Image

بالأمر المباشر وتسهيلات وتجاوزات بالجملة .. جهاز الرقابة يكشف جريمة فساد قيمتها 31 مليون دولار

لا تزال فضائح فساد قطاع الطاقة في العاصمة المؤقتة عدن تتكشف يوما بعد يوم، على وقع تقارير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، التي رفعت خلال الأعوام الأخيرة، وكشفت العديد من المخالفات وعمليات الفساد في إهدار المال العام من قبل القائمين على الكهرباء، المتمثلة بوزارة الكهرباء والمؤسسة العامة، وفرعها في عدن.
"المنتصف نت"، ومن خلال اطلاعه على عدد من تلك التقارير، يضع المواطن والمتتبع والمهتمين أمام ما يجري من فساد وتلاعب بالمبالغ المقدمة لتحسين خدمة الكهرباء، وعدم مبالاة بمعاناة السكان في المناطق الحارة من قبل الجهات المختصة والمعنية في توفير تلك الخدمة، والتي لم يتم حتى اليوم محاسبتها وإحالتها للنيابة والقضاء، رغم تلك التقرير الصادرة من جهة رسمية مخولة.
 
فساد العقد رقم 3 للعام 2017
رفع الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة تقريرا مفصلا حول عملية تقييم ومراجعة وفحص ما تم إبرامه من عقد بين المؤسسة العامة للكهرباء في عدن وشركة أوكرانية تسمى "بد سيرفس" في العام 2017، بشأن إعادة تأهيل محطة الحسوة الحرارية المرحلة الأولى.
وحسب تقرير الجهاز الذي حمل رقم 25، الصادر بتاريخ 29 نوفمبر 2018 حول نتائج الفحص والمراجعة لأوليات العقد رقم 3 / 2017 الخاص بمشروع إعادة تأهيل محطة الحسوة الحرارية "المرحلة الأولى" المنفذ من قبل الشركة الأوكرانية (بد سيرفس)، فقد تضمن العقد العديد من المخالفات والتجاوزات التي رافقت عملية التعاقد والتنفيذ.
 
ووفقا للتقرير، فإن قيام المختصين في كل من وزارة الكهرباء والطاقة، والجهات ذات العلاقة، بإقرار واعتماد مشروع أعادة تأهيل محطة الحسوة الحرارية لعدد اثنين تربينات وغلايتين، وهو مشروع غير مجد اقتصاديا، وتم استغلال المبلغ المخصص لتنفيذ العديد من المشاريع الهامة والاستراتيجية ومنها "مشروع منظومة الغاز، مشروع تصريف الطاقة، مشروع تأهيل منظومة التوزيع"، والبالغ  (31.162.730) دولارا.
 
وأشار التقرير إلى أن تلك المشاريع مجدية اقتصاديا، ويمكن تحقيق مكاسب من خلالها تتمثل في خفض معدل الفاقد الفعلي بنسبة لا تقل عن 73 في المائة، وبالتالي تحقيق وفر في الطاقة بكمية (464.510.896) كيلووات كلفتها (62.681.742) دولارا سنويا، يمكن استغلالها في تعزيز عملية توليد الطاقة وتخفيف العجز.
 
كما يمكن استغلال ذلك المبلغ في تشغيل المحطات المنفذة حينها ومنها المحطة "القطرية"، والمحطات الأخرى المصممة للعمل بوقود الغاز وقدرة إجمالية 440 ميجاوات، بدلا من استغلاله في ترميم محطات غير مجدية تعمل بمادة الديزل، وبالتالي كان متوقعا خفض الأعباء المالية عن الخزينة العامة بمبلغ (142.560.000) دولار سنويا، فارق الأسعار بين مادتي الغاز والديزل.
 
وواصل التقرير سرد الجدوى الاقتصادية التي أهدرت من استخدام ذلك المبلغ، موضحا بأنه كان يمكن استغلاله في إنشاء محطة جديدة وبتكنولوجيا حديثة ومتطورة بنفس الكلفة ونفس القدرة وتعمل بوقود "المازوت" والتي تتميز بانخفاض استهلاكها للوقود، وكذا انخفاض معدلات الاستهلاك الداخلي للطاقة وبنسب كبيرة مقارنة بمحطة الحسوة، وبالتالي تحقيق وفر مالي بمبلغ (51.840.000) دولار سنويا.
 
