Image

الرقابي حذر من مصيدة دولية ... فساد العملة يهدد سيادة اليمن

نبدأ هذا الجزء من تقرير فساد الحكومة عبر بنكها في عدن، بمقولة متداولة في الشارع اليمني، وهي عبارة عن تساؤل (هل تعرف او تشاهد أي عناصر من حزب الإصلاح أو جماعة الحوثي او موظف في الحكومة" يعاني كبقية أبناء الشعب؟) 
حقيقة مرة يعيشها الشعب مع تلك الجماعات المتحالفة على الفساد وقتل ما دونهم؛ حيث يتنافس منتسبو تلك الجماعات على اقتناء العقارات والسيارات والسفر، ووسائل العيش المرفه، فيما يعاني السواد الأعظم من أبناء اليمن ضنك العيش، ويقاتلون للبقاء على قيد الحياة، حتى ولو تناول الواحد منهم وجبة واحدة في اليوم والليلة.
"غبن" يعيشه سكان اليمن، أنتجته أيادي الفساد المستشري في أواسط تلك الجماعات التي تتولى زمام الأمور "الحكم" في مناطق الشرعية، أو تلك الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، فالكل شركاء بعيدا عن أعين الشعب الواهم بوجود خلاف بين "الحوثيين والإخوان" ومن يدور في فلكهم.
يمتلك أعضاء تلك الجماعات رواتب معتمدة تصرف باستمرار بالعملات الأجنبية أو بالريال اليمني، إلى جانب حوافز أخرى تحت مسميات عدة؛ حيث يشغل العضو منهم أكثر من منصب في ظل الأوضاع الراهنة، فهو مقيد في كشوفات الجيش والامن، إلى جانب وظيفته المدنية، فضلا عن منصبه "النضالي" في المقاومات المحلية، إلى جانب عمله في إحدى المنظمات الإنسانية، التي تستحوذ عليها عناصرهم رغم مسمياتها الأجنبية، يستلم رواتب ومساعدات مالية ومعونات إنسانية، فيما المستحقون لا تصل إليهم أي معونات باعتبارهم غير أعضاء في الإصلاح أو موالين للحوثيين، أو منتمين لأحد العاملين في إطار حكومة معين عبدالملك.
 
فساد مبطن بين عدن وصنعاء
 
منحت الأوضاع التي تعيشها البلاد، والفوضى السياسية والفشل الحكومي، جماعات الفوضى والمقربين من شرعية هادي، نفوذا متساويا، سواء كانوا في صنعاء أو عدن، فالمصلحة تجمعهم، وادعاء الحرب والخلاف يفرقهم أمام أعين اليمنيين البسطاء، فضلا عن منحهم فرصا لمضاعفة ثرائهم الفاحش، وتوسيع أنشطتهم عبر إنشاء شركات ومنظمات وهيئات منافسة دون المرور بإجراءات المناقصات والمزايدات، للاستحواذ على المشاريع الحكومية.
كشف تقرير صحفي نشر في وسائل إعلام مختلفة، عن صفقات مناقصات تتم بالتواطؤ مع بعض موظفي الدولة في أجهزتها المالية والسياسية، لقاء نصيب مالي أو مردود ما منها، وفقاً لعدد من الوقائع التي طفت للسطح مؤخّراً، فضلا عن كشفه مدى الترابط بين الجماعات الحاكمة في مناطق الشرعية ومناطق الحوثي، فيما يتعلق بالتعاملات المالية؛ حيث يرفض بنك صنعاء المركزي، كما هو الحال مع بنك عدن المركزي، تقديم أي بيانات أو وثائق مالية او حسابات ختامية خلال الفترة نفسها التي نقل فيها البنك إلى عدن 2016.
 
