Image
  • Image خاص
  • 11:58 2022/03/11
  •    

بداية الكارثة قرار هادي ونهايتها في علم الغيب فساد النفط والغاز.. الحل في يد الشعب (3-3)

المتتبع لحركة فساد النفط والغاز في اليمن، يخرج بنتيجة واحدة مفادها "لا يوجد دولة" أو مسؤولون حقيقيون يحملون في قلوبهم ذرة من خوف على حياة البشر ومستقبل البلاد. وهي إحدى نتاج فوضى فبراير 2011، التي على ما يبدو ستظل وصمة فساد مستمرة في جبين وطن لم يبق من معالمه إلا اسمه وشعبه المغبون والمغلوب على أمره.
بداية كارثة الأزمات النفطية والغاز المنزلي كانت مع إصدار عبد ربه منصور هادي، في مطلع مارس  2018، قرارا بتحرير سوق المشتقات النفطية وفتح الاستيراد أمام شركات القطاع الخاص، وإخضاع عملية بيع وتوزيع المشتقات للمنافسة بين الشركات.
ذلك القرار، الذي كان لصالح ذراع فساده في هذا المجال نائبه علي محسن الأحمر، وذراع هادي ونجله احمد العيسي، حيث يتهم مسؤولون في شركة النفط بعدن التجار ومستوردي الوقود باختلاق أزمات الوقود بهدف التربح وإشغال الرأي العام بالبحث عن المشتقات النفطية.
 
القرار فساد نفطي 
مَثّل قرار هادي ضوءا أخضر لعناصر حزب الإصلاح والمسؤولين التابعين لحكومته لنهب إنتاج النفط والغاز المحلي، وأتاح فرصة فساد جديدة لرجال الأعمال التابعين له ونائبه في تجارة النفط والغاز من الخارج.
وكشفت مصادر إدارية في وزارة النفط عن معلومات خطيرة تفيد بأن إيرادات النفط والغاز، خلال العام 2021، بلغت أكثر من مليار و445 مليون دولار، من قيمة النفط والغاز لشركة صافر، وقطاعات شركة بترومسيلة فقط.
مصادر خاصة في شركة بترومسيلة أكدت أنه "لا يوجد تغيير في الإنتاج اليومي لبترومسيلة من النفط الخام الذي في حدود 40 ألف برميل يوميا من 4 قطاعات 14,10,51,53".
وأشارت إلى أن "أغلب الإنتاج من قطاع 10 توتال سابقًا وقطاع 14 نكسن سابقًا، ويجمع النفط في محطة المعالجة المركزية قطاع 14 المسيلة، ويضخ عبر أنبوب نفطي طوله حوالي 90 كم إلى ميناء التصدير في الضبة، ويجمع في 5 خزانات كبيرة في الضبة سعتها الإجمالية 3.5 مليون برميل، ومنها يصدر إلى الأسواق الدولية مرة كل شهرين إلى 40 يومًا تقريبًا، عبر باخرة سعتها 2-3 مليون برميل.
وتعمل صافر وبترومسيلة بطريقة منفصلة عن المنظومة المالية للبنك المركزي اليمني ووزارة المالية في البلاد، وتذهب إيراداتها لحسابات خاصة في الرئاسة اليمنية وعناصر حزب الإصلاح التي تدير تلك القطاعات النفطية. 
وحسب المصادر، فإن قيمة ناتج مبيعات النفط الخام بحسب معطيات الإنتاج اليومي من قطاع 18 صافر تقدّر بنحو 400 مليون دولار في الدورة النفطية المباعة، فيما تقدر قيمة مبيعات النفط الخام الخارجية من شركة بترومسيلة بنحو 547 مليون دولار سنوياً، فيما تقدر مبيعات الغاز المنزلي من شركة صافر بنحو 230 مليون دولار سنويا؛ ما يعني أن إجمالي قيمة مبيعات النفط الخام والغاز تتجاوز أكثر من مليار دولار من جميع القطاعات التي هي في معظمها واقعة تحت سيطرة حكومة هادي الإخوانية.
وحسب المصادر، فإن جزءاً من هذه المبالغ لا يندرج بشكل مباشر ضمن حساب الحكومة، وإنما يذهب إلى حسابات بنكية خاصة بالرئاسة اليمنية، تتوزع على شخصيات معينة معظمها تنتمي لحزب الإصلاح، عبر حسابات في أحد بنوك السعودية.
وقالت المصادر: "لا يوجد منظومة مالية واضحة، وهناك عبث كبير بأهم موارد اليمن السيادية"، مشيرة إلى أن إيرادات النفط تصرف خارج إطار المعايير القانونية ويتم توزيعها عبر توجيهات رسمية وغير رسمية كعهد ومرتبات وامتيازات وهبات دورية تذهب لصالح بعض الشخصيات في المناطق المحررة، وجزء منها يذهب لعناصر تابعة لميليشيات الحوثي في مناطق سيطرتها، في إطار اتفاق مسبق بين الجانبين.
ورغم تلك التصريحات والتسريبات عن حجم المبالغ التي يتم نهبها من قبل قيادات الشرعية في مناطق سيطرتها، إلا أن الرقم الحقيقي لتلك الأموال وحجم الكميات المصدرة من النفط والغاز والمستهلكة محلية تبقى سرية، حرصاً على ألا يعرف الناس بالضبط حجم أموال المبيعات لأهم مورد اقتصادي في البلاد ولا مجالات الإنفاق وآلياتها.
 
