Image

الكهرباء المشتراة.. فساد قاتل صيفاً خسائره طوال العام

تشكل كهرباء المناطق المحررة، وفي مقدمتها "كهرباء عدن" (المشتراة)، منجم فساد يدر الملايين على المسؤولين والقائمين عليها، والرعاة المسؤولين وتجار الحروب في إطار مثلث الفساد المشهور في البلاد "الشرعية والحوثي والإخوان".
"المنتصف نت" في تقريره هذا يكشف بالأرقام والوثائق الرسمية، جانبا بسيطا من بؤرة فساد "الكهرباء" الذي تمارسه تلك الجماعات "المتفقة"، التي تسعى بشتى الطرق والوسائل وعبر المصادر الرسمية وغير الرسمية إلى قتل المواطن البسيط.
عمليات "فساد الكهرباء"، وما تسببه من تأثير مباشر وغير مباشر على حياة البشر خاصة المرضى، بـ(الربو والفشل الكلوي، والأطفال الخدج)، وغيرها من الأمراض، وتؤثر بشكل كبير على حياة السكان القاطنين في المناطق الحارة، سواء في فصل الصيف أو غيره من فصول السنة، فضلا عما تخلفه تلك عملية "لصّي - طفّي" من خسائر مادية وبشرية جراء تلف عدد المواد الاستهلاكية والأجهزة الكهربائية المنزلية، وما تخلفه من حرائق جراء "لعبة الكهرباء" القاتلة التي لا موعد لها عند القائمين على فساد الكهرباء.
 
معلومات فساد بتقرير رسمي
 
كشف تقرير صادر عن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة بتاريخ 29 يناير 2019، عن عمليات فساد مستمرة أبطالها الحكومة، ممثلة بوزارة الكهرباء والمؤسسة العامة للكهرباء وكهرباء عدن، في مجال "الطاقة المشتراة".
وذكر التقرير، الموجه من الجهاز إلى وزير الكهرباء والطاقة، أن قيام المؤسسة العامة للكهرباء في عدن بالتعاقد مع شركة "دوم" للتجارة والمقاولات المحدودة، بتاريخ 29 أبريل 2013، لشراء طاقة من محطة تعمل بالمازوت بقدرة إجمالية (90) ميجاوات لفترة ثلاث سنوات، بتكلفة قدرها (113.884.380) دولارا أمريكيا؛ حيث تم في 2 يونيو 2013، فتح اعتماد مستندي معزز ودوار لمدة ستة اشهر غير قابل للنقض عبر وزارة المالية بمبلغ (18.980.730) دولارا، يتم تجديده كل ستة أشهر.
وبهذا الخصوص، أكد الجهاز في تقريره على أن المؤسسة، ومن خلال ذلك العقد، لم تراعِ المخاطر المترتبة على مثل تلك التعاقدات على المدى الطويل والمحددة بثلاث سنوات، والمتمثلة بارتفاع كلفة شرائها، وبنسبة لا تقل عن (30) في المائة، مقارنة بكلفة إنتاجها من المحطات التابعة للمؤسسة، ما يعد إهدارا للمال العام دون أي مبرر.
وتابع تقرير الجهاز أنه كان بالإمكان الاكتفاء بالتعاقد على شراء طاقة لمدة سنة واحدة بتكلفة (37.961.460) دولارا أمريكيا، والاستفادة من بقية المبلغ المخصص لشراء طاقة للعامين التاليين، بمبلغ (75.922.920) دولارا أمريكيا، في التعاقد مع إحدى الشركات العالمية على إنشاء محطة إستراتيجية تعمل بالمازوت وبقدرة إنتاجية (85) ميجاوات. 
وحذر التقرير حينها من استمرار القائمين على الوزارة والمؤسسة على انتهاج مثل تلك السياسات في مجال شراء الطاقة، دون مراعاة الحد الأدنى من الأسس والمعايير المرتبطة بدراسة الجدوى، في حالة التنفيذ العقد المبرم، وحرمان المؤسسة من الوفورات المقدرة بـ (20.995.200) دولار، مقابل الفارق بين كلفة شراء الطاقة بدون وقود، وكلفة انتاجها من المحطات التابعة للمؤسسة بمتوسط قدره 30 بالمائة.
كما لم يتم مراعاة الوفورات بمبلغ قدره (15.552.000) دولار، مقابل كلفة الفارق وفقا للأسعار العالمية لمادة المازوت بين معدلات استهلاك الوقود في محطات شراء الطاقة، ومعدلات استهلاكها في المحطات الاستراتيجية التي تتجاوز قدرة إنتاجها (10) ميجاوات.
وكشف التقرير عن إخفاق شركة "دوم" رغم إيفاء المؤسسة بكافة تعهداتها المذكورة بالعقد، فشلت في الوفاء بالتزاماتها التعاقدية نتيجة لوجود عيوب في المولدات التابعة لها، وبالتالي عدم قدرتها على توليد الطاقة المتعاقد عليها، ما ترتب عليها آثار جمة.
ومن خلال المتتبع لما ورد في تقرير الجهاز المركزي، فان المؤسسة والقائمين على الكهرباء في عدن، أبرموا اتفاق شراء طاقة من شركة "دوم"، بصفقة فساد قيمتها ملايين الدولارات، رغم معرفتهم بأن مولدات الشركة معطلة ولا تستطيع توفير الطاقة المتفق عليها، ما يستدعي فتح تحقيق وحالة المسؤولين على تلك الصفقة إلى المحاكمة، الامر الذي لم يحصل، نتيجة تواطؤ المسؤولين الكبار في الحكومة وحصولهم على عمولات من تلك الصفقة، وفقا لمصادر في مؤسسة الكهرباء.
 
