Image

على خلفية فساد المركزي والحكومة... اليمن يفقد ثقة الخليج والمانحين ويخيب أمل الأمم المتحدة

جدلية البقاء على قيد الحياة يعيشها اليمني البسيط، في ظل استمرار صراع تجار الحرب وقادة الفساد في بلاد السعيدة، أوصلها إلى مرحلة فقدان الثقة لدى المجتمع المحلي، وقبلها الإقليمي وحاليا الدولي، وأفقدت مصادر التمويل الدولية الثقة فأحجمت عن تقديم مزيد من المنح بالحجم المطلوب لمواجهة عواصف الأزمات المفتعلة من قبل زعماء الفساد المتمثلة بـ"الشرعية – الإخوان – الحوثيين" ونظرائهم من زعماء المليشيات المسلحة المتلبسة بعباءة الدين والمنتشرة شمالا وجنوبا. 
ورغم تحذيرات الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة لحكومة معين عبدالملك، ومن قبلها تقرير لجنة الخبراء الدوليين، حول فساد البنك المركزي، استمر نهب الموارد والإيرادات من قبل تلك الجماعات، المتفقة أصلا فيما بينها على المتاجرة بأزمات وحالة الشعب الإنسانية للحصول على مزيد من الأموال لتضخيم حساباتهم في المنتشرة في بنوك اجنبية.
 
خيبة أمل خليجية وأممية 
شكل حجم التبرعات التي أعلن عنها أمس (16 مارس 2022) لخطة مساعدات أممية حجمها 4.27 مليار دولار، لمواجهة  أزمة غذاء ودواء وحالة إنسانية تعيشها اليمن، والتي بلغت 1.3 مليار دولار فقط، فيما أحجمت دول الخليج عدا الكويت عن تقديم أي مساعدات، والسبب "فساد" تم التحذير منه مسبقا.
وقالت الأمم المتحدة إنها لم تجمع سوى 1.3 مليار دولار من أكثر من 4 مليارات مطلوبة لليمن هذا العام، وسط تحذيرات عالمية من أزمة غذاء في البلد الذي تمزقه الحرب و"تفشي الجوع الذي قد تليه مجاعة واسعة النطاق"!
حصلت الأمم المتحدة، الأربعاء (16 آذار/مارس 2022)، على تعهدات قيمتها 1.3 مليار دولار فقط لخطة مساعدات حجمها 4.27 مليار دولار هذا العام لليمن الذي تمزقه الحرب. وقال مارتن جريفيث، مسؤول المساعدات بالأمم المتحدة في مؤتمر للمانحين الذي استمر يوماً واحداً وشاركت في استضافته السويد وسويسرا: "كنا نأمل في المزيد، ونشعر بخيبة أمل لأننا لم نحصل على تعهدات من بعض الذين اعتقدنا أننا قد نسمع منهم (تعهدات)".
وتعهدت الولايات المتحدة بتقديم ما يقرب من 585 مليون دولار مساعدات إنسانية جديدة لليمن هذا العام، في إطار حملة تقودها الأمم المتحدة لزيادة الدعم لملايين اليمنيين الذين يعانون من نقص حاد في الإمدادات الأساسية بسبب الصراع المستمر منذ ثماني سنوات. وتعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم 407.4 مليون دولار، بينما التزمت بريطانيا بتقديم 88 مليون جنيه إسترليني.
وأعلن وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن عبر الفيديو أمام المؤتمر عن حزمة المساعدات الأمريكية الجديدة. وقال إن التعهد الجديد يرفع إجمالي مساهمات الولايات المتحدة لليمن منذ بدء الصراع إلى 4.5 مليار دولار. 
وأشار بلينكن إلى أن تمويل الأنشطة الإنسانية بدأ في النضوب في وقت سابق من هذا العام، حتى قبل أن يتحول انتباه العالم إلى الغزو الروسي لأوكرانيا، مما أدى إلى إغلاق أو خفض ثلثي برامج الأمم المتحدة وتقليص الحصص الغذائية لثمانية ملايين يمني. وقال: "العدوان الروسي غير المبرر في أوكرانيا يهدد مصدراً مهماً لواردات اليمن من القمح. ففي الأسبوع الأول وحده، واجه العديد من اليمنيين ارتفاع سعر الخبز 50 بالمئة".
من جهته، قال كارل سكاو، المسؤول في وزارة الخارجية السويدية: "على الرغم من أن أوكرانيا تحتاج اهتمامنا وتركيزنا العاجل حالياً، وهو أمر مفهوم ومطلوب، لكن لا يمكن أن نهمل ونسيء إدارة الأزمات الأخرى".
 