اتهامات فساد رسمية 
وبالعودة إلى تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة الموجهة لحكومة معين عبدالملك، بشأن فساد البنك المركزي، فقد حذر التقرير من الآثار والمخاطر المترتبة على عدم صدور التقارير والبيانات المالية السنوية للبنك المركزي وفقا لأحكام المادة (57) من قانون البنك المركزي رقم 14 لسنة 2000 وتعديلاته، والمادة (70) من القانون المالي رقم (8) لسنة 1990.
وأوضح التقرير، الذي اطلع عليه "المنتصف نت"، أن تلك التقارير والبيانات المالية، تعد أحد أهم المتطلبات الأساسية من قبل أي جهة تمويل خارجية؛ حيث تعد مجموعة التقارير والبيانات المالية والإحصائيات النقدية والمالية والاقتصادية وغيرها، من المؤشرات الهامة واللازمة لقراءة الوضع الاقتصادي الحالي. ومن الطبيعي أن تشمل تلك البيانات والتقارير الحد الأدنى من المتطلبات الأساسية للجانب السعودي، في إطار دراسته لأي طلبات للحكومة اليمنية في هذا الشأن، فضلا عن أهميتها في قراءات نتائج توظيف الوديعة السعودية السابقة، والتعرف على مجمل التطور في ميزانية البنك، وفي مؤشرات مستوى الأسعار والتضخم المترتبة على مجموعة التدابير والسياسات التي اتخذها البنك، بالتوازي مع توظيف احتياطي الوديعة.
 
مخاطر تدويل البنك 
 
ووفقا لتقرير جهاز الرقابة، فإن الحكومة، وعلى ضوء عدم تقديم بيانات وتقارير بالمعاملات المالية للبنك، تواجه مخاطر حقيقية في حال استمر هذا الأداء السيء للبنك المركزي، تتمثل في قيام المجتمع الدولي بفرض شكل من أشكال الهيكلة للبنك وإخضاعه لسلطة دولية متخصصة، كصندوق النقد الدولي، لضمان تأهيله كي يكون شريكا فاعلا للمجتمع الدولي، في جهود تحقيق الاستقرار للأسعار محليا، خصوصا مع استمرار حالة التدهور في سعر صرف الريال أمام العملات الأجنبية، وتفاقم الوضع الإنساني.
ووفقا للتقرير، فإن أي إجراء دولي ضد البنك، سيجعل الحكومة اليمنية الشرعية تفقد أهم وظائفها السيادية الحيوية المعنية بإدارة مخرجات وعناصر الاقتصاد الكلي، وتحقيق الأولويات الاقتصادية والاجتماعية والإنمائية، وفقا لرؤيتها الخاصة.
 
فساد بشاهدة دولية
وفي هذا الصدد، كان تقرير صادر عن فريق الخبراء المعني في اليمن، التابع لمجلس الأمن الدولي، مطلع العام 2020، اتهم البنك المركزي بالتلاعب في أسعار الصرف (العملة)، واتهم البنك بممارسة أعمال فساد واسعة وثراء غير مشروع، وسلّط التقرير الضوء على واقعة فساد ترتبط بمعاملات للصرف الأجنبي قام بها البنك المركزي اليمني في عدن أواخر عام 2018.
واعتبر الفريق أنّ الفساد يمّثل تهديداً للسلم والأمن، متسبباً بثراء فاحش غير مشروع لموظفين في البنك المركزي اليمني بعدن ومسؤولين تابعين للحكومة الشرعية.
وأشار التقرير إلى أن بنك مركزي عدن خسر نتيجة التلاعب بأسعار صرف العملات الأجنبية مبلغ يقترب من تسعة مليارات ريال يمني في الفترة من 4 – 29 نوفمبر 2018.
وأكد فريق الخبراء المعني بمراقبة العقوبات على اليمن، حينها، أنه توصل إلى نتائج تؤكد بيع وشراء العملات بين البنك المركزي اليمني، وبنك الكريمي الإسلامي، وبنك التضامن الإسلامي الدولي، في نوفمبر 2018، بفارق كبير في سعر الصرف السوقي وصل في بعض الأحيان إلى 23%.
وأوضح فريق الخبراء قبل ذلك، أنه حقق في عمليات فساد قام بها البنك المركزي أواخر 2018، وإذا ما كانت تنطوي على عمليات محتملة لغسل الأموال من خلال النظام المالي اليمني للتحايل على تدابير تجميد الأصول فيما يخص اليمن بموجب القرار 2140.
 
