر هذان الشخصان بأنهما والداي، وكانا غير محبوبين من قبل المعلمين في المدرسة. كنت تحت سيطرتهما الكاملة. لم تكن هذه هي الحياة التي أردتها، وكنت أحاول إيجاد طريقة للتفكير في شيء آخر، حتى لا أبكي وحدي في سريري وأفكر في عائلتي في الوطن".

"ألعاب القوى أعادتني إلى الحياة"

على حلبات ألعاب القوى، بدأ الطفل يشعر ببعض السعادة وسط حياته التي كان يشوبها الحزن والقهر. في مدرسته، كان يواجه صعوبات بسبب تأخره مقارنة بأقرانه ويكافح بشكل خاص للتغلب على نقاط الضعف الرئيسية في اللغة الإنكليزية.

زملاءه في الفصل في ذلك الوقت لاحظوا أن محمد يجد سعادته عندما يركض. في اتصال مع مهاجر نيوز، قال توماس فينغسون صديق الطفولة لمحمد، "كان يطير على المنحدرات، كان يركض دون توقف، وبدا حراً. لم نكن نعرف الكثير عنه، لقد كان متحفظا للغاية، لكن بمجرد وقوفه في أي سباق، لم يكن من الممكن إيقافه. كان يبدو أنه مقيّد طول الوقت، لم نكن نعرف أي شيء عن محنته، والآن أفهم ما الذي تعرض له، وأفهم كيف حررت الرياضة حياته".

في الـ12 من عمره، التقى مو فرح بأحد الرجال الذين غيروا حياته، آلان واتكينسون، مدرس التربية البدنية، ليبدأ المراهق أخيرا برؤية الضوء في نهاية النفق.

لم يكن لدى المدرب واتكينسون أي شك بموهبة محمد، لكنه كان يحتاج إلى المساعدة. يقول المدرب "تطورت علاقتنا سريعا، وسرعان ما أدرك أنه يمكنه أن يثق بي. في اليوم الذي أخبرني فيه قصته وحقيقة أن هويته لم تكن كما تظهر على أوراقه وأنه يتعرض للاستغلال، لم أستطع الجلوس مكتوف الأيدي، فعلت كل شيء لتقوم الخدمات الاجتماعية بوضعه في أسرة صحية حيث يمكن أن يكبر محبوبا ومدعوما".

وشيئا فشيا، صار دور المعلم أقرب إلى دور الأب بالنسبة للشاب الصغير، الذي اكتشف منزلا جديدا وأصبح بإمكانه رؤية مستقبله بهدوء بعيدا عن الاستعباد الذي كان يعيش فيه. يقول محمد "لقد مثلت هذه الخطوة مصدر ارتياح كبير. بمجرد وصولي إلى هذه العائلة الجديدة، شعرت أخيرا بالأمان والحرية. شعرت كما لو أني عدت إلى الحياة من جديد. لا أتمنى أن يمر أي شخص بما مررت به".

قدم آلان واتكينسون النصائح للشاب في كل ما يتعلق بالرياضة والجري، ولكن أيضا وقبل كل شيء، كان يدفع الإدارة الإنكليزية لإلغاء العقبات في وجه المراهق، خاصة تلك المتعلقة بحصوله على جواز سفر. في الـ14 من عمره، لم يستطع مو فرح السفر إلى الخارج للمشاركة في المسابقات، على الرغم من أنه كان بالفعل أحد أفضل الرياضيين المرشحين في البلاد في فئته العمرية. مستقبله المهني كان مهدداً بسبب وضعه الإداري غير المستقر، فهو كان يحمل الجنسية الصومالية فقط، ولم يعد لديه جواز سفر لأنه كان يخضع لإشراف وزارة الشؤون الاجتماعية البريطانية.