"الحوثيون والإخوان والشرعية.. ثالوث فساد النفط والغاز المرعب (2-3)
ترتبط أسعار وتوفر السلع الأساسية من "غذاء وماء" في الأسواق المحلية، بشكل أساسي، بالمشتقات النفطية "الوقود"، وبقدرة القطاع المصرفي على توفير النقد الأجنبي، لاستيرادها وإيصالها إلى المستهلك. كما تتأثر بتوفر الطرق الصالحة للنقل، والأمن الداخلي، وتوفير الديزل المدعوم للمزارعين، وغيرها من الأمور اللوجستية. وكلها ذلك تم تدميره وانهار بعد فوضى 2011.
تجار الأزمات
يشير تقرير صادر عن شبكة "أريج" الدولية إلى أن أزمة الوقود في السوق المحليّة، سببها تاجران مرتبطان بالحكومة الشرعية هما أحمد صالح العيسي، وحسين الحثيلي، ملكا شركة "أوف شور" المعروفة باسم (Red Sea Refinery Limited)، وبالشراكة مع رجل أعمال أمريكي مولود في باكستان ومقيم في دبي، يدعى ظفار إكرام شيخ.
ويصف التقرير التاجر العيسي، الذي عُيّن نائباً لمدير مكتب رئيس الجمهورية للشؤون الاقتصاديّة بداية العام 2020، بـ"التمساح"، ونقلت تقارير إعلامية عن رئيس الحكومة اليمنيّة الحالية وصفه بـ"الفاسد".
بداياته كان مشرفاً على محطة وقود تعود لوالده في الحديدة، لكنه اليوم المحتكر الوحيد والمتحكم في الوقود الذي يصل إلى ميناء عدن، وفقا لصحيفة لوموند الفرنسيّة، وهو ما لم يكن لولا علاقته بالرئيس هادي التي بدأت في تسعينيات القرن الماضي عندما كان هادي وزيراً للدفاع، بحكم انهما الاثنان ينتميان إلى محافظة أبين. تلك العلاقة أسست للعيسي اليوم أكبر أسطول لرجل أعمال يمني في مجال نقل الوقود.
وكشف تقرير "أريج" عن وثائق حصل عليها "الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين" (ICIJ logo)، ضمن مشروع أطلق عليه اسم "أوراق باندورا"، تضمّ ملايين الوثائق من مكاتب محاماة، حول الملاذات الضريبية لأكثر من 130 مليارديراً حول العالم، بينهم 30 من قادة العالم، ومشاهير رياضة وفن، من بينهم العيسي.
الوثائق تشير إلى أن العيسي أسس شركة "أوف شور" مع الحثيلي وشيخ في جزر العذراء البريطانيّة في السابع من أيار/ مايو 2014. كان الغرض الأساسي منها هو الاستثمار والمشاركة في الشركات وفتح حساب بنكيّ.
شراكته مع الحثيلي، سهلت أعماله في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، في مجال النفط الذي مازال مستمرا إلى الآن مع قيادات حوثية بارزة، رغم تحذيرات ورسائل شركة النفط اليمنية للحكومة من تلك العلاقة؛ حيث يسيطر العيسي على منطقة رأس عيسى في الحديدة ويديرها إلى جانب سيطرته على ميناء عدن.
يمتلك العيسي شركة نفطية باسم "رأس عيسى" تقوم بتخزين وتجارة المشتقات النفطيّة في ميناء رأس عيسى بالحديدة لمدة خمسة وعشرين عاماً، تلك الشركة تحتكر عمليات توزيع ونقل المشتقات النفطيّة عن طريق البحر عبر أسطول باخرات العيسي نفسه، وبتصريح رسمي من الحكومة اليمنية التي وقعت معه اتفاقية بهذا الخصوص، تتضمن مخالفات قانونية عديدة، وفقا لنقابة عمال وموظفي شركة النفط اليمنية.
الاتفاقيّة تشمل بنوداً مثل "توريث الحق" لورثة العيسي في استمرار الشراكة عند وفاته، ولا يتمّ فسخ العقد حتى لو أعلن إفلاسه.
يشير تقرير "أريج" إلى مقابلة العيسي المنشورة في مارس 2021، والتي أعلن فيها الحرب على الحكومة اليمنية عقب اتهامه بالفساد. واتهم العيسي رئيس الحكومة الحالي معين عبد الملك بأنه "تاجر وجزء من الفساد".
