السودان.. غموض وشكوك وضوء في آخر النفق
بين مؤيد ومشكك انقسم السودانيون حيال قرارات رئيس مجلس السيادة، الفريق عبدالفتاح البرهان، والتي فصلها نائبه محمد حمدان دقلو، حول ابتعاد المؤسسة العسكرية عن السلطة وتركها الحكم للمدنيين، في وقت لا يزال المشهد السياسي ملبداً بالغموض، في ظل احتجاجات مستمرة منذ أكثر من تسعة أشهر.
ويرى مراقبون أن قرارات البرهان الخروج من حوار الآلية الثلاثية، وما تبع ذلك من تفاصيل في بيان نائبه دقلو، أثارت المزيد من الجدل حول مستقبل العملية السياسية، إلا أنها حركت جمود المشهد في الوقت ذاته، لافتين إلى أنّ من شأنها إحداث اختراق في جدار الأزمة حال توفرت الإرادة والثقة بين المكونات.
ويرى الخبير العسكري، العميد متقاعد ساتي محمد سوركتي لـ«البيان»، أن المشهد يزال ضبابياً، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن ملامحه بدأت تتكشف عقب الموقف الأخير من قيادة القوات المسلحة والدعم السريع، ما ينبئ عن تحرك إيجابي لحل الأزمة، لاسيما في ظل التحركات الإقليمية والدولية، لافتاً إلى أن تفتيت السودان في هذه المرحلة مع المتغيرات الدولية سيقود إلى مآلات غير محسوبة، متوقعاً أن تمضي الأمور نحو الحل.
ويشير سوركتي، إلى أن المؤسسة العسكرية لن تكون طرفاً في ترتيبات الحكومة القادمة التي ينبغي تشكيلها من قبل المدنيين عبر تكويناتهم المختلفة وذلك بالاتفاق على رئاسة الوزراء وتشكيل حكومة من الكفاءات الوطنية دون محاصصة حزبية، غير أنه لفت إلى أن تلك الترتيبات تتطلب قرارات حازمة لتنزيل القانون وفرض هيبة الدولة لحفظ الأمن وحماية المدنيين، مع ضرورة التعامل مع الفترة الانتقالية باعتبارها فترة انتقال موقوتة بكل مواصفاتها.
بدورها، قالت قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي، إن خطاب نائب رئيس مجلس السيادة قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو حوى إقراراً إيجابياً ببعض مطالب الحركة الجماهيرية، أهمها ضرورة تسليم السلطة كاملة للمدنيين، وخروج المؤسسة العسكرية كلياً من السياسة وتفرغها لمهامها الدستورية والالتزام بالإصلاح الأمني والعسكري الذي يشمل الوصول لجيش مهني وقومي والالتزام بالسلام واستكماله، غير أن التحالف الذي كان شريكاً في إدارة الفترة الانتقالية حتى أكتوبر الماضي يشدد على أن تأسيس السلطة المدنية الديمقراطية الكاملة يتطلب وحدة قوى الثورة وتمسكها بقضايا التغيير الديمقراطي الشامل.
تبديد شكوك
من جهته، يؤكد المحلل السياسي شوقي عبدالعظيم في تصريحات لـ«البيان»، أن تعهدات العسكريين يشوبها الغموض، مع حملها الكثير من التدخلات المتمثلة في تحديد المسار السياسي للمرحلة الانتقالية مع الاحتفاظ بمجلس أعلى للقوات المسلحة بصلاحيات واسعة، فضلاً عن إلغاء مجلس السيادة دون تحديد إلى أين ستذهب صلاحياته؟ الأمر الذي يعمق الشكوك حول نوايا المكون العسكري، على حد قوله.
ويشير عبد العظيم، إلى أن الأمر يستلزم مطلوبات لتبديد الشكوك حول موقف المكون العسكري، بإلغاء قرارات 25 أكتوبر وما ترتب عليها، والاستناد لمرجعية دستورية، فضلاً عن تعهد المؤسسة العسكرية بإخضاع القوات الأمنية للجهاز التنفيذي.
وأضاف: «ولا يتم ذلك إلا وفق حوار وترتيبات مشتركة متفق عليها، فضلاً عن إنشاء لجان تحقيق شفافة للبحث عن قتلة المتظاهرين وتقديمهم للمحاسبة من أجل تحقيق مطلب العدالة وإضفاء مصداقية على العملية السياسية».