وأفاد بأن تلك المشاريع المجدية كانت ستحد من استنزاف وإهدار موارد الدولة من العملات الأجنبية نتيجة انخفاض أسعار الغاز عالميا، مقارنة بأسعار الديزل، ما يعزز ذلك في استقرار سعر العملة مقابل العملات الأجنبية، فضلا عن الحد من ظاهرة إهدار ما لا يقل عن (74.402.305) لترات مازوت سنويا، بكلفة لا تقل عن (29.760.923) دولارا سنويا، مقابل إنفاق فارق معدلات استهلاك الوقود والاستهلاك الداخلي للطاقة.
 
إجراءات وتنازلات مخالفة
ويواصل تقرير الجهاز المركزي تفنيد المخالفات والتجاوزات التي حملها العقد رقم (3)، مؤكدا أن كافة الإجراءات المتبعة من قبل وزارة الكهرباء والطاقة والوحدة التنفيذية للمشروع، والجهات المختصة ذات العلاقة، منذ التعاقد على تنفيذ المشروع مع الشركة الأوكرانية، حملت العديد من التسهيلات والتنازلات لصالح الشركة على حساب المصلحة العامة، دون مراعاة لإحكام القوانين واللوائح النافذة بهذا الخصوص.
وأورد التقرير العديد من الملاحظات المخالفة في هذا الشأن، منها تنفيذ المشروع بالأمر المباشر، دون عمل مناقصة عامة، ما ترتب عليه حرمان المؤسسة من الوفورات الممكن تحقيقها عند تنفيذه عبر مناقصة عامة، والتي من أهمها الحصول على اقل الأسعار وأفضل المواصفات.
 
كما تم إعفاء الشركة المنفذة للمشروع من كافة الضمانات "ضمان الأداء، وضمان الجودة"؛ وهو ما يعد مخالفة كبيرة، وملزمة الشركة تقديمها بموجب العقد المبرم معها، والمخالف لأحكام قانون المناقصات والمزايدات والمخازن الحكومية رقم 23 لسنة 2007، وما ترتب على ذلك من ضياع حقوق المؤسسة في الحصول على التعويضات اللازمة عند إخلال الشركة بالتزاماتها التعاقدية.
 
وتضمن العقد مخالفة أخرى، تمثلت بقيام المختصين في المشروع بتقديم تعهدات بالسداد لمصلحة الجمارك نيابة عن الشركة بمبلغ (403.808.145) ريالا يمنيا، بالإضافة إلى مبلغ (228.549) يورو، دون إلزام الشركة بسرعة سداد تلك المبالغ والتي سبق وأن تم صرفها للشركة ضمن الدفعات المقدمة لها، فضلا عن سداد ما نسبته (37) في المائة، من إجمالي قيمة العقد كدفع مقدمة وغيره دون إلزام الشركة أو الحصول منها على تأكيدات يمكن من خلالها التحقق من التزامها بسداد مستحقات الجمارك والضرائب، والتي منها على سبيل المثال مبلغ (403.808.145) ريالا بالإضافة إلى مبلغ (228.549) يورو، مقابل المبالغ المعلقة على الشركة لصالح مصلحة الضرائب.
 
ووفقا للتقرير، فإنه تم تمكين الشركة المنفذة للمشروع سحب كميات من قطع الغيار التابعة للمحطة قيمتها (378.014.803) ريالات، والمسعرة وفقا للأسعار السائدة عند شرائها خلال الأعوام السابقة والمسجلة كعهد على الشركة، يتم استعادتها من الشحنة القادمة، دون إلزام الشركة بأن يتم إعادتها بنفس المواصفات ومن نفس الشركة المصنعة.
 
مخالفة في الحسوة 
 وسجل التقرير مخالفة في عمل الشركة المنفذة للمشروع من خلال قيامها باستبدال التوربين رقم 5، بآخر مستخدم تم إحضاره من الخارج، ومن شركة مصنعة أخرى، وبما يتعارض مع بنود العقد الأساسي المبرم معها، والذي حدد طبيعة مهام الشركة في أعادة تأهيل التوربينات الراهنة القائمة وليس استبدالها بأخرى.
 