أرقام مرعبة
تحدثت الأرقام، التي كشف عنها من قبل خبراء اقتصاد يمنيون، عن أكثر من 3 مليارات و500 مليون دولار تم نهبها من قبل مسؤولي الشرعية والحوثيين من قيمة النفط فقط خلال عامي 2018 و2019، وقيس على ذلك لبقية الأعوام، مع فارق الزيادة في أسعار البيع المحلية التي ارتفعت بنسبة 400 في المائة من قيمة البترول والديزل والغاز، أي بواقع 14 مليار دولار تم نهبها منذ 2018 حتى اليوم.
تشير التقارير الاقتصادية، التي تناولتها وسائل إعلام محلية وعربية عن فساد النفط والغاز في اليمن خلال سنوات الحرب السبع الماضية، إلى أن تلك المبالغ تم توريدها إلى حساب خاص في البنك الأهلي السعودي، يتبع مباشرة الرئاسة اليمنية في الرياض، ويتم توزيعها على أشخاص ومسؤولين معينين بعيدا عن المالية والبنك المركز اليمني.
وضربت مثالا عن حجم موظفي حزب الإصلاح الذين تم إدراجهم في هيكل الرئاسة اليمنية، والمقدر عددهم بـ 300 موظف، غير حجم التوظيف لعناصر الحزب في السفارات والقنصليات والمؤسسات الحكومية خلال تلك الفترة والمستمرة حتى اليوم.
فيما بلغت صفقات فساد الحكومة في قطاعي 5 و4 النفطية مع الشركة المنفذة انتراكس 54000000 مليون دولار، فقط لربط أنبوب بين القطاعين في شبوة، والذي تعرض الأنبوب للانفجار قبل أن يتم الضخ فيه.
وأوضحت المصادر أن المشروع تمثل بمد أنبوب من (القطاع النفطي رقم ٥ إلى قطاع ٤ في شبوة) وكان تحت إشراف وزير النفط، وحين نزلت لجان محلية إلى موقع المشروع تبين أن الأنبوب الذي تم مده كان أنبوب "صرف صحي" وليس أنبوب نفط خام!
 
