Image

إسرائيل تشرعن البؤر الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية

عندما قرأت العناوين المتعلقة بالقرار الأخير الصادر عن المحكمة العليا الإسرائيلية بشأن المستوطنات في الضفة الغربية، شعرت بالغضب الشديد، من هذه المحكمة ومن نفسي. وكان الغضب من هذه المحكمة واضحاً. وصوّت أربعة مقابل ثلاثة من القضاة لصالح استمرار بقاء المستوطنة في أرض مملوكة لجهة خاصة هم الفلسطينيون، وبالتالي فإنهم يمنحون موافقة قضائية غطاءً لسرقة الأراضي.

وأما فيما يتعلق بالغضب من نفسي، فقد أدركت أني كنت متمسكاً بجزء من الأمل بأنه كان من الممكن مقاومة مشروع الاستيطان، وهو جوهر الاستيطان، عن طريق إحضار أدلة ومنطق إلى أعلى محكمة في إسرائيل. ولكني كنت ساذجاً.

وتعلمت أن هذا الأمل، كما سأقول في دفاعي، من التاريخ، ومن الناشطين ومن المعلقين الذين أكن لهم الاحترام. وفي قضية شهيرة ترجع إلى عام 1979، أصدرت المحكمة العليا قراراً مفاده أن الحكومة كانت مخطئة لأنها أقامت مستوطنة في أرض كان الجيش قد صادرها بزعم أنه بحاجة إليها لأغراض عسكرية. ولم تكن المستوطنة تخدم أغراض الأمن وفق ما خلصت إليه المحكمة. وبالنظر إلى أن الاحتلال العسكري كان مؤقتاً بطبيعته، لم تتمكن المحكمة من أخذ ممتلكات خاصة لسكان المنطقة لتشييد مستوطنات دائمة. ولم تكن الحكومة سعيدة بهذا القرار ولكنها ألغت المستوطنة.

وعلى الرغم من أن المحكمة تجنبت الحكم في حينه بشأن النتيجة الشاملة التي مفادها: عدم شرعية قيام إسرائيل بتوطين إسرائيليين في مناطق تحت الاحتلال العسكري، إلا أنها كانت سابقة، مفادها أنه ثمة حدود لما يمكن أن تقوم به إسرائيل في المناطق المحتلة عسكرياً. فهناك قوانين، وهناك إشراف قضائي. وإذا لم يتمكن معارضو المستوطنات من التغلب عليها بقرار قضائي واحد وكبير، فإنه لايزال بإمكانهم شن حرب استنزاف قضائية.

وفي المراحل المبكرة من العقد الماضي ظهر الكثير من المستوطنات، ويرجع الأمر إلى الجرأة في تجاهل الشرعية من خلال بناء نحو 100 مستوطنة صغيرة، يطلق عليها البؤر الاستيطانية، والتي تم إنشاؤها بعد اتفاقية أوسلو. ولا تكترث هذه المستوطنات بالقانون الدولي وتنتهك العديد من القوانين التي حكمت إسرائيل الضفة الغربية وفقها، حسب ما ورد في تقرير مفصل صادر عن لجنة حكومية عام 2005. وكان العديد من هذه البؤر الاستيطانية مقامة على ممتلكات من الواضح تماماً أنها مملوكة للفلسطينيين، وفق ما أكد التقرير. وأظهر بحث أجرته منظمة «السلام الآن» الإسرائيلية أن المستوطنات القديمة التي وافقت عليها الحكومة كانت مقامة جزئياً على ممتلكات فلسطينية. وثمة قاعدة بيانات إسرائيلية جرى تسريبها عام 2009 تقدم مزيداً من المعلومات عن سرقة الأراضي.