وأفاد التقرير بوجود مذكرة من نائب وزير الكهرباء والطاقة، موجهة إلى نائب وزير المالية بتاريخ 14 ديسمبر 2017، بصرف مستحقات الشركة بمبلغ (3.022.190) يورو، دون خصم ما نسبته 45 في المائة من إجمالي المبلغ مقابل ضمانات، و15 في المائة قيمة ضمان تنفيذي من قيمة المشتريات بمبلغ (157.765.59) يورو، و15 في المائة ضمان جودة بمبلغ (157.765.59) يورو، و15 في المائة قيمة ضمان تنفيذ من قيمة العمل بمبلغ (284.441.42) يورو، بالإضافة إلى خصم الضرائب المستحقة على الشركة.
 
كما لم يتم إلزام الشركة المنفذة بسداد الغرام المستحقة عليها نتيجة تأخرها في تنفيذ المشروع، والمحددة بمبلغ (2.791.544) يورو، بالإضافة إلى مصادرة ضمان الأداء والذي تم إعفاء الشركة من تقديمه، من قبل القائمين في وزارة الكهرباء والوحدة التنفيذية للمشروع.
 
فشل تنفيذ المشروع 
وأشار التقرير إلى أنه رغم تقديم تلك التنازلات والتجاوزات وارتكاب تلك المخالفات لصالح الشركة، إلا أن الشركة لم تقوم بالوفاء بالتزاماتها التعاقدية، وثبوت فشلها في تنفيذ الأعمال وتحقيق النتائج المرجوة من المشروع وفقا للوثائق وإفادة المختصين.
وأوضح التقرير أن الشركة الأوكرانية التي تم التعاقد معها في تاريخ 30 مايو 2017، لتنفيذ المشروع المشار إليها سابقا بمبلغ وقدره (31.162.730) دولارا، شاملة الضرائب والرسوم الجمركية والعوائد الأخرى ، والتي لم تلتزم بها الشركة، فضلا عن مبلغ (24,327.033) دولارا قيمة المواد وقطع الغيار بنظام التوصيل إلى مخازن المحطة (DPP)، ومبلغ (6.835.697) دولارا مقابل قيمة خدمات صيانة وتركيب، لم تلتزم بتنفيذ المشروع المحدد بمدة زمنية 6 أشهر.
 
وقد تم فتح اعتماد مستندي بالمبالغ المدفوعة للشركة من قبل الجهات الرسمية بمبلغ (10.515.541.35) يورو.
وأفاد التقرير بأن التزامات الشركة تمثلت برفع القدرة الإنتاجية للتوربينين (3،5) إلى قدرتها المصنعية بإجمالي 50 ميجاوات ، وواقع 50 ميجاوات لكل توربين، ورفع القدرة الإنتاجية للغلايتين (3،6) إلى 320 طن/ساعة، بواقع 160 طن/ساعة لكل غلاية.
وذكر الجهاز في تقريره، من خلال توصياته، أن المشروع كان غير مجدٍ وقد تم إهدار مبلغ (31.162.730) دولارا على حساب مشاريع أكثر جدوى اقتصادية، وعليه يجب مساءلة المتسببين عن كافة المخالفات والتجاوزات التي تمت في المشروع وتحميلهم كافة الخسائر المترتبة عنه.
 
كما أوصى بإيقاف أعمال مرتبطة باستكمال المرحلة الثانية من المشروع لعدم وجود أي جدوى اقتصادية منه، وإلزام الشركة المذكورة سرعة سداد ما عليها من ضرائب ورسوم جمركية وعوائد أخرى من الدفع المقدمة لها، وإحضار كافة الضمانات المحددة بموجب العقد الأساسي معها، وإلزام الشركة بتوريد كافة قطع الغيار التي تم سحبها من المخازن التابعة للمحطة.
 
وأوصى بإلزام الشركة بإعادة التوربين رقم (5) مع رفض التوربين المورد من قبلها بالمخالفة لبنود العقد المبرم معها، حيث اتضح قيام الشركة تقديم (6) ملايين دولار مقابل قبول المؤسسة للتوربين المستبدل، علما بان المبلغ يمثل ما نسبته 25 في المائة من قيمة العقد، مما يشير إلى الأسعار المحددة من قبل الشركة للقطع مبالغ فيها. 
وطالب التقرير بإلزام الشركة سداد كافة الغرامات المستحقة عليها نتيجة تأخرها لأكثر من مرة في انجاز المشروع، وفشلها في تنفيذ بنود العقد.