Image

يقف عائقا أمام الوديعة ومؤتمر 16 مارس فساد "المركزي" تمارسه الحكومة ويكشفه الجهاز

تعاني اليمن العديد من الاختلالات المالية والهيكلية المتراكمة، منذ بداية الصراع الحالي، ما أثر سلبا وبشكل كبير في استقرار العملة والاقتصاد بشكل عام، نتج عنه تدهور أسعار العملة، وارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، وتزايد حالات الفقر، وظهور تقارير تتحدث عن الجوع والمجاعة، فضلا عن زيادة التضخم والدين، وكلها مرتبطة بشكل عام بتفشي ظاهرة الفساد الحكومي من خلال المضاربة بالعملة ونهب الإيرادات، وافتعال الازمات المحلية.
ومع تزيد حدة هذه الاختلالات، ازدادت حالات النهب للمال العام وظهور طبقات غنية، وأخرى فقيرة، وغياب الطبقة الوسطى، مع استمرار عدم وجود بوادر أمل لحل تلك الأوضاع والاختلالات، خاصة وأن أحد من يمارس عمليات الفساد في القطاعات الحكومية هو الحكومة نفسها، بالتنسيق مع الرئاسة (الشرعية) عبر عناصر منتمية لحزب الإصلاح، وأخرى تابعة لمليشيات الحوثي، والجماعات المسلحة المنتشرة، ما عقد الوضع وجعل الحلول تبدو بعيدة عن المواطن البسيط الذي بات ينظر لجماعات الفساد المسلحة، بما فيها الحكومة الشرعية، بأنها عبارة عن مجموعات قتل بدعم دولي.
ومع عقد مؤتمر دولي لجمع التبرعات لصالح اليمن، الأربعاء 16 مارس، افتراضياً (عبر دائرة تليفزيونية مغلقة) رفيع المستوى تشارك في استضافته الأمم المتحدة وحكومتا السويد وسويسرا، يبقى السؤال هل ينجح مع عدم توفر أهم شروطه "الشفافية المالية"؟
 
جهاز يكشف بداية الفساد
يشكل تدهور قيمة الريال مقابل الدولار أثراً شديداً في تآكل القوة الشرائية للمواطنين؛ حيث يواصل سعر صرف الريال اليمني تدهوره بشكل خطير وكبير أمام العملات الأجنبية، وتأرجحه بين 1000 ريال للدولار و1300 ريال، وعدم الانخفاض ما دون ذلك، منذ نهاية العام 2019، جعلنا نبحث عن أسباب المشكلة ومكامن الخلل في محاولة منها لتوضيح ما يجري للمواطن المتأثر الرئيسي بتلك التقلبات.
ومن خلال المطالعة لتقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة رقم (69) الصادر بتاريخ 23 يونيو 2020، حول احد أسباب تلك الأسباب التي كان بطلها البنك المركزي في عدن، بالتواطؤ من قبل حكومة معين عبدالملك، والرئاسة اليمنية المتواجدة في الرياض، بعبارة بسيطة مثلث الفساد المعروف "الشرعية والاخوان والحوثيين".
 
أهم سباب تدهور العملة
 
لخصت تقارير اقتصادية دولية ومحلية أسباب تدهور العملية المحلية "الريال" أمام العملات الأجنبية خلال السنوات والاشهر الأخيرة، في جملة من النقاط ومنها:
ـ التصرف بأرصدة الأصول الخارجية من العملات الأجنبية للبنك المركزي، لصالح جماعات مسلحة، دون الاستفادة منها في توفير مصادر دخل لصالح المواطنين، وكان آخرها الوديعة السعودية المقدرة بـ 2 مليار دولار.
ـ الاستفادة من المنح المالية المقدمة لليمن من قبل المسؤولين في الشرعية، وشركائهم في الفساد في جماعتي الحوثي والإخوان، وجماعات مسلحة أخرى.
ـ استمرار نهب إيرادات النفط والغاز، وايرادات الموانئ والمنافذ، وضرائب السلع والمنتجات المحلية، والتحويلات المالية للمغتربين، وغيرها من المصالح الإيراداية، من قبل الشرعية والإخوان والحوثي، وجماعات مسلحة التحقت بهم مؤخرا، مع استمرار خلق الأزمات الاقتصادية والعسكرية، لجعل الشعب يعيشها، لتغطية فساد تلك الجماعات.
ـ التنسيق المشترك لجماعات الحرب، من أجل خلق أزمات اقتصادية مثل أزمة المشتقات النفطية والغاز المنزلي وفارق الحوالات المحلية، ووقف التعامل بالعملة الجديدة، وتغييب المرتبات وإيقاف العديد منها من قبل طرفي الأزمة المتفقين عليها (الشرعية ممثلة بالإخوان، والحوثيين) وحاليا التحقت بهم جماعة الانتقالي بالجنوب، مع التوقع بدخول جماعات أخرى مثل الهبة الحضرمية، وجماعة المهرة.
فساد تلك الجماعات لم يعد خفيا على أحد من سكان البلاد، الذين باتوا في حالة سخط وغبن من تلك الأزمات المفتعلة بهدف قتل السكان وتحويلهم إلى ورقة ضغط للمجتمع الإقليمي والدولي كي تستفيد منها جماعات الحرب في الحصول على معونات ومنح تحت مسمى مكافحة الفقر والجوع في اليمن، كما حصل في ملف كورونا.
 
