Image

قمع الحريات والنشاطات الأدبية والفكرية في زمن مليشيا الحوثي..

 تواصل الجماعة الحوثية منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء أواخر العام 2014 شتى أصناف الاعتداءات وتقييد حريات المواطنين ومنع إقامة الندوات الفكرية والفعاليات الأدبية والتحكم بحياتهم بطرق إرهابية وتحت التهديد بالقتل أو التلويح بالسجن؛ ما يجعلها لا تقل في وصفها عن أعمال (داعش) سعياً إلى فرض سياسة التجهيل وعزل المجتمع اليمني عن العالم وتحويله إلى مجرد كائنات تابعه وغير مخيرة والعودة به إلى عهد النظام الامامي البائد، ليتسنى لها السيطرة على الوضع ومجريات الحياة وتزيد من إحكام قبضتها على رقاب الناس دون أي اعتراض، لأن تلك الجماعة تدرك تماماً الأهمية والدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه فئة المثقفين والناشطين في توعية المجتمع وكسر القيود التي فرضت على اليمنيين وهي تخشى من مواجهة مشروعهم الظلامي القادم من ادغال التاريخ و القائم على الحديد والنار .
 
وقد دأبت سلطة الانقلاب في صنعاء على التصدي ووقف أي ندوات أو لقاءات أدبية، ما لم تكن تتساير مع نهجها وتسوق لأهدافها وتنفذ وتخدم أجنداتها.
 وقد بلغ بها الأمر إلى مطاردة السياسيين والأدباء واعتقال من تمكنت منهم والزج بهم في سجونها المظلمة. كما استهدفت العديد من المكتبات القديمة دور النشر ومصادر المعرفة والتنوير، سواء بإحراقها أو إغلاقها، ومصادرة الكثير من محتوياتها والتحذير من تداولها أو اقتنائها  بموجب أحكام صادرة من مؤسسات قضائية تخضع لإملاءاتها، مع الإبقاء على المكتبات التي تروج للكتب والمنشورات والملازم التي تتفق مع أفكارها ومعتقداتها، ناهيكم عما أقدمت عليه من إغلاق لبيت الثقافة في العاصمة، وتحويله من مركز فعال يعج بالأعمال التثقيفية وتقام فيه المئات من الفعاليات الفنية والثقافية إلى مركز تجاري لبيع الملابس؛ ما اعتبره ناشطون طعنة مسمومة في خاصرة الحركة الثقافية في اليمن واستهداف ممنهج؛ ما يعني أن تلك الجماعة تعمل على تنميط المجتمع اليمني على الشكل الإيراني وتمارس نفس السلوك الذي يمارسه نظام طهران من جانب، وكما تسير على نمط الجماعات الإرهابية من خلال أقدامها على منع إقامة حفلات الأعراس واستخدام الاغاني الفرائحية معتبرة ذلك جريمة يعاقب من يمارسها من جانب آخر ، وتحت مبرر يبعث على الضحك أن ذلك من أسباب تأخير نصرهم (على الشرعية والتحالف العربي) كما جاء على لسان أحد قياداتهم المدعو (أبو محمد)، وهي عبارة اعتاد استخدامها الحوثيون بشكل مركز ومدروس لتطويع الناس على قبول العبودية والانصياع لأوامرها، ما يسهل استمرار حكمهم وتمرير وتحقيق مآربهم التخلفية. رغم أن ذلك لم يلقَ قبولاً ولم يولّد قناعة لدى المجتمع اليمني الذي لا يجرؤ على البوح بها، بقدر ما زاد من حالة الازدراء والتذمر المكتوم والذي ينتظر لحظة الانفجار بعد تلك الضغوطات النفسية المتزايدة. 
إن تلك الإجراءات التعسفية والانتهاكات الإنسانية التي تمارسها جماعة الحوثي في نطاق سيطرتها تعد مخالفة للدستور اليمني والقوانين النافذة في البلاد، والتي تضمن الحقوق المكتسبة في الجوانب الفكرية والثقافية والتعبير عن الرأي؛ مما أحدث شللاً في الحركة الثقافية وتراجعاً واضحاً في الإنتاج الثقافي وأضراراً  نفسية كبيرة لدى الطبقة المثقفة والمبدعين الذين باتوا يشعرون أنهم يقبعون تحت حكم الاعدام العقلي والروحي.
كما أن تلك التصرفات الرعناء وغير المسؤولة تتنافى مع المعاهدات والاتفاقيات الدولية الموقعة والمصادق عليها من قبل بلادنا، ومن بينها 
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي جاء في المادة 19 أن "لكل شخص حق
التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة،
وفى التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار
للحدود
وعلى
شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها. ولا يجوز إخضاع ممارسة هذا الحق للرقابة المسبقة
ولا يجوز تقييد حق التعبير بأي طرق أو وسائل غير مباشرة، مثل إساءة
استعمال الرقابة الحكومية أو الخاصة المفروضة على إصدار الصحف أو ترددات البث الإذاعي أو المعدات المستعملة في نشر المعلومات أو بأي وسيلة أخرى
الغرض منها عرقلة نقل وتداول الأفكار والآراء. 
كما يعتبر العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966 (بأن هذه الحقوق تنبثق من كرامة الإنسان الأصيلة فيه، وإذ تدرك أن السبيل الوحيد لتحقيق المثل الأعلى، وفي أن يكون البشر أحرارا ومتحررين من الخوف والفاقة، هو سبيل تهيئة الظروف الضرورية لتمكين كل إنسان من التمتع بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكذلك بحقوقه المدنية والسياسية) لكن كل تلك القوانين والمعاهدات ضربت بها قوى الانقلاب الحوثية عرض الحائط، دون اعتبار للحقوق الفكرية والأدبية وغيرها في ظل صمت غير مقبول من قبل المنظمات الدولية المعنية بالجوانب الانسانية وغياب أي إجراءات دولية لردع الحوثيين من الاستمرار بتلك الأعمال التي تستهدف في المقام الأول حقوق اليمنيين وفي المقام الثاني الإنسانية بشكل عام، باعتبار أن الحركات الثقافية والإنتاج الأدبي ملكا لكل البشرية.