Image

المؤتمر.. الترجمة الحقيقية لأهداف ثورة 26 سبتمبر

مثَّل قيام المؤتمر الشعبي العام في 24 أغسطس 1982 أول شراكة وطنية حقيقية في إدارة الدولة، وتحمل على عاتقه مسؤولية النهوض بالوطن وتحقيق آمال وتطلعات الشعب، وفي صدارتها أهداف الثورة اليمنية التي قدم من أجلها ثوار سبتمبر وأكتوبر أغلى التضحيات لما تمثله من رؤية وطنية خالصة تعتبر دليلاً لكل الحكومات التي جاءت بعد الثورة.

وكان على المؤتمر الشعبي العام أن يسير في اتجاهات متوازية لتحقيق الأهداف الستة للثورة واستكمال ما بدأته الحكومات السابقة، وصولاً إلى تحقيق نقلة نوعية في كافة المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية وانطلق المؤتمر الشعبي العام بما يمتلكه من دعم وإجماع شعبي لتحقيق إنجازات كبيرة في فترة قياسية تمثلت في تطوير البنى التحتية والهياكل الأساسية للدولة، وتوسعت شبكة الطرقات وتضاعف أعداد المدارس والمستشفيات والوحدات الصحية والجامعات وتضاعفت معها المعاهد الفنية والتخصصية في كل المجالات. كما شهدت المؤسسة العسكرية والأمنية قفزات كبيرة في التدريب والتسليح مكنها من بسط سيادة الدولة على كامل أراضي الجمهورية وحماية مكتسبات ومنجزات الثورة وفرض حالة الأمن والاستقرار.

وعلى المستوى الخارجي، حرص المؤتمر الشعبي على انشاء علاقات تعاون واحترام مع كافة دول العالم وشاركت حكوماته بفعالية في كل المحافل الدولية، ووقعت اتفاقيات ومعاهدات عدة جعلت اليمن شريكاً حقيقياً في الحفاظ على الأمن الاقليمي والدولي، ولاسيما في مجالات مكافحة الإرهاب والقرصنة والتهريب، وكذا الإسهام الفاعل في المساندة الإنسانية للاجئين والمنكوبين جراء الحروب والكوارث الطبيعية.

كما حرصت حكومات المؤتمر المتعاقبة على تسوية كافة المشاكل الحدودية البرية والبحرية وترسيمها بما يحقق السلام الدائم وإزالة كل أسباب التوتر مع الجيران. ويفتح آفاقاً أوسع للتعاون وينقل العلاقات الثنائية من مرحلة الجوار إلى مرحلة الشراكة ويتيح المجال لاستغلال الثروات الطبيعية بشكل أمثل وإنشاء مشاريع استثمارية توفر عائدات اقتصادية كبيرة.

وتؤكد المؤشرات الاقتصادية أن اليمن حقق نسبة نمو عالية في كافة المجالات بفضل السياسة المتوازنة التي انتهجها المؤتمر الشعبي داخلياً وخارجياً، وأثمرت في أقل من أربع سنوات عن تصدير أول شحنة نفط من حقول مأرب وإعادة بناء سد مأرب التاريخي. وانعكست تلك الإنجازات مباشرة على الاقتصاد الوطني ومن ثم إعادة ضخ هذه العائدات لتمويل المشاريع التنموية التي عمت كافة أنحاء البلاد وفق خطط تنموية قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى وفرت الكثير من فرص العمل للشباب وحققت عائدات ضخمة من العملات الصعبة أنعشت الاقتصاد الوطني وفتحت المجال أمام علاقات اقتصادية وتجارية واسعة مع مختلف دول العالم لتصدير واستيراد البضائع والسلع والمنتجات.

تلا ذلك بسنوات قليلة تحقيق أعظم منجز في تاريخ اليمن الحديث المتمثل في إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990؛ وهو الحلم الذي انتظر اليمنيون تحقيقه لنحو قرن ونصف من الزمان، ليكون بمثابة ثورة جديدة جمعت أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر، لتبدأ مرحلة أخرى من البناء والعطاء التنموي وتصحيح ما أفسده الاستعمار والإمامة.

لم يكن الطريق الذي سلكه المؤتمر الشعبي العام في بناء الدولة اليمنية الحديثة والموحدة مفروشاً بالورود، بل كان طريقاً وعراً مليئاً بالاشواك ومحاطاً بالمؤامرات الخارجية، وظل أعداء اليمن يتربصون به ويتحينون الفرصة لخنق أحلام الشعب اليمني ووأدها في مهدها، ودفع اليمنيون ثمناً كبيراً لمواقفهم ومبادئهم وأحلامهم المشروعة وواجهوا في سبيلها أعباء اقتصادية وسياسية تفوق احتمالهم وإمكانات دولتهم الناشئة التي ورثت حملاً ثقيلاً من التخلف والمشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي خلَّفها نظام الإمامة البغيض وحكم المستعمر البريطاني المستبد. ولم يتردد أعداء اليمن في دفع المبالغ الضخمة والأسلحة لإثارة الفتن والصراعات في اليمن، ونتج عنها حرب صيف 1994 لمواجهة مشروع الانفصال، وتم تجاوزه وإفشاله في وقت قياسي بفضل حكمة وتكاتف أبناء اليمن في الجنوب والشمال ورفضهم القاطع لمحاولة إجهاض حلم الوحدة بعد أقل من أربع سنوات على تحقيقه. وقد نتج عن تلك الحرب تبعات كثيرة وضعت مستقبل اليمنيين علي المحك، إلا أن حكمة القيادة السياسية للمؤتمر تمكنت من تقليل الخسائر وتجاوز المحنة حتى عادت اليمن إلى بر الأمان، واستؤنفت عملية التنمية بمشاركة كل أبناء الوطن الذين استوعبوا حجم المؤامرة الخارجية. وعادت أطراف الصراع إلى حضن الوطن، وكان قد سبق ذلك إصدار قرار العفو العام خلال حرب 1994، ليسهم بشكل فاعل في حسم معركة الانفصال وترميم الشروخ التي اعترت جدار الوحدة.