دعوة للحكومة 
وكان تقرير الجهاز الرقابي دعا رئيس الحكومة الحالية معين عبد الملك، لاتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان المحافظة على المنظومة القانونية الحيوية للبنك المركزي، في ظل الأوضاع الإنسانية الاستثنائية التي تواجهها البلاد في هذه المرحلة، وبما يتوافق مع متطلبات المجتمع الدولي، حتى لا يتم تدويل عمليات البنك وسحب صلاحيات الحكومة السيادية.
من جانبه، رفض رئيس الحكومة "عبد الملك" إحالة عدد من ملفات الفساد إلى المحكمة ونيابة الأموال العامة المتعلقة بفوارق المصارفة بين بنكي التضامن والكريمي من جهة، والنبك المركزي من جهة، والتي بلغت مليارات الدولارات، والتي كشف عنها تقرير الخبراء الدوليين.
 رفض عبد الملك إحالة ملفات فساد البنك لنيابة الأموال العامة، يعد دليلا واضحا عن تورطه في تلك القضايا، إلى جانب العديد من مسؤولي الحكومة وشبكة واسعة من تجار العملة في سوق الصرافة بعدن وغيرها من المناطق الخاضعة لسيطرة الشرعية والحوثيين على حد سواء، والتي شهدت أرباحا كبيرة من وراء قيمة التحويلات المالية عبر فارق الحوالة بين مناطق الشرعية والحوثيين على خلفية إيقاف التعامل بالطبعة الجديدة للعملة.
 
اتفاق بنك بوساطة أربعة بنوك
وفي هذا الخصوص، أكدت مصادر مصرفية ومقربة من البنك المركزي بشقيه "صنعاء وعدن"، وجود اتفاق بين البنك المركزي في عدن ونظيره في صنعاء، بشأن تخفيف الضغط على المواطن من جراء فوارق عمولة الحوالات المالية؛ حيث تم تشكيل لجنة وساطة مصرفية رفيعة المستوى تتألف من رؤساء مجالس إدارة أربعة بنوك يمنية: بنك اليمن الدولي، وبنك اليمن والكويت، وبنك التضامن الإسلامي الدولي، وبنك الكريمي للتمويل الأصغر الإسلامي‎.
ووفقا للمصادر، فإن إدارة الأزمة المالية المشتركة بين صنعاء وعدن تكشف مدى العلاقة في هذا المجال بين الجانبين؛ حيث تسعى الجماعتان إلى وضع حلول عاجلة تلك العملية المربحة، قبل أن تتحول العملية إلى المجتمع الدولي، ويخسر الطرفان، فضلا عن عدم حصولهما على مبالغ مالية دولية في اطار منح أو وديعة، كي يتم استغلالها في اعمال الجماعات الحاكمة الفاسدة كما حدث سابقا.
وأشارت المصادر إلى ان اللجنة تسعى لإيجاد حل وسط من شأنه أن يخفف من التداعيات السلبية للإجراءات المالية المتناقضة المفروضة حاليًّا من قِبل فرعي البنك حول حق الوصول الأحادي إلى بيانات القطاع المالي وعدم مشاركتها مع بعضهما، وكذا الرقابة على عمليات القطاع المصرفي وشركات الصرافة في البلاد من جانب واحد. 
 
استمرار فساد العملة
ورغم تحذيرات تقرير جهاز الرقابة، والخبراء الدوليين، فإن حكومة الشرعية تواصل عمليات الفساد المالي؛ حيث وصلت، أول أمس الاثنين، كمية كبيرة من النقد المحلي المطبوع حديثا عبر مطار عدن.
وذكرت مصادر في البنك المركزي وصول شحنة جديدة ضخمة من الأموال المطبوعة حديثًا إلى مطار عدن على متن طائرة نقل عملاقة؛ ما ينذر بكارثة اقتصادية وشيكة ستضرب الاقتصاد في المناطق الخاضعة لسيطرة الشرعية.
وأوضحت المصادر بأن الأموال المطبوعة الجديدة هي فئة الأوراق النقدية القديمة التي تحاول الحكومة دفعها لسوق الصرف والمعاملات المالية؛ ما سيؤدي مباشرة إلى مزيد من انهيار العملة التي تجاوزت معها قيمة الدولار الـ1300 ريال في التعاملات المصرفية خلال الأيام القليلة الماضية.