مجاعة واسعة النطاق!
لا تزال التحذيرات متصاعدة من انحدار اليمن نحو مستنقع المجاعة مع استمرار الصراع بين أطراف الفساد المتفقين على قتل اليمنيين، منذ العام 2011. وتتوقع تقارير دولية أن تشهد أسعار الغذاء ارتفاعا متضاعفا مع استمرار أزمة أوكرانيا، والتي ستكلف المواطن البسيط في اليمن الكثير، وقد توصله إلى المجاعة.
ومع استمرار عمليات الفساد في إطار المتاجرة بالمشتقات النفطية والغاز المنزلي ونهبها من قبل ثالوث الفساد في البلاد "الشرعية والإخوان والحوثيين"، باعتبارها أهم موارد البنك المركزي الرئيسية، واستمرار التلاعب والمضاربة بأسعار العملة، وقيمة الحوالات، وغيرها من عمليات الفساد، يستمر انحدار أسعار صرف الريال امام العملات الأجنبية، يقابله ارتفاع لحظي لأسعار السلع الاستهلاكية، وفقدان المواطن القدرة على توفير متطلبات الحياة اليومية من الغذاء.
وتشير وكالات تابعة للمنظمة الدولية إلى أن أكثر من 17 مليوناً في اليمن يحتاجون لمساعدات غذائية وأن الرقم قد يزيد إلى 19 مليوناً في النصف الثاني من العام. 
وتلقت الأمم المتحدة ما يفوق قليلاً نصف المساعدات التي كانت مطلوبة في 2020 والتي قدرتها بنحو 3.4 مليار دولار، بينما لم توفر الجهات المانحة سوى 2.3 مليار دولار العام الماضي. وحذر برنامج الأغذية العالمي من أن غياب التمويل الجديد الحقيقي يعني تفشي الجوع الذي قد تليه مجاعة واسعة النطاق.
 
عدم مبالاة بحياة الناس
ظلت الحكومات التابعة لهادي تمارس مهام الفساد منذ تشكل أول حكومة بقيادته عقب فوضى 2011، زاد من حجم الفساد خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ه و أنها غير مهتمة بحياة الناس البسطاء من أبناء الشعب المغلوب على امره نتيجة انتشار الأسلحة في أيدي تلك الجماعات الفاسدة، رغم تحذيرات الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة لحكومة معين عبد الملك من الآثار والمخاطر المترتبة على عدم صدور التقارير والبيانات المالية السنوية للبنك المركزي وفقا لأحكام المادة (57) من قانون البنك المركزي رقم 14 لسنة 2000 وتعديلاته والمادة (70) من القانون المالي رقم (8) لسنة 1990.
حيث أكد الجهاز الرقابي، في تقريره، أن تلك التقارير والبيانات والحسابات الختامية التي لم يقدمها البنك المركزي للحكومة والبرلمان، خلال الفترة من 2016، وحتى 2021، ستشكل عائقا أمام الجهات والصناديق المانحة الدولية، وهو ما تم فعلا يوم الـ16 من هذا الشهر.
وأوضح التقرير، الذي اطلع عليه "المنتصف نت"، أن تلك التقارير والبيانات المالية تعد أحد أهم المتطلبات الأساسية من قبل أي جهة تمويل خارجية؛ حيث تعد مجموعة التقارير والبيانات المالية والإحصائيات النقدية والمالية والاقتصادية وغيرها، من المؤشرات الهامة واللازمة لقراءة الوضع الاقتصادي الحالي. ومن الطبيعي أن تشمل تلك البيانات والتقارير الحد الأدنى من المتطلبات الأساسية للجانب السعودي، في إطار دراسته لأي طلبات للحكومة اليمنية في هذا الشأن، فضلا عن أهميتها في قراءات نتائج توظيف الوديعة السعودية السابقة، والتعرف على مجمل التطور في ميزانية البنك، وفي مؤشرات مستوى الأسعار والتضخم المترتبة على مجموعة التدابير والسياسات التي اتخذها البنك، بالتوازي مع توظيف احتياطي الوديعة.
 ووفقا لتقرير جهاز الرقابة، فإن الحكومة وعلى ضوء عدم تقديم بيانات وتقارير بالمعاملات المالية للبنك، تواجه مخاطر حقيقية في حال استمر هذا الأداء السيء للبنك المركزي، تتمثل في قيام المجتمع الدولي بفرض شكل من اشكال الهيكلة للبنك واخضاعه لسلطة دولية متخصصة، كصندوق النقد الدولي، لضمان تأهيله كي يكون شريكا فاعلا للمجتمع الدولي، في جهود تحقيق الاستقرار للأسعار محليا، خصوصا مع استمرار حالة التدهور في سعر صرف الريال أمام العملات الأجنبية، وتفاقم الوضع الإنساني.
ووفقا للتقرير، فإن أي اجراء دولي ضد البنك، سيجعل الحكومة اليمنية الشرعية تفقد أهم وظائفها السيادية الحيوية المعنية بإدارة مخرجات وعناصر الاقتصاد الكلي، وتحقيق الأولويات الاقتصادية والاجتماعية والإنمائية وفقا لرؤيتها الخاصة.
 
