Image

ثقافة اقتناء السلاح .. كيف نشأت وتجذرت في المجتمع الأمريكي؟

في أقل من أسبوعين، وقع حادثا إطلاق نار أودى أولهما بحياة عشرة أمريكيين سود، وحصد الثاني أرواح 19 طفلا ومدرّستين. مجزرتان جديدتان حرّكتا السجال القائم منذ نشأة الولايات المتحدة، سجال يتعذر فهمه على الدول المتطورة الأخرى.

كان ذلك في العام 1776، مستعمرات القارة الأمريكية أعلنت للتو استقلالها عن بريطانيا العظمى، واحتدم الجدل بين الآباء المؤسسين للدولة الفتية: هل يحق للأمريكيين حمل السلاح فرديّاً؟ أم فقط إن كانوا عناصر في ميليشيات محلية؟

فمع الوقت، اقترن إرث حرب الاستقلال بحسب الخبراء بقناعة متزايدة لدى الأمريكيين، بأن عليهم امتلاك أسلحة للحفاظ على سلامتهم، وهي قناعة تستند إلى أسطورة كاملة أسبغت عليها دلالات دينية.

وما شجّع إلى حدّ بعيد على هذا التطور، قطاع صناعة الأسلحة الذي لعب على وتر العنصرية والخوف من انعدام الاستقرار، برأي راين باس، أحد قدامى هذا القطاع. كتب باس هذا الأسبوع في مجلة "ذي بولوارك" الإلكترونية أن المجازر الأخيرة "هي النتاج الثانوي لنموذج صناعي مصمّم للاستفادة من تأجيج الكراهية والخوف ونظريات المؤامرة".

كانت الأسلحة النارية ضرورة لا غنى عنها في سبعينات وثمانينات القرن الثامن عشر في البلد الناشئ. وامتلاك سلاح ناري كان يعني الوقوف بوجه الأنظمة الملكية المستعمرة، وخصوصا الجيش البريطاني.

وأشاد جيمس ماديسون الذي يعرّف عنه على أنه "أبو الدستور" الأمريكي، بـ"ميزة امتلاك السلاح التي يتفوق بها الشعب (الأمريكي) على كل البلدان الباقية تقريبا".

وبمواجهة حكومة فدرالية لا تزال متلعثمة، حرصت أولى الولايات الأمريكية على وضع قوانينها الخاصة والاحتفاظ بسلاحها.

فهل أن الأسلحة النارية فعلا أساسية لمكافحة الطغيان؟ ألا يجدر الاعتماد على ميليشيات محلية منظمة؟ لكن هذه الميليشات نفسها ألن تتحول بدورها إلى قوة طغيان؟

إنّه جدل يصعب فهمه خارج الولايات المتحدة، وخصوصا في أوروبا حيث مفهوم الأمن يحكمه ما اختزله عالم المجتمع الألماني ماكس فيبر بعبارة "احتكار العنف المشروع"، أي فكرة أن يعول المواطنون على قوات حفظ النظام للدفاع عنهم لقاء التخلي عن تحقيق العدالة بأنفسهم.

وهذا المفهوم أبعد ما يكون عن التسوية التي تم التوصل إليها عام 1791 وأرساها ما يعرف بالتعديل الثاني للدستور الأمريكي، وجاء فيه "بما أن ميليشيا منظمة بشكل جيد ضرورية لأمن دولة حرة، لا يجوز انتهاك حق الناس في الاحتفاظ بالأسلحة وحملها".