بنك عدن أساس الفساد
في هذه السطور يحاول "المنتصف نت"، الوصول إلى أول أسباب مشكلة تدهور العملة المرتبط بها معظم حالات التفقير والقتل الاقتصادي للمواطن، من ارتفاع واختفاء أسعار المشتقات النفطية والغاز، وارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية الأساسية، والمرتبطة بها حياة المواطن بشكل رئيسي، خاصة وأنها مرتبطة مباشرة بالزراعة وتقديم خدمات المياه، واستمرار الموصلات على الطرق، واستمرار عمل المؤسسات الحكومية الخدمية بما فيها المستشفيات، والتي باتت تشكل كلها مجموعة خطرا على حياة المواطن البسيط.
 
التقرير الرسمي رقم (69)
لا نخط كلمات أو سطورا دون أن تكون موثقة بوثائق رسمية، كما هو الحال في تقريرنا الحالي، والذي ينقل عن نص تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة المقدمة للحكومة اليمنية بتاريخ 23 يونيو 2020، بشأن "الآثار والمخاطر المترتبة على عدم صدور التقارير والبيانات المالية السنوية للبنك المركزي وفقا لأحكام المادة (57) من قانون البنك المركزي رقم (14) لسنة 2000، وتعديلاته والمادة رقم (70) من القانون المالي رقم (8) لسنة 1990، والذي حمل تحذيرات للحكومة حول القوائم المالية السنوية للبنك المركزي منذ نقله إلى عدن في العام 2016، والتي لم يتم إصدارها ونشرها وفقا للمادة (57) من قانون البنك المركزي المشار إليه، إلى جانب تقارير المدققين لحسابات وتقارير مجلس الإدارة، حول التطورات الاقتصادية والمالية والنقدية وشؤون البنك وعملياته عن تلك الفترة وحتى نهاية العام 2019 (عام الموازنة)، والتي لم ترد أو تصدر من البنك أي تقارير حول تلك العمليات.
وتنص المادة (57) من قانون البنك المركزي، على أن يتم تقديم تلك التقارير خلال مدة ثلاثة اشهر من انتهاء السنة المالية، إلى مجلس النواب ومجلس الوزراء، وهو ما لم يتم؛ الأمر الذي يدخل البنك والقائمين عليه في دائرة الاتهام في قضايا فساد.
تشير التقارير الاقتصادية إلى أن قيادة البنك المركزي ظلت تمارس مهامها من خارج اليمن، بالتنقل بين عمان والرياض، خلال تلك الفترة؛ وهو ما يعد مخالفة بحد ذاتها، حيث لا يمكن أن يعمل أي بنك مركزي بشكل صحيح دون أن تتواجد قيادته في موقع العمل. 
كما تشير التقارير إلى أن الحكومة "الشرعية" ظلت تمارس مهامها المالية بالعملات الاجنبية؛ ما أفقد الريال قيمته، خاصة وأنها تمتلك حسابات مالية حتى اليوم لدى البنك الأھلي السعودي؛ حيث تم إيداع إيرادات الصادرات النفطية إليه"، بعيدا عن البنك المركزي اليمني في عدن. كما زادت الحكومة من عمليات التضخم، من خلال تغطية النفقات الحكومية عبر طباعة مزيد من العملة المحلية الجديدة.
 