فساد بشاهدة دولية
وفي هذا الصدد، كان تقرير صادر عن فريق الخبراء المعني في اليمن التابع لمجلس الأمن الدولي، مطلع العام 2020، اتهم البنك المركزي بالتلاعب في أسعار الصرف (العملة)، واتهم البنك بممارسة أعمال فساد واسعة وثراء غير مشروع. وسلّط التقرير الضوء على واقعة فساد ترتبط بمعاملات للصرف الأجنبي قام بها البنك المركزي اليمني في عدن أواخر عام 2018.
واعتبر الفريق أنّ الفساد يمّثل تهديداً للسلم والأمن، متسبباً بثراء فاحش غير مشروع لموظفين في البنك المركزي اليمني عدن ومسؤولين تابعين للحكومة الشرعية.
ورفض رئيس الحكومة "عبدالملك" إحالة عدد من ملفات الفساد الى المحكمة ونيابة الأموال العامة المتعلقة بفوارق المصارفة بين بنكي التضامن والكريمي من جهة، والبنك المركزي من جهة، والتي بلغت مليارات الدولارات، وكشف عنها تقرير الخبراء الدوليين.
 
فساد يهدد بقاء اليمنيين 
الحصول على الاحتياجات الأساسية بات مهمة شاقة في الكثير من الأحيان. أزمات اسطوانات الغاز المنزلي المتكررة شاهد على تردي الخدمات، واليوم عادت بعض الأسر اليمنية إلى استخدام الأدوات التقليدية كالحطب، بسبب أزمات الخدمات المتكررة والأوضاع الاقتصادية الصعبة.
ورغم ما يمتلكه اليمن من ثروات طبيعية من نفط وغاز ومعادن ثمينة في البر، وثروة بحرية كبيرة لانه يطل على البحرين الأحمر والعربي الغنيين بالثروة السمكية، لكن كل تلك الثروة يتم تقاسمها من قبل تجار الحرب والفساد، كما يتقاسمون عوائد ضرائب المنتجات المحلية المتمثلة بالعوائد الضريبية للمحاصيل الزراعية وضرائب القات، وعوائد الاتصالات والإنترنت، وقبلها عوائد الموانئ والمنافذ البرية.
ويعاني المواطن البسيط في الحصول على ما يبقيه حيا مع أسرته، فأسعار الخضار والفواكه والسلع الاستهلاكية الأخيرة كالأرز والقمح والحبوب كالفاصوليا وغيرها، باتت خارج نطاق قدرة المواطن الشرائية، خصوصا في المدن الرئيسية التي تدار منها صراعات الحرب والفساد.
 
انهيار ثقة الحليف 
أمتنعت دول الخليج العربي، ومن بينها دول التحالف العربي الداعم للشرعية وعلى رأسها السعودية، عن تقديم الدعم إلى اليمن وسط ترقب بتغيرات مفاجئة في الفترة القادمة.
وأعلنت المملكة العربية السعودية والإمارات عدم تقديمهما أي دعم بمؤتمر المانحين لليمن، واكتفتا بالدعم الذي قدمتاه خلال السنوات السابقة، وهذا أهم مؤشر عن فقدان الثقة بالحكومة نتيجة الفساد الذي تمارسه.
واعتبر مراقبون أن امتناع دول الخليج عن تقديم الدعم في مؤتمر المانحين، بمثابة إهانة غير مباشرة للمنظمات الدولية ومن يشرف عليها؛ لأن أغلب تلك الأموال تذهب للمصاريف التشغيلية بعيدا عن الشعب اليمني.
وأكدوا أن الموقف الموحد لدول الخليج يشير إلى ترتيبات مفاجئة في الفترة المقبلة، خصوصاً مع التغيرات الدراماتيكية في المشهد الإقتصادي العالمي .
وتزامن امتناع الدول الخليجية عن منح الفاسدين مزيدا من الأموال، مع إعلان المجلس الخليجي عن مبادرة ودعوة لجميع الأطراف بما فيها الحوثيون (شركاء الفساد) إلى محادثات سلام في الرياض خلال الفترة 29 مارس إلى 27 ابريل، لمناقشة 6 محاور بينها الجانب الإنساني، ما يؤكد أن التحالف فقد الثقة بالحكومة الشرعية بقيادة هادي ويبحث عن شريك بديل.
 
أخيرا.. 
مع استمرار فساد الكبار وقادة وتجار الحرب والتجارة، ترتفع حجم المعاناة الإنسانية لم تهدأ وطأتها، فمنذ سبع سنوات يواجه الشعب اليمني الموت والدمار والتشريد والتجويع والإرهاب والانقسام والعوز على نطاق هائل، وبات ملايين اليمنيين مهددين بالموت ليس بقوة السلاح، وإنما جوعا، نتيجة تردي الأوضاع المعيشية والاقتصاد، وأوصلهم إلى أعماق جديدة من اليأس، مع استمرار المتاجرة بمعاناتهم دوليا من اجل الحصول على مزيد من الأموال التي تذهب للمنظمات العاملة عليها، والأطراف المتاجرة بحياة المواطن الذي لا يحصل على شيء منها.