وبعد معالجة الفتنة الداخلية، اتجه أعداء اليمن لافتعال مشاكل خارجية في محاولة لإقحام اليمن في حرب مع جيرانها، فدفعت بإريتريا للتحرش عسكرياً باليمن واحتلال جزر حنيش؛ وهو الأمر الذي تنبه له المؤتمر الشعبي العام وقيادته السياسية واتخذوا قراراً حكيماً باللجوء للقضاء الدولي، ليتحقق لهم ما أرادوا بعودة الجزر للسيادة اليمنية وتجنيب اليمن ويلات الحروب والصراعات والمؤامرات الخارجية التي تستهدف صرف جهود الدولة عن متابعة السير في تنفيذ الخطط التنموية واستكمال البناء والنهوض في كافة المجالات.

يمتلك المؤتمر الشعبي العام رصيداً حافلاً من الإنجازات العظيمة التي حققها للوطن لا تخفى على أحد، ويمكن إدراكها بالعين المجردة. وأينما تولي وجهك ستجد هذه المنجزات من حولك تشهد بعظمة المؤتمر وقيادته السياسية المحنكة وجهود كل أبناء الوطن المخلصين، ولا مجال لحصر هذه المنجزات، والواقع يقول ماذا قدم الآخرون لينافسوا به المؤتمر. فخلال 33 عاماً من حكم الزعيم الشهيد/ علي عبدالله صالح مؤسس المؤتمر الشعبي العام تضاعف عدد المدارس من 1883 مدرسة في العام 1978 إلى 16231 مدرسة عام 2011، وارتفع عدد المنشآت الصحية العامة والخاصة خلال نفس الفترة من 361 منشأة إلى 15500 منشأة، وتضاعفت أطوال الطرق الأسفلتية من 1113 كلم إلى 24504 كلم، والطرق الحصوية الممهدة من 859 كلم الى 75600 كلم، وارتفع عدد الجامعات من اثنتين إلى 13 جامعة، وتضاعف عدد الكليات من ثمان إلى 95 كلية، كما تضاعف عدد المطارات من 3 إلى 13 مطاراً، مع تطوير وتوسعة المطارات السابقة، وتضاعف عدد الموانئ البحرية من خمسة إلى 21 ميناء.

هذه فقط بعض ملامح النهضة التي شهدها اليمن في عهد حكومات المؤتمر على مدى 33 عاماً.

إذا ما استعرضنا أهداف الثورة اليمنية سنجد للمؤتمر الشعبي العام بصمات خالدة في كل هدف منها، بدءا بإقامة حكم جمهوري عادل وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات وبناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها، ومروراً برفع مستوى الشعب اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً؛ وهو ما تشهد به الأرقام السابقة والانجازات الماثلة للعيان، وكذا الحريات السياسية والصحفية التي فتحت لها الأبواب في عهد حكومات المؤتمر، وكذلك إجراء الاستحقاقات الانتخابية النيابية والمحلية والرئاسية المباشرة والتي شهدت بنزاهتها المنظمات الدولية المعنية بمراقبة الانتخابات وتقييمها.

كما أسهم المؤتمر الشعبي العام بفاعلية في تجسيد الهدف الرابع المتمثل في إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل مستمد أنظمته من روح الإسلام الحنيف؛ حيث ينص الميثاق الوطني على أن الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيس لكل التشريعات والقوانين. ويؤكد ذلك أيضاً دستور الجمهورية اليمنية المستفتى عليه بعد الوحدة. ويُحسب للمؤتمر أنه توج نضالات الرؤساء والحكومات السابقة من أجل تحقيق الوحدة بإعلان قيام الجمهورية اليمنية الموحدة في العام 1990 وتجسيداً للهدف الخامس الذي ينص على تحقيق الوحدة الوطنية في نطاق الوحدة العربية الشاملة. وسعى المؤتمر لإنجاز الجزء الأخير من خلال مشروع الاتحاد العربي الذي تقدم به للجامعة العربية واصطدم بالمشاريع الصغيرة للحكام العرب. أما الهدف السادس فينص على احترام مواثيق الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والتمسك بمبدأ الحياد الإيجابي وعدم الانحياز، والعمل على إقرار السلام العالمي وتدعيم مبدأ التعايش السلمي بين الأمم، ولم تسجل أي شكوى ضد اليمن بالتآمر أو التدخل في شئون الدول الأخرى، بل كان نموذجاً في العمل المثمر من أجل تقريب وجهات النظر بين المتصارعين في الاطار العربي وداعماً للشعوب العربية من أجل نيل حقوقها. وسجل المؤتمر وحكوماته وقيادته مواقف خالدة في دعم القضايا القومية والعربية والإسلامية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.