Image

إيطاليا تواجه «فاشية الثلاثينات» بينما يستعد «اليمين» لتولي السلطة

هناك بعض الجرائم التي تغيّر مسار التاريخ، وقد يكون القتل الوحشي لبائع متجوّل نيجيري في إيطاليا واحدة. وكشف الخطاب العام حول مقتل أليكا أوغورشوكو، الذي تعرّض للضرب حتى الموت أمام المارة، في بلدة تشيفيتانوفا ماركي الساحلية، عن الانقسامات في المجتمع، حيث يستعد الإيطاليون للتصويت في انتخابات مبكرة الشهر المقبل.

وبالنسبة للبعض، فإن القتل هو خطأ سنوات من تأجيج خطاب معاد للمهاجرين من قبل السياسيين اليمينيين، مع أصداء مقلقة لـ«الفاشية». ويتهم آخرون اليسار بمحاولة كسب زخم سياسي من المأساة. والنزاع المرير مهم لأنه، وفقاً لاستطلاع الرأي الحالي، فإن الأحزاب المناهضة للهجرة على يمين السياسة الإيطالية، هي التي ستفوز بأكبر قدر من التأييد في الانتخابات وتشكيل الحكومة المقبلة.

ويبدو أن زعيمة «إخوة إيطالية» اليمينية المتشددة، جورجيا ميلوني، تسير على الطريق الصحيح لتصبح رئيسة الوزراء المقبلة في البلاد، بعد تصويت 25 سبتمبر. وسيكون ذلك بمثابة تحول جذري في السياسة الإيطالية، ما يشكل مخاطر محتملة على اقتصاد البلاد، بعد فترة من الاستقرار تحت قيادة رئيس الوزراء المنتهية ولايته ماريو دراغي. كما أن هناك مخاوف من أن يؤدي تحالف يميني إلى إضعاف الوحدة الأوروبية في وقت حساس.

ويقول منتقدو ميلوني إن «على الناخب الإيطالي أن ينتبه إلى مدى تطرف وجهات نظرها»، محذرين من عودة الأيام المظلمة لـ«فاشية الثلاثينات». وعزّزت التغطية الإعلامية، التي أشارت إلى أن الحكومة الإيطالية الجديدة يجب أن تؤدي اليمين الدستورية في وقت قريب من الذكرى المئوية لمسيرة موسوليني في روما، هذه النقطة.

وبالنسبة إلى لورا بولدريني، المنافسة السياسية لميلوني، فإن الأخيرة «تمثل اليمين المتطرف في إيطاليا الذي لم يعترف بماضيه»، متابعة: «حزب (إخوة إيطاليا) تم اختراقه من قبل عناصر فاشية معلنة». ومن الواضح أن الحزب يريد مجتمعاً مغلقاً، يتطلع إلى الماضي، بينما تحتاج إيطاليا إلى التطلع إلى المستقبل. لقد ولت العصور الوسطى.

الذراع الأنيقة

هل ميلوني وحزبها حقاً ورثة فاشيو موسوليني؟ وماذا سيفعلون إذا استولوا على السلطة هذا الخريف؟

دخلت ميلوني، البالغة من العمر 45 عاماً، السياسة وهي تبلغ من العمر 15 عاماً، كناشطة في جبهة الشباب التابعة للحركة الاجتماعية الإيطالية، وهي مجموعة شكلها الفاشيون السابقون بعد الحرب العالمية الثانية. وبينما كان يُنظر إلى الحركة على أنها الذراع الأنيقة للفاشية، حافظت الحركة على صلاتها بالمتطرفين.

وغادرت ميلوني حزب الشعب - من يمين الوسط بزعامة سيلفيو بيرلسكوني - وعارضت دعمه المقترح للتكنوقراط ماريو مونتي، في انتخابات 2013، وأسست «إخوة إيطاليا». ويحتفظ الحزب برمز الشعلة الخاص بـ«الحركة الاجتماعية الإيطالية»، في شعارها، وقدم الحزب أحفاد موسوليني كمرشحين، على الرغم من أنه يزعم أن الحديث عن الفاشية قد عفا عليه الزمن.

ويجادل الحزب بأن معارضته لزعيم غير ديمقراطي تُظهر أنه في الواقع مدافع عن الديمقراطية، على عكس الاستبداد الفاشي. كما أن «إخوة إيطاليا» هو الحزب الوحيد الذي رفض دعم الحكومات المتعاقبة غير المنتخبة، في آخر هيئة تشريعية، وبلغت ذروتها في معارضتها لتحالف دراغي.