مخاطر مخالفة الضوابط
أشار تقرير الجهاز الرقابي، المشار إليه سابقا، إلى المخاطر العديدة المترتبة عن عدم الالتزام بإصدار القوائم المالية والتقارير المصادقة عليها، في المواعيد المحددة، وفقا لأحكام القانون. ومن تلك المخاطر، وفقا للتقرير ، وجود عمليات تلاعب بالإجراءات والضوابط الفنية والقانونية لمختلف العمليات المالية والمحاسبية؛ حيث سعت قيادة النبك والقائمين عليه إلى إخفاء تلك القوائم والتقارير المحاسبية خلال السنوات الماضية، وهو أكبر دليل على وجود تلاعب وقضايا فساد تم ممارستها في تلك العمليات المحاسبية والمالية.
ووفقا لتقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، فإن الالتزام بمثل تلك المتطلبات في الوقت الراهن يأتي من طبيعة قضايا الفساد بشأن عمليات البنك في السوق، في ظل عدم توفر الرقابة والحماية اللازمة للمخزون النقدي للبنك؛ ما أثر على سعر العملة، الذي يرتبط بشكل كبير بثقة الجمهور بتدابير الحماية التي توفرها نظم البنك وسياسته للحفاظ على استقرار العملية المحلية؛ وهو ما لم يتم تحقيقه من قبل البنك خلال تلك الفترة.
كما تعد عملية إخفاء القوائم والبيانات المالية لعمليات البنك، مخالفة ومتناقضة مع ما تم إعلانه من قبل الحكومة في إعطاء أولوية لتحقيق استقرار في سعر صرف الريال أمام العملات الأجنبية؛ حيث لا يمكن لاي حكومة ان تعمل على تحقيق أهدافها في هذا الشأن في ظل غياب بيانات وقوائم مالية حول عملية البنك المالية، الأمر الذي يشير بشكل واضح إلى حجم التنسيق بين الجهات الحكومية الشرعية في عمليات الفساد، والمالية على وجه التحديد.
وذكر التقرير أن تغيب دور مجلس النواب الرقابي على السياسات النقدية والمالية والاقتصادية، من خلال عدم موافاته بالتقارير والقوائم المحاسبية السنوية وفقا للقانون المالي، أخل بممارسة بمبدأ الترشيد لسياسات وتوجيهات النبك المركزي والحكومة؛ ما أثر سلبا على العمليات المالية خلال الفترة الماضية، والتي أثرت سلبا على مستويات المعيشة لمختلف فئات المجتمع.
 
أصحاب المصلحة
ظلت جماعات أصحاب المصالح تمارس عمليات الفساد في جميع قطاعات الدولة الإيرادية، مع تعمد تغييب البيانات والقوائم والتقارير المالية والاقتصادية الشهرية والربع سنوية والسنوية، ومشاركتها مع أصحاب القرار والرقابة المحليين، ومنعها عن الشركاء الدوليين والاقليميين، قلل من مبدأ الشفافية التي تتبعها الجهات الدولية والإقليمية في مثل تلك عمليات؛ ما أدى إلى إحجام العديد منها عن تقديم منح مالية، وجدولة الديون وغيرها من العمليات المالية المرتبطة بين الجانبين.
ووفقا لمراقبين في الشأن المالي، فإنه ينبغي على الحكومة أن تعمل على تحديد بيانات تتعلق بالإيرادات والنفقات الحكومية، وعرض موازنات عامة بشكل مستمر على البرلمان للمصادقة عليها، وعدم تغطية النفقات الحكومية من خلال وسائل تضخمية، كطباعة العملة المحلية.
لقد ظلت عمليات تحصيل إيرادات الدولة نقدا وليس بالشيكات، وسحب السيولة النقدية إلى خارج القطاع المصرفي، من قبل جهات خارجية، أحد أهم مستويات الفساد الحكومي المكشوفة أمام المانحين، رغم تغييبها عن الرأي العام المحلي، أفقدها القدرة على ثقة المجتمع المانح، ومنهم دول الخليج التي أحجمت عن إعطاء وديعة مالية جديدة للبنك المركزي في ظل تلك العمليات المالية التي تمثل فسادا مفضوحا.
وفي هذا الإطار، يشير تقرير الجهاز الرقابي إلى أن الحاجة الأكثر إلحاحا في الوقت الراهن لمثل تلك البيانات والتقارير تأتي من حاجة الحكومة في الوقت الحالي إلى طلب دعم خارجي للاحتياطي النقدي الأجنبي للبنك المركزي، سواء من خلال طلب وديعة جديدة من السعودية، أو من هيئات ومؤسسات تمويل دولية، خاصة وأن البلاد تعتمد على توفير السلع الاستهلاكية من خلال عملية استيراد 80 في المائة منها من الخارج، وتحتاج إلى عملة أجنبية للقيام بعمليات الاستيراد.