حجم الإنتاج والمشتري
وكان تقرير أمريكي كشف عن إنتاج اليمن 88000 ألف برميل نفط خام خفيف من المسيلة خلال فبراير 2021، في حين أن متوسط الأشهر الأخرى هو 15000 برميل في اليوم أو أقل، وفقًا لشركة تحليلات البيانات Kpler. وتوقع التقرير زيادة الإنتاج إلى 65000 برميل في اليوم عام 2022.
وأظهرت بيانات كبلر أن الصين هي أكبر مشتر للخام اليمني، حيث تشتري أستراليا وتايلاند وإيطاليا والإمارات من حين لآخر بعض الشحنات.
فيما تعتمد الدولة على واردات المنتجات المكررة من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وروسيا والعراق لاحتياجاتها من البنزين والديزل.
 
فساد الإصلاح النفطي
من أهم مظاهر فساد عناصر حزب الإصلاح في مجال النفط والغاز، ما بات مُشاهَدا بشكل يومي لدى سكان صحراء مأرب؛ حيث تنتشر وسط صحراء مأرب برك سوداء حول أنبوب نفط "صافر"، الذي تكثر فيه الثقوب والفجوات، وتملأ مئات الصهاريج بالنفط الخام يوميا، ثم تختفي في الأسواق الموازية، وتتبخر ملايين الدولارات من موارد الدولة، والفاعل يبقى في خانة المجهول/المعلوم.
يمتد أنبوب نفط صافر مئات الكيلومترات من وسط صحراء اليمن مخترقا الجبال والوديان، وصولا إلى سواحل البحر الأحمر.
في هذا التحقيق، الذي استمر العمل فيه أكثر من 5 أشهر، وثّق معد التحقيق عمليات تخريب ممنهجة لأنبوب النفط الرئيسي في اليمن، الذي ينطلق من منطقة صافر بمحافظة مأرب إلى منطقة رأس عيسى بمحافظة الحديدة، بطول 438 كيلومترا؛ من قبل عصابات تهريب مسلحة تابع لعناصر الإصلاح في جيش الشرعية تهدف إلى استخراج النفط الخام وبيعه إلى جهات متعددة.
يختفي النفط من المحطات الرسمية المعترف بها من قبل وزارة النفط والمعادن، لكنه يظهر بشكل كبير في الأسواق الموازية.
وفي عملية رصد قام بها معد التحقيق، فإن هذه الأسواق الموازية التابع لعناصر الإصلاح والمماثلة لما تقوم بها عناصر الحوثي وهما وجهان لعملة واحدة، تنتشر في عدة مناطق؛ إذ تمتد من داخل مدينة مأرب إلى طريق مأرب-البيضاء، وهي مناطق خاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، ومنها إلى محافظة البيضاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
يقع السوق الآخر في مناطق الوادي وقبائل عبيدة القريبة من منطقة صافر، وهي مناطق خاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية. أما الكميات الكبيرة فيتم تهريبها عبر خزانات متنقلة إلى حضرموت أو مناطق سيطرة الحوثيين في صنعاء عبر صحراء الجوف وطريق البيضاء.
 
تخريب ممنهج
في الأول من يناير 2020، تعرض أنبوب النفط الرئيسي الناقل للنفط في محافظة مأرب (شرقي اليمن) إلى اعتداء تخريبي، عبر إحداث فجوة بلغ متوسط قطرها 30 سنتيمترا، واستخدمت هذه الفجوة لاحقًا في استخراج النفط من قبل عصابات منظمة تمتهن ذلك.
تتولّى عناصر الإخوان تفريغ النفط الخام من الأنبوب، وربط الفجوات بأنابيب بلاستيكية تسحب النفط الخام من داخل الأنبوب إلى برك خاصة بالمهربين، ثم بيعه إلى أشخاص يقومون بنقله إلى محافظة صنعاء، لإعادة تكريره في مصفاة بمنطقة الحتارش على أطراف العاصمة، ومن ثم بيعه.
 