وقالت ميلوني، في مقابلة العام الماضي، إنه «لا يوجد مكان للحنين إلى الفاشية» في حزبها. من جانبه، قال عضو البرلمان الأوروبي عن جماعة «إخوة إيطاليا»، إن زملاءه ظلوا في المعارضة خلال حكومة دراغي «لأن المبدأ بالنسبة لنا هو الديمقراطية، التي يختارها الشعب، لذلك عندما يتهموننا بالفاشية والتطرف، لا يمكننا الرد إلا بالضحك، لأن أفعالنا وخياراتنا معاكسة تماماً».لكن كانت هناك خلافات، ففي العام الماضي، تم تعليق أحد أعضاء البرلمان الأوروبي من الحزب، بعد أن أظهر فيلم وثائقي سري أنه يناقش التمويل غير القانوني في اجتماعات مع المتطرفين، الذين أدوا التحية الفاشية وألقوا نكاتاً عنصرية.

 حصار بحري

مع انحسار الوباء، عادت الهجرة - الدعامة الأساسية للحركات السياسية اليمينية في جميع أنحاء العالم - كقضية رئيسة في السياسة الإيطالية.

دعت المقترحات، التي نُشرت بعد مؤتمر لحزب «إخوة إيطاليا»، في مايو، إلى احتجاز المهاجرين في مناطق محددة، حتى يثبتوا قضية اللجوء الخاصة بهم، وفرض حصار بحري وغرامات على سفن الإنقاذ التابعة للمنظمات غير الحكومية.

حليف ميلوني وشريكها المحتمل في الائتلاف هو زعيم حزب الرابطة المتشدد المناهض للهجرة، ماتيو سالفيني. وعندما كان وزيراً للداخلية في ائتلاف سابق، شن سالفيني حملة ضد سفن إنقاذ المهاجرين التابعة للمنظمات غير الحكومية. وقد قُدم للمحاكمة بسبب احتجازه مهاجرين على متن قوارب، وتم النظر في جهوده لتحدي عمليات المنظمات غير الحكومية من قبل المحاكم.

ولكن خلال هذه الحملة الانتخابية، ركز سالفيني على مسألة المهاجرين غير الشرعيين، الموجودين في مركز استقبال في جزيرة لامبيدوزا. ومع ذلك، هناك أسباب للاعتقاد أنه إذا انتهى بهم الأمر إلى قيادة الحكومة المقبلة، فإن خطط «إخوة إيطاليا» (الأكثر غرابة) قد لا تؤتي ثمارها أبداً. ومن المحتمل أن تتعارض مقترحات الهجرة الخاصة بالحزب مع القوانين الدولية والبحرية وقوانين الاتحاد الأوروبي.

إلى جانب ذلك، فإن المؤسسات الديمقراطية الإيطالية والالتزامات الدولية قد تساعد في منع هذه الخطط وحدوث انحرافات دراماتيكية.

ويتفق بعض الأكاديميين مع ذلك. وقال أستاذ التاريخ السياسي بجامعة لويس في روما، جيوفاني أورسينا، إنه «إذا فاز تحالف ميلوني اليميني بالسلطة، فسيكون أكثر الحكومات تشدداً في تاريخ الجمهورية الإيطالية». لكنه أضاف أن تصنيف «إخوة إيطاليا» على أنهم فاشيون، أو فاشيون جدد هو «تحريف»، موضحاً: «قد نكره ميلوني ومقترحاتها، لكن الفاشية هي مجرد تسمية خاطئة».

وقال أورسينا إن «التزامات إيطاليا الدولية - خصوصاً داخل الاتحاد الأوروبي - تترك مساحة صغيرة للتطرف. وهذا أحد الأسباب التي تجعل الحكومة اليمينية لا تشكل خطراً، فليس هناك مجال للمناورة».

ويعتقد البعض الآخر أن صعود «إخوة إيطاليا» يمكن أن يبشر بعصر من الاستبداد اليميني بمرور الوقت. وبالنسبة لأستاذ علم الاجتماع في جامعة كاتوليكا ديل ساكروكور، في ميلانو، ماورو ماجاتي، فإنه لن يكون هذا بسبب قيادة ميلوني لحركة «فاشية»، ولكن لأنها لن تكون قادرة على الوفاء بوعودها للجمهور.