Image

داعش.. من إرهاب المدن إلى رمال البادية

حققت جهود مكافحة تنظيم داعش الإرهابي في المنطقة العربية إنجازاً هو الأبرز حتى الآن، وهو القضاء على أي إمكانية لعودة التنظيم إلى السيطرة على البلدات والمدن، وبات عناصره مختبئين ليس لديهم سلطة على أي من المجتمعات المحلية حتى على مستوى قرى صغيرة. صحيح أن العمليات الإرهابية مستمرة على شكل ضربات متنقلة، إلا أن التنظيم وصل إلى مرحلة اليأس العملياتي.

خلال الستة أشهر الأولى من العام الجاري 2022، فقد تنظيم داعش الإرهابي ثلاثة من أبرز قياداته، في ضربات قاصمة، آخرهم زعيم التنظيم في سوريا ماهر العقال، الذي أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون» عن مقتله بعد استهدافه بضربة جوية من طائرة مسيّرة، في أثناء تنقله على دراجة نارية في منطقة جنديرس بريف حلب الشمالي. وهي العملية التي علّق عليها الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤكداً أنها تبعث برسالة إلى جميع الإرهابيين حول العالم.

سبق مقتل العقال اعتقال هاني الكردي، الذي كان يشغل منصب «والي الرقة» لدى تنظيم داعش، وذلك عقب عملية إنزال نفذتها قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة شمالي حلب. بينما الضربة الأقوى كانت في الشهر الأول من العام الجاري، والممثلة في مقتل عبد الله قرداش والشهير بـ «أبو إبراهيم القرشي»، وذلك ضمن عملية إنزال جوي شمال محافظة إدلب السورية.

الإحصاءات الصادرة عن مراكز الرصد المتتبعة لنشاط «داعش» تؤكد أن نشاط التنظيم لا يزال مستمراً بوتيرة مماثلة، مع استبدال آخرين بهم، إلا أنّ هناك إنجازاً تم تحقيقه على صعيد مكافحة الإرهاب، ويتم الحفاظ على هذا المكسب الذي يعد الأبرز، وهو القضاء المبرم على أي إمكانية لعودة التنظيم السيطرة على أراضٍ وبلدات ومدن، وبات عناصره مختبئين ليس لديهم سلطة إرهابية على أي مجتمع من المجتمعات المحلية حتى على مستوى قرى صغيرة.

صحيح أن العمليات الإرهابية مستمرة على شكل ضربات متنقلة، إلا أن التنظيم بات محروماً من أي مساحة جغرافية يستخدمها لجذب المقاتلين كما كان يفعل خلال أوج توسعه عام 2015، وهي حالة أي تنظيم يصل إلى مرحلة اليأس العملياتي، ويقوم نشاطه على بقايا المقاتلين الذين نجوا من الهزائم المتتالية، ولم يعد لديه برامج للتجنيد، وهي البرامج التي أرعبت العالم خلال ذروة نشاط التنظيم الإرهابي في أعوام 2014، 2015، 2016.

التقارير التي ترصد نشاط التنظيم الإرهابي خلال الفترة الحالية تكشف عن استمرار إرهابه المتنقل على أكثر من صعيد مع استراتيجيات ونهج جديد يتبعه التنظيم في سوريا والعراق مستغلاً الصراعات الراهنة، في سبيل الإبقاء على وجود له تحت رمال البادية في سوريا والعراق وسيناء.

وقد ذكرت تقارير عدسة الإرهاب في المنطقة العربية -عن الربعين الأول والثاني من العام الجاري 2022 والصادرة عن مؤسسة ماعت بالقاهرة- عن إحصاءات تعكس حجم نشاطه.

في الربع الأول من العام الجاري 2022، تمكن التنظيم من الإبقاء على تواجده جغرافياً في عدد من الدول العربية، حيث استفحل الإرهاب في منطقة سوريا، وتبنت الجماعات الإرهابية هناك مجتمعة 76 عملية إرهابية أي ما نسبته 36.4% من إجمالي العمليات الإرهابية في المنطقة العربية خلال الثلاثة أشهر الأولى من العام.

حل «داعش» في المرتبة الثانية - بعد حركة الشباب الإرهابية في الصومال- ضمن أكثر التنظيمات تنفيذاً للعمليات الإرهابية في المنطقة العربية، وذلك بواقع نحو 47 عملية (23 عملية في سوريا، و21 عملية في العراق، وثلاث عمليات في ليبيا).

أما في الربع الثاني من العام، وبرغم تراجع عدد العمليات التي استهدفت المنطقة العربية، إلا أن التنظيم لا يزال الأكثر تهديداً للاستقرار في المنطقة العربية، وقد تبنى 37 عملية إرهابية (وهو ما تصل نسبته إلى 30% من إجمالي العمليات الإرهابية في المنطقة العربية خلال الربع الثاني)، بواقع 27 عملية في العراق و6 عمليات في سوريا وعمليتين في كل من مصر وليبيا، بينما نفذت الفروع المنتسبة له عمليات أخرى لم يُنسبها التنظيم لنفسه، وعزاها الباحثون إلى مجهولين.