سرقة نفط برعاية رسمية
أكد التقرير، المنشور في وسائل إعلام عربية، أن عناصر الإصلاح المتخصصة بتخريب أنابيب النفط تقوم بعملها تحت إشراف من قيادات عسكرية وأمنية في مأرب تابعة للحزب نفسه؛ حيث كشف التقرير عن مذكرة صادرة عن خلية الاستخبارات في جبهة صرواح، موجهة إلى القيادة العسكرية في مديرية صرواح، تحت عنوان "الخلية التخريبية" لكنها لم تحرك ساكنا، ففيما يبدو هناك تنسيق مسبق بين الجانبين.
 وتظهر بيانات شركة صافر أن ما يتم إنتاجه من القطاع النفطي رقم 18 في مأرب 14 ألفا و484 برميلا، يتم نهب نصفها يوميا، أي 7 آلاف و242 برميلا، وفقا للتقرير، وبقيمة تقدر بـ231 مليون ريال يمني (290 ألف دولار). ووفقا لذلك، يقدر ما يتم نهبه شهريا بنحو 8.7 ملايين دولار (6.96 مليارات ريال)، أي 104 ملايين دولار سنويا (83.5 مليار ريال).
 
فساد وجه العملة الآخر 
وفي صنعاء، أكدت مصادر في شركة النفط هناك أن المليشيات اختلست أكثر من 27 مليار ريال خلال عام واحد، من فوارق بيع المشتقات النفطية والغاز المنزلي، بعيدا عن الشركة، بناءً على تعليمات من قيادات حوثية نافذة.
وفي مظاهر أخرى للعبث الحوثي، فرضت المليشيا قرابة 800 من عناصرها بشركة النفط، وألزمت الشركة بدفع 25 مليون دولار غرامة نيابة عن التجار، مقابل تكاليف وخسائر توقف سفن، وشرائها سيارات وأثاث منزلي بقيمة 230 مليون دولار من أموال شركة النفط بمناطق سيطرتها، ودفعت مليوناً و400 ألف دولار لـ"كاك بنك" مقابل عمولات تحويل مصرف.
 
حسن الصعدي 
المتحكم الرئيس في السوق السوداء، استطاع  جمع حصيلة إيرادات شهرية تقدر بحوالي 50 مليار ريال يمني لخزينة الحوثي. أغلبها يأتي عبر تهريب النفط والاستيلاء على الأموال العامة.
 
تهريب داخلي 
وفي هذا السياق، تؤكد وثائق تم نشرها من قبل مواقع إعلامية يمنية أن العديد من المسؤولين والتجار وقيادات عسكرية في عدن يقومون بعمليات تهريب واسعة للنفط الذي يتم تزويده للمدينة من قبل صفقات الفساد مع العيسي عبر مصافي عدن وشركة النفط، إلى مناطق الحوثيين؛ الأمر الذي يفاقم الأزمة في عدن المحافظات المجاورة لها.
 
أزمة نفط مفتعلة
وتسببت أزمة الوقود الخانقة، التي تعيشها مناطق سيطرة مليشيات الحوثي، في منع اليمنيين من الوصول للخدمات التي تقدمها منظمات الإغاثة، فضلاً عن تسببها في خفض أعداد النازحين لانعدام وسائل النقل، والارتفاع الكبير في أجرة السيارات.
وفيما تواصل المليشيات منع دخول ناقلات النفط القادمة من مناطق سيطرة الشرعية، حتى تتمكن من بيع الوقود في السوق السوداء بأضعاف أسعاره، ذكرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أنّها لاحظت انخفاضاً في تدفّق النازحين داخلياً إلى المراكز المجتمعية، ويرجع ذلك إلى الزيادة في أسعار النقل المرتبطة بنقص الوقود. 
 
أخيراً...
أزمة المشتقات النفطية والغاز المنزلي لا يمكن لأحد حلها منفردا، فالشعب وحده قادر على إزاحة الفاسدين واختيار من يراهم قادرين على إنقاذه من الجوع وتخليصه من براثن الفساد المستفحل.