محلل أميركي: تنحي واشنطن جانباً سيُعرّض بايدن لسيل من انتقادات الصقور الجمهوريين
منذ حرب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على أوكرانيا، أثيرت تكهنات بأن هذه الخطوة قد تؤدي إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة، وحذّر نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، ديمتري ميدفيديف، من أن قيام دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) بإرسال أسلحة ومرتزقة، وإجراء تدريبات قرب حدود روسيا، يزيد احتمال نشوب صراع مباشر مع الحلف قد يؤدي إلى حرب نووية.
وقال رئيس تحرير مجلة «ناشيونال إنتريست» الأميركية، جاكوب هيلبرون، إن بوتين بحربه على أوكرانيا، «يقود إلى ما لا يقل عن عهد جديد من الاضطرابات. والآن، مع سعي روسيا لتحقيق طموحاتها الإمبريالية القديمة، يظهر مرة أخرى الإرث الكئيب لمعاهدة (بريست/ ليتوفسك)، التي أبرمت عام 1918 وتنازلت بمقتضاها روسيا عن أوكرانيا، وكل دول البلطيق الثلاث لألمانيا».
ضجة
وأضاف أنه «في شهر مايو الماضي، تسبب مستشار الأمن القومي ووزيرالخارجية الأميركي السابق، هنري كيسنجر، في إثارة ضجة في خطاب ألقاه أمام المنتدي الاقتصادي العالمي في (دافوس)، عندما تحدث عن مفاهيم واقعية تقليدية، بالإعلان عن أن التوصل إلى تسوية من خلال المفاوضات أمر حتمي، خوفاً من تصاعد الحرب إلى مواجهة مباشرة بين واشنطن وموسكو».
وأضاف كيسنجر: «يتعين أن تبدأ المفاوضات في الشهرين المقبلين قبل أن تتسبب الحرب في اضطرابات وتوترات لن يكون من السهل التغلب عليها. ومن الناحية المثالية، يجب أن يكون الخط الفاصل هو العودة إلى الوضع الراهن».
وتابع: «مواصلة الحرب إلى ما بعد تلك النقطة لن تكون بشأن حرية أوكرانيا، ولكن حرباً جديدة ضد روسيا نفسها».
وفي برلين وباريس، حيث تنتشر الهواجس بشأن مسار الحرب، وجدت تحذيرات كيسنجر آذانا صاغية.
ولكن تصريحات كيسنجر دفعت منتقدين، بما في ذلك الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، للإعلان بأنه (أي كيسنجر) ينصح باتباع سياسة الاسترضاء في وجه الطغيان.
ويرى هيلبرون أن حجة المنتقدين بسيطة ومنتشرة على نطاق واسع أيضاً، وهي أنه ليس هذا وقت التخلي عن القتال. فروسيا الجشعة هي التي تواصل مسيرتها، حيث هاجمت جورجيا، وضمت شبه جزيرة القرم، وتهدد دول البلطيق، والآن تحاول السيطرة على كييف نفسها.
ولذلك يتعين على روسيا أن تدفع ثمناً باهظاً جرّاء أعمالها العدوانية، وإذا ما أمكن الإطاحة ببوتين نفسه من السلطة، فربما يمكن عندئذ القضاء على التهديد الذي تشكله روسيا إلى الأبد.
مقدمة
وفي منتدى «دافوس» الاقتصادي، قال الملياردير الأميركي جورج سوروس إنه ربما تكون الحرب على أوكرانيا «بمثابة البداية للحرب العالمية الثالثة، وربما لا تستطيع حضارتنا التصدي لها».
وأضاف سوروس: «العالم يخوض على نحو متزايد صراعاً بين نظامين للحوكمة على طرفي نقيض: المجتمع المفتوح والمجتمع المغلق».
وتوجد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في مكان ما بين هذين النوعين من المجتمع.
وبعد تردد في البداية، سلم بايدن كمية كبيرة من الأسلحة لأوكرانيا، بما في ذلك حزمة مساعدات بقيمة 40 مليار دولار.
وعلاوة على ذلك، أعلن بايدن خلال زيارته لبولندا، أواخر شهر مارس الماضي، أن بوتين «لا يمكن أن يظل في السلطة».
ولم يكشف بايدن عن الكيفية التي سيتم من خلالها تحقيق ذلك. ومن جانبه، قال وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، إن «الهدف الأميركي يجب أن يكون إضعاف روسيا بشكل دائم».
ولكن بايدن رفض الموافقة على إنشاء منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا، وقال أيضاً: «لن نرسل إلى أوكرانيا نظم صواريخ يمكنها ضرب أهداف داخل روسيا».
وفي الحزب الجمهوري، تكاتف الكثير من المشرعين لدعم أوكرانيا، ويؤيد زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، قضية كييف وهاجم علانية انتقاد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لـ«الناتو».
ولكن المعركة بين الجمهوريين بشأن الشؤون السياسية ربما بدأت تواً. وتتشكل بين بعض المحافظين، معارضة وليدة لنهج بايدن الداعم لأوكرانيا. وهناك أشخاص ينتمون لتيار اليمين يلومون أميركا نفسها على دعم الحرب في أوكرانيا، أو على الأقل إطالة أمدها.
رفض
من جهة أخرى، أعلن المرشح الجمهوري لمجلس الشيوخ عن ولاية أوهايو، جي دي فانس، رفضه لدعم أوكرانيا ضد روسيا.
وكتب كريستوافر كالدويل، الذي كان قد أشاد في السابق ببوتين ووصفه بـ«رجل الدولة البارز في عصرنا» في صحيفة «نيويورك تايمز» «محذراً»، «أعطينا الأوكرانيين السبب للاعتقاد بأن بإمكانهم الانتصار في حرب تصعيد. فقد لقي آلاف عدة من الأوكرانيين حتفهم كان من المرجح ألا يموتوا لو كانت الولايات المتحدة قد تنحت جانباً».
ومع ذلك، فإن التنحي جانباً سيُعرض بايدن لسيل من الانتقادات من الصقور الجمهوريين، ما يثير تساؤلاً عن الطرف الخاسر في النقاش بشأن أوكرانيا، وهو ما من شأنه أن يدمر رئاسته المتداعية بالفعل.
واختتم هيلبرون تحليله بالقول إن «الاعتقاد السائد الآن هو أن أميركا بصدد الدخول في معركة هامشية يمكن فقط أن تعرقل جهودها للتصدي لعدو أكثر خطورة وهو بكين. وبالنسبة لبايدن، فإن الإخفاق في أوكرانيا ليس خياراً».