وأشار العيسي إلى أن رئيس الحكومة "عبد الملك" مرتبط بشركات ومجموعات تجاريّة كبيرة يسهل عملها ويسخر دعم الدولة لهم، وهذه الشركات تدفع ضرائبها للحوثيين.
تبادل التهم بين الرجلين أو أطراف "الشرعية"، عبارة عن تغطية عن فساد الجانبين ونهب ثروات البلاد، وحرمان السكان من حقوقهم من عوائد تجارة النفط والغاز، وتخفيف أسعارها، وتوفيرها.
فساد بدعم رئاسي
يرتبط فساد تجارة النفط والغاز في اليمن، مباشرة، برجل الفساد الأول منذ 25 عاما، نائب الرئيس علي محسن الأحمر، المالك الحقيقي لأسطول نفط يديره حسين الحثيلي، شريك العيسي. دائرة مغلقة على الرئاسة اليمنية، الواقعة تحت سيطرة مربع "الإخوان": النائب علي محسن، ومدير مكتب هادي عبد الله العليمي، ونائبه العيسي، ومجموعة المستشارين من الإخوان (الآنسي واليدومي ونصر طه).
ومن وراء تلك الشلة، هناك جحافل القطعان المنتشرة في مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الرسمية والتابعة لحزب الإصلاح، وفي إدارة ومرافق مؤسسات الدولة المختلفة.
علاقة الهوامير الفاسدة في الإصلاح مع هادي وأولاده، تم الكشف عنها في تقرير لجنة الخبراء المعينة من قبل الأمم المتحدة، والذي أشار إلى أن اللجنة حصلت على فاتورة تبين مبالغ مستحقة الدفع بقيمة تزيد على ثلاثة ملايين دولار أصدرتها شركة مصافي عدن إلى شركة ASA Shipping Company FZCo، وهي شركة تابعة لشركة Overseas Shipping and stevedoring Company التابعة لمجموعة العيسي عن استئجار ناقلة نفط خام إم اسبيرت (M Spirit). وتتساءل اللجنة عن أسباب التأخير الذي أدى إلى فرض غرامة تأخير.
وذكر التقرير أن اللجنة اجتمعت مع العيسي الذي نفى أي تهم أو أي تورط في أي عمليّات فساد في إدارة ميناء عدن، وأنه لا يستفيد من منصبه نائباً لمكتب رئيس الجمهورية للشؤون الاقتصادية، وأن الحكومة مديونة له ولا تستطيع دفع ما عليها من ديون. وهي حقيقة؛ لكنها دليل اتهام تثبت تورط الحكومة والرئاسة من خلال علاقة الديون للعيسي كي يستمر محتكرا لتجارة ونقل النفط والغاز في الموانئ، ولا يمكن تجاوزه مادام والديون غير مدفوعة وفوائدها مستمرة بالتصاعد. وبذلك يضمن، وشلّته في الرئاسة والحكومة والإصلاح، استمرار استحواذهم على قطاع النفط والغاز.
فساد مستشرٍ
لا يقتصر فساد مجموعة الرئاسة اليمنية على مناطق عدن والحديدة وعلاقتهم بالحوثيين، بل وصل إلى مأرب وحضرموت وشبوة، حيث منابع النفط والغاز المحلية. ففي أكتوبر 2019، احتج سكان وعمال نفط في مأرب على إعطاء مؤسسة الحثيلي الحقوق الحصريّة لنقل النفط من مأرب إلى شبوة.
وقام المحتجون بمهاجمة ناقلات نفط مملوكة للحثيلي، مطالبين بتولي عملية نقل النفط لشركات مملوكة لأبناء المنطقة.
تكرر الأمر ذاته في العام 2021 في محافظة حضرموت، عندما اعترض مجموعة من أبناء المحافظة على نقل النفط من أراضيهم من قبل شركة الحثيلي، التابعة لنائب الرئيس علي محسن.
النائب الفاسد أمر وزير النفط في حكومة معين بإيجاد حل لمشكلة حماية نقالات الحثيلي؛ ما دفع الوزير الى توجيه رسالة لمحافظ حضرموت - قائد المنطقة العسكريّة الثانية، يطلب منه توفير حماية ناقلات النفط المملوكة لشركة الحثيلي.
لا يتوقف فساد الإخوان في الشرعية عند هذه النقطة، بل تجاوزها إلى دولة الإمارات العربية الشقيقة، التي يهاجمونها باستمرار في وسائل اعلام الحزب؛ حيث تفيد الوثائق بأن تجارة العيسي تنطلق من جبل علي (منطقة تبعد 30 كم عن وسط مدينة دبي)، بالشراكة مع شريكه في شركة الـ"أوف شور"، ظفار إكرام شيخ.
