الولايات المتحدة في مواجهة تحديات يصعب التغلب عليها
مهما حدث في ساحة المعركة، يجب على المرء أن يكون حذراً. وعلى الرغم من مقاومة كييف البطولية، وأيضاً الناجحة بشكل مدهش، حتى الآن، فإن نتيجة الحرب الروسية على أوكرانيا لاتزال بعيدة عن الوضوح. وستخرج الولايات المتحدة من الصراع بعد أن تكون قد حققت أهدافاً استراتيجية في أوروبا، بدت بعيدة المنال تماماً، منذ ستة أشهر. واستعاد حلف شمال الأطلسي «الناتو» تماسكه، وبافتراض إمكانية التغلب على معارضة تركيا، فإن انضمام فنلندا والسويد، لن يتوسع بطريقة تضيف إلى مسؤولياته دون تعزيز قدراته؛ كما كان الحال في دول البلطيق. وسيزيد بشكل كبير من قوته وموارده، في حال انضمام الدولتين.
حقبة ما بعد هتلر
ألمانيا، رغم كل اللعبة المزدوجة التي تلعبها بشأن استيراد الطاقة الروسية، دخلت أخيراً ما يمكن أن يُطلق عليه «حقبة ما بعد هتلر» وستعمل على إعادة التسليح. والانسحاب الاقتصادي للاتحاد الأوروبي من روسيا سيزيل قدراً كبيراً من النفوذ الذي كانت موسكو تمارسه سابقاً، في بروكسل. وبشكل أقل قابلية للقياس، فإن معاداة العديد من الأوروبيين لأميركا يجب أن تتراجع، الآن، على الأقل مع إدراك أن روسيا هي التي تشكل التهديد الوجودي.
ولم يتغير التوازن إلى هذا الحد منذ زمن بعيد. وفي لحظاتي الأكثر غرابة، أتساءل أحياناً عن مُنظري المؤامرة من اليمين واليسار، الذين يعتقدون أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد دُفع إلى الحرب بسبب توسع الناتو، وأن ما يحدث في أوكرانيا هو من تدبير الغرب.
لكن أوروبا ليست هي العالم، وجميع الأسباب الجيواقتصادية والجيواستراتيجية، تدفع واشنطن، بحق، إلى رؤية آسيا، قبل كل شيء، الشاغل الرئيس للسياسة الخارجية للولايات المتحدة. ومرة أخرى، في حين أننا لا نعرف حتى الآن مصير الحرب في أوكرانيا، حتى لو كان على واشنطن وحلفائها في الناتو، في رأيي، بذل كل ما في وسعهم، بخلاف إرسال قواتهم الخاصة إلى ساحة المعركة، لمساعدة أوكرانيا على الانتصار، فنحن نعلم أنه مهما حدث، فإن روسيا ستخرج من الحرب أضعف وأفقر، وأقل تأثيراً على الصعيد العالمي.
الصين ستخرج سالمة
على النقيض من ذلك، ففي أسوأ الأحوال، ستخرج الصين سالمة من الصراع، ولكن من المرجح أن تخرج أقوى بقدر كبير الأمر الذي من شأنه إجبار روسيا - كان ماو تسي تونغ سيستمتع بذلك - على التعامل معها، كونها شريكاً صغيراً في العلاقة مع الصين، وستضطر لبيع طاقتها في سوق منحاز لصالح المشتري الأخير: بكين.
وفي الوقت نفسه، هذه لحظة توتر داخلي كبير في الصين، خصوصاً في المناطق الحضرية، حيث تضغط سياسة «صفر كوفيد-19» على كل من المواطنين والاقتصاد. والثقة المفرطة والقلق هما دائماً مزيج خطير يواجه الحكومات الشمولية.
وفي هذا السياق، قد تبدو إعادة احتلال تايوان، أخيراً، أمراً لا يقاوم بالنسبة لبكين، ما يعني أن هذا الأمر بات الآن، يمثل أحد التحديات الرئيسة التي تواجه صانعي السياسة الأميركيين وهم يحاولون صياغة رد الولايات المتحدة.
قلق
ومهما كان هذا القرار، يبدو أنه لا مفر منه نظراً للقلق في كل من كوريا الجنوبية واليابان، بشأن صعود الصين. وللمرة الأولى منذ عام 1945، بات استعداد اليابان للنظر في إعادة التسليح كبيراً (مثلما يحدث في ألمانيا، وهو شيء لافت للنظر). والمؤكد أن العنصر العسكري في السياسة الخارجية للولايات المتحدة سوف يتطور أكثر بعد أوكرانيا.
ربما كان هذا سيحدث على أي حال، بالنظر إلى أنه حتى قبل الحرب الروسية، كان من الواضح تماماً أن ما يسمى بالسلام الطويل لعالم ما بعد عام 1945 كان في نهاياته. ولكن من الواضح أن الجدول الزمني لذلك قد تم اختصاره بعد أوكرانيا. وفي الوقت نفسه، فإن ما يسمى بمحور شرق آسيا لا يوضح بأي حال، ما يتعين على صانعي السياسة الخارجية الأميركيين القيام به، أو في الواقع، حتى طريقة التفكير في ذلك. والأهم هو ما الذي يجب فعله حيال الهند، في عهد (رئيس الوزراء) ناريندرا مودي، وتحقيق التوازن بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، بينما كان أداء نيودلهي على الأقل حتى الآن يتسم بتطور كبير.
إفريقيا الصاعدة
ثم هناك إفريقيا الصاعدة، التي سيكون عدد سكانها بحلول عام 2100 إما مساوياً أو متجاوزاً لآسيا، والتي لم يبدأ صانعو السياسة الأميركيون في الانخراط فيها بجدية، رغم أهميتها المتزايدة بسرعة.
وكل هذا يحدث في سياق حالة طوارئ مناخية عالمية، لا يمكن لأي دولة، حتى لو كانت غنية وقوية مثل الولايات المتحدة، أن تأمل في معالجتها بنفسها، ولو كانت عازمة على ذلك، وتوافر إجماع محلي على القيام بذلك، الأمر غير الموجود في أميركا حالياً. وفي الوقت نفسه، نادراً ما بدت المؤسسات الدولية، وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة، غير ذات صلة، ربما باستثناء دورها الإنساني؛ بينما يبدو أن النظام الدولي بعد عام 1945 ينهار بشكل عام.
ومن الجيد جداً التحدث بنبرة ترحيب عن العصر الجديد لتعدد الأقطاب، ولكن في الوقت الحالي، على الأقل، يبدو أن هذا العصر من المرجح أن يكون بداية فترة من الفوضى والحرب، أكثر منه حقبة من الاستقرار والتوازن والسلام. وستضطر السياسة الخارجية للولايات المتحدة إلى مواجهة وضع ما بعد أوكرانيا. وستُجبر على القيام بذلك في وقت تنقسم فيه الولايات المتحدة بشدة حول كيفية تفسير ماضيها، وكيفية حكم نفسها في الوقت الحاضر، وكيفية تخيل مستقبل لائق لنفسها.