مستقبل التنظيم

وفي خطٍ متوازٍ مع تأرجح عمليات التنظيم ومع مضي التحالف الدولي قدماً في استراتيجيته في استهداف القيادات بضربات جوية وعمليات الإنزال الجوي، تدور تساؤلات حول مستقبل «داعش» في المنطقة العربية.

الباحث البارز في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب، يعتقد بأن التنظيم قادر على إعادة إنتاج نفسه بعد كل مرّة يتلقى فيها ضربات قاصمة، حتى بعد اختفاء ثم مقتل زعيمه أبو بكر البغدادي، وأيضاً بعد مقتل زعيمه الجديد ومع استهداف القيادات المركزية فيه.

ويشدد الباحث في شؤون الحركات المتطرفة على أن داعش يتحرك بها في شكل خلايا ومجموعات صغيرة، وهذا ما يجيب عن السؤال الخاص بأسباب استمرار قدرة التنظيم على العمل رغم استهداف ومقتل قياداته المركزية.

الانقسامات

ولا يزال الانقسام السياسي وعدم توحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية في الدول التي يتفشى فيها الإرهاب يمثل حافزاً للجماعات الإرهابية لتجنيد أفراد جدد، والإقدام على تنفيذ مزيد من العمليات الإرهابية، وهو ما يستفيد منه تنظيم داعش ضمن خطته لإعادة بناء قواعده من جديد، لاسيما في مناطق النزاعات التي تتوافر فيها البيئة الخصبة لنمو التنظيم.

وكان من المرجح أن تنخفض حدة العمليات الإرهابية في سوريا بعد استهداف أمير تنظيم داعش في سوريا والعراق أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، والذي فجّر نفسه بواسطة حزام ناسف قُتل على أثره هو وزوجته وأطفاله في عملية نوعية شرعت فيها قوات عسكرية أمريكية في محافظة إدلب شمال غرب سوريا، لكن لاحظ الباحثون نمطاً جديداً من الإرهاب في سوريا خلال الربع الثاني يتمثل في اغتيال مديري المنظمات الإنسانية، بحسب تقرير حديث صادر عن مؤسسة ماعت.

ويقول مدير وحدة الأبحاث والدراسات بمؤسسة ماعت المصدرة لتقرير عدسة الإرهاب في الدول العربية من العاصمة المصرية، شريف عبد الحميد: «إن تنظيم «داعش»-وبرغم ما تلقاه من ضربات قاصمة في الستة أشهر الأولى من العام الجاري- إلا أنه لا يزال الأنشط بين التنظيمات الإرهابية في المنطقة العربية، والأكثر تهديداً للأمن والاستقرار فيها، وهو ما تكشفه لائحة العمليات التي نفذها التنظيم على مدار الشهور الماضية برغم جهود مكافحة الإرهاب والعمليات المنفذة ضد قيادات التنظيم وعناصره في عدد من البلدان».

وبرغم تراجع العمليات الإرهابية في المنطقة، والتحسّن الملحوظ في سياقات مكافحة الإرهاب، إلا أنه مع ذلك لا يزال التنظيم الإرهابي في سوريا والعراق قادراً على التخطيط وتنفيذ مزيد من العمليات مستغلاً الانقسام السياسي في العراق والتوتر الطائفي والعشائري، وفي سوريا قد بنى التنظيم استراتيجية جديدة لإنهاك قوات سوريا الديمقراطية آملاً في تهريب عناصره في السجون الخاضعة لإشرافها، ولا يزال التخطيط يجري في منطقة البادية السورية التي يتوارى فيها مسلحو التنظيم، وتنطلق منها معظم العمليات الإرهابية في استهداف الجيش السوري، مشيراً إلى أهمية التوصيات المرتبطة بتعزيز التعاون الاستخباراتي بين الدول العربية والقوى الخارجية على النحو الذي يكفل اتخاذ خطوات استباقية تحد من وقوع الهجمات الإرهابية.

توصيات للمكافحة

ومن بين التوصيات التي طرحها تقرير عدسة الإرهاب الصادر أخيراً بالقاهرة «فرض رقابة دولية صارمة على حركة انتقال التمويل الدولي المقدم إلى الجماعات الإرهابية على النحو الذي يمكّن هذه الجماعات من تنفيذ مخططاتها التخريبية»، إضافة إلى «فرض رقابة دولية صارمة على حركة انتقال الأسلحة والمعدات التي تستخدمها هذه التنظيمات في تنفيذ أعمالها الإرهابية ضد المدنيين والعسكريين في الدول العربية».

والعمل على تعزيز التسامح الديني ومكافحة خطابات الكراهية، بجانب توفير الخدمات الاجتماعية للفئات المستحقة هي حلول جميعها تحد من الظروف التي تعزز الإرهاب، إلى جانب التوسّع في إجراء دراسات علمية وأكاديمية، تحدد أسباب التطرف والإرهاب، وتطبيق نتائجها على أرض الواقع، وإعادة تنقيح المناهج التعليمية، والعمل على تطوير أدوات لمراقبة خطابات الكراهية في وسائل الإعلام والمنصات على وسائل التواصل الاجتماعي، وتعزيز النظام القضائي في مناطق النزاع، بما يسهم في مكافحة تفشي الإفلات من العقاب، وتعزيز سيادة القانون.