موازنة وحيدة مليئة بأرقام مخالفة للقانون رقم (8) "الشرعية".. كتلة فساد يمنية تحتضنها السعودية... (1-2)
ما بين الفساد المتعمد والمتفق عليه بين جميع المكونات الحاكمة "شرعية – إخوان – حوثي – انتقالي" وغيرها من الجماعات المسلحة الفاسدة، وعشوائية التعامل من مواقع المسؤولية والمناصب الحكومية، تتجه البلاد نحو الكارثة والهاوية الاقتصادية، وباتت البلاد تعاني من فساد بحجم دولة تسمى "الشرعية" وحلفائها.
موازنة فساد
مثلت الموازنة العامة المقرة في العام 2019، وهي الوحيدة التي تقرها حكومة شرعية ويعتمدها مجلس النواب، بعد تعهدات جمة سردها رئيس الحكومة معين عبدالملك حينها، لم يتم العمل بها، بل تم العمل على عكس ما ذكر في خطابه الشهير أمام البرلمان حينها.
الموازنة التي مثلت رواتب القطاع العام فيها 39.33% من النفقات المقدمة في الباب الأول من موازنة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً لعام 2019، ولا يشمل ذلك نفقات الحكومة على الهيئات والصناديق الأخرى التي هي من خارج الباب الأول.
حجم الإنفاق الحكومي على أجور القطاع العام من الباب الأول من موازنة العام 2019:
للقطاع المدني: التكلفة 1,223,525 ريالا، ما اعتماده 694,896 ريالا، وفقا لوزارة المالية، وهذا الرقم أقل من المسجل للعام 2014 لأن الحكومة اليمنية دفعت فقط رواتب 51% من موظفي الخدمة المدنية خلال عام 2018، ومثله في العام الذي تلاه، رغم إعلان التزامها أمام البرلمان بدفع جميع رواتب موظفي الدولة.
اما في الجانب العسكري والأمني، فقد سجلت التكلفة الاجمالية 1,223,525 ريالا، فيما تم الصرف بواقع ، 528,629 ريالا.
ولم تشمل النفقات المتوقعة للعام 2019 من هم في الوحدات العسكرية والأمنية في المناطق التي تسيطر عليها مليشيات الحوثي، وهو مخالف لتعهدات الحكومة عند إقرار الموازنة في البرلمان.
ما تجدر الإشارة إليه، هو عدم توفر إحصاءات دقيقة حول العدد الحالي لموظفي القطاع العام في اليمن، فمن الواضح أن حجم كشوف المرتبات قد زاد منذ عام 2014، عندما وصل إلى 1,25 مليون شخص.
مخالفات الصرف
عمدت الحكومة التابعة للشرعية خلال العام المالي 2019، عام الموازنة المقرة، إلى تجاوز البيان المالي للموازنة، وقامت بعمليات تلاعب بالصرف وعمل مناقلات بين بنود الموازنة في مخالفة للقانون المالي، الذي يشترط في مادته رقم (31) موافقة مجلس النواب على نقل أي مبالغ من باب إلى آخر من أبواب الموازنة العامة.
وظلت الحكومة الحالية تمارس تنقلات المعاملات المالية، وفقا لمصادر في وزارة المالية بعدن، من أجل توفير مبالغ مالية لصالح أشخاص وهيئات وجهات لا تتواجد على أرض الواقع في الداخل اليمني، وإنما تم توظيفها وتعيينها في مناصب عليا من قبل الرئاسة اليمنية والعاملين في إطارها، لأشخاص تجاوز عددهم 300 شخص يتقاضون مرتبات بالدولار والريال السعودي ما يكبد الميزانية مبالغ كبيرة، وهي أحد أسباب انهيار العملة المحلية، كما أشار محافظ البنك الجديد أحمد غالب المعبقي في تصريحات صحفية.
تجاوز نفقات المسؤولين
ظلت الحكومة، خلال الفترة السابقة، تمارس مخالفات رسمية في ظل غياب الأجهزة الرقابية والمحاسبية، مستغلة استمرار الأوضاع التي صنعتها الحكومة نفسها، من أزمات وحروب ومنازعات، مفتعلة من قبل الأطراف اليمنية المتفقة أصلا على استمرار تلك الأوضاع كي تستمر مصالحهم واستفادتهم منها، والتي تندرج تحت مصطلح "تجار حروب".