وثبت ذلك من خلال فاتورة نشرها تقرير لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة، محدد فيها رقم حساب مجموعة العيسي في البنك الإسلامي في دبي، عندما قدم فاتورة للحكومة اليمنيّة بقيمة 3 ملايين دولار؛ الأمر الذي برره العيسي بالقول إن سوق الإمارات أرخص الأسواق النفطية، وهو يقوم بعمليات شراء باسم الشركة المملوكة له.
حرمان حتى الموت
تظل تلك الشلة الحاكمة سببا رئيسا لتفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية في البلاد، والتي بدأت تدخل مراحل الخطر الحقيقي على حياة المواطن، الذي حرم من أبسط حقوقه في الحصول على أبسط الأمور التي تتيح له البقاء على قيد الحياة.
يتواصل حرمان سكان اليمن من استغلال مواردهم الاقتصادية النفطية والغازية والاستفادة من عائدات تصدير الغاز الطبيعي المسال، المتوقف بسبب فوضى الإصلاح والحوثيين والشلة الحاكمة اليوم.
وكشفت وثائق مسربة عن فساد هائل في عائدات الغاز اليمني تمارسه سلطات الإخوان والحوثي على السواء، في ظل تفاقم المعاناة الاقتصادية للشعب اليمني.
وأوضحت الوثائق التي ننشرها عن أرباح بمليارات الريالات للمستفيدين من الفاسدين على حساب معاناة الشعب، فساد يمعن أصحابه في التبجح وممارسة التلاعب بمقدرات وثروات البلد، يتضح حجم أرباح فوارق الصرف و تحويل العملة من مبيعات الغاز للصرافين بما يزيد عن 3 مليارات ريال شهريا.
وخلال أكثر من 6 سنوات، لا أحد يعرف أين تذهب إيرادات المحافظات المحررة، وخاصة الواقعة تحت سيطرة حزب الإصلاح الإخواني، وسط تقارير عن أن الحزب ظل طيلة 6 سنوات يستثمر عائدات النفط والغاز في مأرب لحساب خاص في البنك الأهلي السعودي.
أول سلطة للفساد
تعد سلطة الاخوان في شرعية هادي الحالية، السلطة الوحيدة في العالم التي تمارس فسادا مطلقا ومكشوفا أمام الجميع على مدى سبعة أعوام، دون خوف من أي محاسبة، بعد أن عمدت على تجويع وإفقار الشعب وأوصلته حد الخضوع لأي عمليات فساد، وجرائم أخرى تمارسها بالشراكة مع مليشيات الحوثي.
أزمات النفط والغاز وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية في مناطق الحوثيين والشرعية، لا تحتاج إلى دليل أو وثائق تؤكد أن من يقف وراءها جهة واحدة؛ حيث تظهر بالتزامن في مناطق الشرعية والحوثيين، وتخدم مصالح مجموعة من الأشخاص في الشرعية والحوثيين، وهي أزمات مغلقة يصعب حلها، كما يتوقع من يديرها.
وعلى وقع الهروب من الفشل واستمرار التربح من الوضع الحالي، تعمل تلك الجمعات في الشرعية والحوثيين بالتنسيق على إبقاء أزمات المعيشة المختلفة، كي تشغل الرأي العام بها، وتظل تحصد أرباحها من استغلال تلك الازمات، فضلا عن إدارة الفساد في النفط والغاز والسلع، وتهريب الأسلحة والمخدرات والأدوية وغيرها من المربحات.
تقاسم الثروة بين الإصلاح والحوثيين، بعيدا عن الغالبية العظمى من أبناء الشعب، بات واضحا وجليا، وهو أحد مخرجات ربيع الساحات التخريبي في 2011.
ويرى خبراء في الاقتصاد أن مظاهر الفساد المالي، في عدد من المحافظات المحررة، يستأثر بها عناصر حزب الإصلاح، وهي تدر عليهم موارد هائلة تذهب عبر قنوات مالية تصب في حسابات بنكية معينة.
وفي مناطق الحوثيين تهيمن مجموعة "القناديل" على جميع موارد المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، وتدر عليهم أرباحا بمليارات الدولارات، ولننظر مثلا إلى أن أرباح الحوثي من الغاز فقط نصف مليار دولار سنويا.