ومثل هذه الأدلة غذت الدعاوى أمام المحكمة العليا. وفي عام 2006، أجبرت إحدى القضايا الحكومة على إزالة منازل كانت مقامة على أراض مسروقة من الفلسطينيين في بؤرة «رامون» الاستيطانية بالقرب من رام الله. وفي قضية أخرى أجبرت على إجلاء البؤرة الاستيطانية برمتها. وطلبت مجموعتان إسرائيليتان لحقوق الإنسان من المحكمة أن تأمر بإزالة تسعة منازل يتم بناؤها على ممتلكات فلسطينية في مستوطنة قديمة تدعى «أوفرا». وكتبت يومها متفائلاً «إذا نجحت هذه الدعوى، ستهتز الأرض تحت (أوفرا) والمستوطنات الأخرى»

وبعد سنوات من الجدل أمرت المحكمة فعلاً بإزالة المنازل. وفي هذه القضايا والأخرى المتعلقة بالمستوطنات، يبدو أن المحكمة لديها خط أحمر واحد على الأقل: وهو أنها تريد حماية حقوق الملكيات الخاصة للفلسطينيين. ومع ذلك فإن الأرض لم تهتز تحت المستوطنات الأخرى، إذ إن تحقيق انتصارات صغيرة في المحكمة لا يغير سياسات الحكومة الكبيرة.

وخلال القرار الأخير الصادر الأسبوع الماضي، يبدو أن المحكمة العليا تجاوزت خطها الأحمر. فقد تعلق الحكم ببؤرة استيطانية في الضفة الغربية يطلق عليها «ميتزيب كراميم» وألغت أمراً سابقاً بإجلاء المستوطنين الذين قاموا ببناء منازل على ممتلكات فلسطينية. وهذه المرة، حكمت الأغلبية في المحكمة بأن مسؤول الحكومة الذي خصص الأرض للمستوطنين كان يعتقد «وبنية سليمة» أن ملكيتها تعود للدولة. وقالت الأغلبية إن المالكين الشرعيين للأرض يجب أن يتم تعويضهم بقطعة أرض في مكان آخر، ويجب أن تظل البؤرة الاستيطانية كما هي، عملاً بأحد المبادئ من القانون الإسرائيلي.

وسيتم كتابة أطروحات عدة لشهادات الدكتوراه حول الألعاب البهلوانية القضائية المستخدمة للوصول إلى هذا الاستنتاج. ومع ذلك فإن العملية برمتها ملطخة بسوء النية. وكما أوضح لي أحد خبراء القانون الإسرائيليين، فإن القضاة طبقوا قانوناً إسرائيلياً، مناسباً للنزاعات داخل حدود الدولة يحكم العلاقة بين المحتلين ومن يحتلهم. وبموجب القانون الدولي، حتى لو كانت الأراضي موضع الخلاف ممتلكات عامة، لا ينبغي منحها للمستوطنين. ولكن المشروع الاستيطاني لايزال يتم إنجازه على أساس تجاهل القانون الدولي.

ومن المنطق بالنسبة للناشطين الإسرائيليين مواصلة الكفاح في المحكمة، لمساعدة الفلسطينيين ولإبقاء هذه القضايا ماثلة أمام أعين العامة. ولكنه من الخطأ التعامل مع المحكمة العليا من دون الوعي الكامل، باعتبارها مجموعة من الملوك والملكات الفلاسفة الذين سيعيدون تشكيل السياسة الوطنية في سعي مطلق لتحقيق العدل. وعند التعامل مع الاحتلال، فإنهم جزء من المحتل. وحتى عند السعي لتكون هذه المحكمة الأكثر موضوعية وعدلاً، فإنها ستكون متشكلة من خلال الحوار العام الإسرائيلي.

ويتعين على الأشخاص أمثالي في إسرائيل الذين يرون الاستيطان والاحتلال باعتباره ظلماً وخطراً على الدولة، أن يكرسوا مزيداً من الجهود من أجل إعادة القضية إلى قمة البرنامج السياسي للدولة. والمحكمة التي نسعى إلى إقناعها هي محكمة الرأي العام.

جيرشوم غورينبيرغ مؤرخ وصحافي إسرائيلي