وقامت الحكومة بممارسات صرف مبالغ اعتمادات الموازنة، إلى جانب تصرفها بالإيرادات بعيدا عن البنك المركزي، لصالح تلك الجماعات، في مخالفة لنص المادة رقم (75) من القانون المالي، التي تنص على أنه لا يجوز، بأي حال من الأحوال لأي جهة كانت، الصرف خارج إطار الميزانية العامة للدولة وميزانيات القطاعين العام والمختلط والميزانيات الملحقة بها، كما لا يجوز تجنيب أي إيرادات منها مهما كانت الأسباب.
ويرى مراقبون اقتصاديون أن استمرار ممارسة الحكومة لهذه المخالفات والعشوائية في إدارة الجوانب المالية، أدت إلى تضخم حجم رواتب القطاع العام في بنده الأول من قانون المرتبات والأجور، المتعلقة بالمسؤولين الكبار، وزراء حتى فئة مدير عام.
وأكد المراقبون على أهمية إصلاح ومعالجة القطاع العام المتضخم، رغم صعوبته، لكنه يتطلب إرادة سياسية مستدامة، وتأييداً عاماً وقدرة وموارد مؤسساتية كافية، بالاتباع على نهج تدريجي مرحلي لكل خطوة، في حال وجدت الإرادة السياسية المفقودة في ظل كتلة الفساد اليمنية التي تحتضنها المملكة العربية السعودية والمتمثلة بالشرعية.
ووفقا للمراقبين، فإن المرحلة تتطلب إنشاء لجنة خدمة مدنية مستقلة لإدارة الخدمة المدنية المتخمة بموظفين جدد يتقاضون أجورهم بالعملات الصعبة كالدولار والريال السعودي، وغير متواجدين في المؤسسات الخدمية، لذا تتطلب المرحلة البدء في تقييم عدد الأشخاص في كشوف الرواتب الخاصة بالخدمة المدنية، وأن تكون هذه الهيئة مسؤولة أيضاً عن وضع ممارسات توظيف عادلة في الخدمة المدنية، وتحديد ظروف العمل، وتطوير التوصيفات الوظيفية لجميع مناصب الخدمة المدنية.
وأوضحوا أن المرحلة تتطلب أيضا، وعلى وجه السرعة، القيام بإعادة تصحيح وتقييم كشوف المرتبات الخاصة بالمؤسسات العسكرية والأمنية، والتي تحوي العديد من الأسماء الوهمية التي كشفت عنها وزارة الدفاع في مأرب، بعد أن شهدت أكبر نمو منذ بداية الحرب لصالح حزب الإصلاح وحده، وتطلب المرحلة البدء من وزارتي الدفاع والداخلية والمؤسسات العامة العسكرية الكشف عن سجلات جميع الموظفين.
ووفقا لرؤية اقتصادية متخصصة، يتحدث الخبراء عن إجراءات سريعة يجب أن تتبعها الجهات المشرفة على الشرعية، ومنها على وجه التحديد، الحد من الفساد الإداري، ببذل جهود لتقليل نفقات رواتب القطاع العام من خلال اتخاذ خطوات لإزالة حالات الازدواج الوظيفي والعمالة الوهمية من جدول الرواتب.
ورأى الخبراء أن يتم تخصيص هيئة لإنشاء البنية التحتية والقدرات التقنية اللازمة لتشغيل نظام تحديد الهوية الإلكترونية بالكامل، مع إجراء تسجيل البصمات لجميع موظفي القطاع العام، وربط هذه المعلومات الالكترونية بقاعدة بيانات الأرقام الشخصية الوطنية. هذا سيمكن الحكومة من تحديد وإزالة مزدوجي التوظيف، ومن خلال ربط قاعدة البيانات هذه بسجلات المؤسسات الحكومية وبرمجيات الدوام والحضور. يمكن للحكومة أيضاً تحديد العمال الوهميين وإزالتهم. ولنجاح كل هذا، يجب وضع لوائح لمنع ومعاقبة من يعمل على استخدام أو يتلاعب بالبيانات، وهذه الأمور كلها لا يمكن أن تنفذها الحكومة الحالية التي ترتبطها مصالح وقضايا فساد مع جميع القطاعات الإيرادية التابعة للدولة.