آثار فساد كهربائية 
 
ويتابع تقرير جهاز الرقابة سرديته حول الآثار التي ترتبت على عقد "دوم " الفاسد، بأنه استمر العجز في مجال التوليد الكهربائي، وبالتالي زيادة ساعات الانطفاءات المبرمجة وما يترتب على ذلك من زيادة معاناة المواطنين خاصة خلال فصل الصيف، فضلا عن الأعباء التي تتحملها الحكومة في شراء الوقود بكميات كبيرة نتيجة اعتماد القطاع الخاص وشرائح كبيرة من السكان على المولدات الخاصة التي تستهلك كميات كبيرة من الوقود.
ودفع عقد فساد "دوم" الحكومة إلى فساد آخر من خلال التعاقد مع شركة "جلوبال" شراء طاقة لتعويض ما تخلفت عن توفيره شركة "دوم"، بقدرة (50) ميجاوات، عبر محطات تعمل بالديزل، ما يرفع تكلفة الإنتاج مقارنة بوقود "المازوت"، ترتب عليها تضخم الخسائر التي تحملتها المؤسسة مقابل فروقات الأسعار بالوقود بواقع (6 – 8) ملايين دولار.
عمليات الفوارق وإبرام عقود شراء طاقة من الشركات الخاصة، يزيد من عمولة وفوارق الفساد لحساب المسؤولين والقائمين على الكهرباء، دون مراعاة حياة المواطن المتأثر نتيجة انقطاع التيار لساعات طويلة عنه.
وفي هذا الصدد، يشير تقرير الجهاز إلى أنه رغم عمليات الفساد تلك، فإن الغرامات المستحقة على الشركات المحددة وفقا لعقود شراء الطاقة، قليلة ولا تكاد تذكر، مقارنة بالخسائر التي تتكبدها والمترتبة على إخلالها بالتزاماتها التعاقدية.
 
فساد مع سبق الإصرار 
 
ما كشفه تقرير الجهاز حول فساد "الطاقة المشتراة " في عدن، خاصة في بند عدم وجود غرامات على الشركة في حال أخلت في تنفيذ العقود، يجعل تلك العقود "صفقات فساد" مع سبق الإصرار والترصد كما يقال.
ويرى مهندسون في مجال الكهرباء، في فساد الطاقة المشتراة، وغيرها من فساد قطاع الكهرباء في عدن والمناطق المحررة، فسادا مشرعا لا يطاله عقوبة أو يردعه قانون؛ الأمر الذي أكده محافظ عدن لملس عقب تعيينه محافظا لعدن، حيث قال إن ملف كهرباء عدن ملف شائك لا يمكن لأحد حله بوقت قصير ويحتاج إلى معالجة مركزية من قيادة الدولة.
 
يسلب فرحة رمضان 
 
ومع دخول فصل الصيف، يبدي سكان مدينة عدن والمناطق الحارة تخوفهم من استمرار انقطاع الكهرباء لساعات طويلة، بالإضافة إلى انقطاعها بشكل شبه كلي، تحت مبررات فساد واهية تتمثل بـ"خروج المنظومة، وانقطاع كابل، وانفجار محول، عدم وجود وقود"، فيما الحقيقة هو أنه موسم "فساد مربح" لمسؤولي الكهرباء ورعاة الفساد الكبار.
وخلال الأيام القليلة الماضية، بدأت حكاية الانطفاءات، بالإعلان عن خروج شركات الطاقة المشتراة بقدرة "20 ميجاوات"، وتهديد البقية بالتوقف في حال لم يتم تسديد المبالغ المستحقة على الحكومة لها.
وتشكل شركات الطاقة المستأجرة أكثر من 70 في المائة من توليد كهرباء عدن. وبخروجها عن الخدمة تدخل كامل المديريات في عتبة ظلام دامس.
ويتبادل القائمون على الكهرباء التهم فيما بينهم حول المتسبب في معاناة السكان في مجال الكهرباء للعاصمة المؤقتة عدن والمحافظات المجاورة لها، خاصة في مجال العقود المبرمة في مجال الطاقة المشتراة.
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، تشكل الكهرباء معاناة كبيرة لسكان عدن، خاصة في شهر رمضان؛ إذ تنقطع الخدمة لساعات طويلة، ما يفقدهم حلاوة الفرحة بقدوم الشهر الفضيل، حيث تتحول الكهرباء إلى عامل، يزيد من معاناتهم التي يعيشونها جراء ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، وغياب معظم الخدمات، كما تتسبب انقطاعات الكهرباء في زيادة حالات الربو، وتزايد تأثير الحر على المسنين والأطفال، فضلا عن تسببها في إتلاف الأكلات الرمضانية وغياب تلك التي تعتمد على التبريد.
ويتوقع سكان محليون في عدن أن تظل الكهرباء خلال رمضان العامل الأكبر المرهق لهم، ويمثل انقطاعها عقابا وإذلالا ممتدين على مدى 7 سنوات منذ تحرير المدينة؛ حيث باتت الكهرباء تشكل هاجسا يوميا يؤرق حياتهم، رغم تعاقب الحكومات والمسؤولين، وتعهد دول التحالف ودعم الدول المانحة بحل مشكلة الكهرباء.