عشوائية الفساد
بعد مرور شهرين من العام المالي الجديد 2022، لم تلتفت الحكومة لموضوع إعداد موازنة مالية له، وتواصل ممارسة مهامها بطريقة "عشوائية الفساد"، في عملية الإنفاق الحكومي على قطاعات وهيئات وأشخاص وموظفين، وفقا للمحسوبية، بعيدا عن أي محاسبة أو تنفيذ لأي بند من بنود القانون المالي، أو العملي ببنود الموازنة التي أقرتها الحكومة ذاتها.
وتوقفت الحكومة عن الإعلان عن الموازنة العامة للبلد، خلال عامي 2020 و2021، دون معرفة الأسباب؛ رغم أنها طالبت من الوحدات الإدارية العامة للدولة إعداد موازنات وتقديمها لوزارة المالية. لكنها لم تقر أي موازنة عامة للدولة على ضوء تلك الموازنات.
في العام 2019، أعلنت حكومة عبد الملك موازنة عام بعجز نسبته 30%؛ حيث قدرت إيرادات الموازنة بنحو تريليونين و159 ملياراً و271 مليون ريال، فيما بلغت تقديرات النفقات على المستوى الوطني نحو 3 تريليونات و111 ملياراً و153 مليون ريال.
وتعرف الموازنة العامة للدولة، بوثيقة تُعدها الحكومة سنويا، وتعرض فيها توقعاتها لإيرادات الدولة خلال السنة المالية القادمة، فضلا عن برامج نفقاتها.
ويتم إعدادها وفقا لقواعد وضوابط يحددها نص القانون المالي، بهدف تعزيز شفافيتها ومصداقيتها في أعين المواطنين، وتعتمد على بندين أساسيين هما الإيرادات والنفقات.
في ظل حكومات شرعية هادي فإن الإيرادات تذهب لجهات واشخاص لا تشملهم الموازنات العامة للدولة، والنفقات تذهب أيضا لنفس الجهات والأشخاص في إطار جماعات الفساد التي باتت معروفة لدى جميع سكان البلاد.
ويذكر عدد من الخبراء الاقتصاديين، أن الحكومات الشرعية، تتخذ من تردي الأوضاع الأمنية واستمرار الحرب شماعة لممارسة فسادها في جميع المجالات، فضلا عن استخدامها للمنح والقروض التي تستعين بها في تعويض نفقاتها عن عجز بالموازنة، للإنفاق على أشخاص وجهات معينة تم تشكلها منذ فوضى 2011.
خلال الفترات الماضية لجأت الحكومة اليمنية إلى تغطية العجز، في عملية تحصيل الإيرادات والنفقات، إلى مصادر تضخمية، مثل عملية طباعة مزيد من النقود الجديدة؛ وهو ما ساهم في إضفاء مزيد من الضغط على قيمة الريال اليمني، نتيجة عدم وجود ما يقابلها من عملات صعبة وأجنبية في الأسواق المحلية.
غياب إقرار موازنات مالية خلال العامين الماضيين وهذا العام، من قبل حكومة معين، يعد دليل ضعف تلك الحكومة، ومؤشرا كبيرا على مدى فسادها ووقوفها مع نهب موارد الدولة التي تذهب لجهات معينة "الحوثي – الإخوان – الجماعات المسلحة الأخرى".
ما يجري في هذا المجال يعكس غياب الرؤية، ويزيد من وضع الغموض حول النفقات العامة للحكومة، في ظل عدم وجود خطة اقتصادية للدولة واضحة المعالم، زاد من تأكيد فساد الحكومة عدم إفصاحها عن الحساب الختامي، للأعوام الماضية، والكشف عن مصير إيرادات الأعوام الماضية.
(يتبع)