"الحوثيون والإخوان والشرعية.. ثالوث فساد النفط والغاز المرعب (1-3)
تشهد اليمن أكبر عملية فساد في تاريخه، تتمثل بتجارة النفط والغاز، التي كانت السبب في انهيار الدولة وضياع المؤسسات الحكومية، والوصول بالاهالي إلى مرحلة الجوع والفقر المدقع والبند السابع.
لا يصدق ما حدث في البلاد عاقل، فبعد خروج المدفعون مسبقا للشوارع والساحات، مطالبين برحيل النظام، بحجج واهية منها زيادة سعر الدبة البترول سعة 20 لترا 500 ريال، لتصبح 2500 بدل الفين ريال، هم انفسهم الذين اوصلوها اليوم إلى 40 الف ريال، مفارقة غريبة، والاغرب منها، ان يستمروا في حكم البلاد، عبر سياسة تقاسم المصالح والتجارة بالمخدمات.
أكبر فساد موجود في اتفاقيات النفط والغاز، وتجارتها من قبل الحكام الجدد، في شمال وجنوب البلاد، وكسبوا من ورائها ما يكفي ان يجعل سكان اليمن يعيشون في رفاه وحياة كريمة.
صراع النفط ... الانهيار
يؤكد العديد من خبراء الاقتصاد، ان تجارة النفط والغاز وفسادها من قبل المسؤولين في الشرعية وعلى راسهم عناصر حزب الإصلاح "اخوان اليمن"، وقيادات الميليشيات الحوثية الإرهابية، تقف وراء ما تعيشه البلاد اليوم من انهيار في المعيشة، وتدهور في أسعار العملة المحلية.
وتحدث الخبراء، بان الشاهد على وقع الاحداث التي جرت بالبلاد، منذ خروج الميليشيات المتحالفة "الحوثيين والاخوان" عن النظام، محتجين على الفساد تارة، وبارتفاع أسعار النفط تارة أخرى، حيث قامت الدنيا ولم تقعد بسبب 500 ريال فارق زيادة على أسعار النفط في 2014، على دبة البترول سعة 20 لترا التي كانت قيمتها حينها 2500، اليوم بلغ سعرها 40 الف في مناطق الحوثي، و21 الف في مناطق الشرعية.
فيما كانت أسعار أسطوانة الغاز المنزلي في العام 2011، بسعر 1200 ريال، واليوم تتأرجح قيمتها بين 14 الف و8 آلاف ريال.
فضيحة صافر
في الآونة الأخيرة، كشفت مصادر عاملة في شركة النفط بمنطقة صافر شرق مدينة مأرب، عن أكبر عملية فساد في قطاع النفط والغاز المحلي تقدر بـ 120 مليار ريال يمني، بطلها القيادي في حزب الإصلاح "سالم محمد كعيتي" ، الذي تم تعينه القائم بأعمال مدير شركة صافر، وقيادات أخرى في حزب الإصلاح.
وأكدت المصادر، ان القيادات المذكورة تورطت في عملية نهب 120 مليار من إيرادات مشروع الوقود المحسن، "السي فايف"، كيف لا وهم الذين يتحكمون بمصير الذهب الأسود "النفط" في البلاد، منذ توليهم زمام الحكم عقب فوضى 2011.
وذكرت المصادر، بان عملية فساد الإصلاح دفع بنقابة العمال في شركة صافر إلى إضراب مفتوح في مشروع "السي فايف"، حتى يتم الكشف عن مصير 120 مليار، الامر الذي ترفضه قيادة الاخوان في صافر.
فشل الحلول
لقد صرف الكثير من الوقت والجهد خلال سنوات العقد الماضي، من قبل المجتمع الدولي والمحيط الإقليمي، في محاولة لعلاج مشاكل اليمن التي أساسها الاقتصاد المرتكز على النفط والغاز، من اجل خفيف مستوى الصدمات المعيشية على الأسر.
لكن كيف تعالج مشكلة " النفط والغاز" ومن يتحكم ويديرها هم انفسهم المسؤولين عن حلها، ويشكلون شبكة معقدة متداخلة من النخب التي تسيطر على قطاع النفط والديزل والغاز.
أسواق .. سوداء
تشكل "تجارة النفط والغاز" من قبل تجار الحروب في ميليشيات الحوثي، وعناصر الاخوان" ومن يدور في فلكهم، مصدرا يدر الكثير من الأرباح ولو على حساب حياة المواطن البسيط، حيث تم افتتاح العديد من الأسواق السوداء لبيع النفط والغاز، رغم انه يأتي وفق عقود شراء رسمية، وبأسعار اقل بثلاثة اضعاف مما يتم بيعه في تلك الأسواق.
ذكرت تقارير صحفية، انه عقب دعوة الحكومة التابعة لهادي، شركات النفط إلى استئناف الإنتاج والتنقيب في البلاد في يوليو2019، بدات حيتان تجارة النفط والغاز في صفوف الشرعية، عقد اجتماعات متعددة مع شركات نفط اجنبية في عواصم عدة، ومع ذلك، فإن الفساد المستشري يحول الفرص الاستثمارية للأمة إلى "فرصة نهب" لصالح حفنة من النخب المفترسة، التي تبيع كتل النفط والعقود لمن يدفع العمولة الأكثر لهم، بدلاً من الشركة التي ستدر المزيد من الدخل لصالح الشعب.
من يدير فساد النفط والغاز؟
يمثل الفساد مشكلة خطيرة في كل فرع مناحي وفروع مؤسسات قطاع النفط والغاز، باعتباره القطاع الذي يساهم في أكبر قدر من الدخل للدولة، هو الأكثر فسادًا، حيث يستفيد المسؤولون الحكوميون من الترتيبات الداخلية والاختلاس والرشوة، تحت عناوين مختلفة.
هناك هرم من الفاسدين يمارسون اسوء عمليات فساد، ابتداء من أولاد الرئيس هادي ومدير مكتبه ونائبه احمد العيسي، مرورا برئيس الحكومة ووزير النفط ونوابه المدير العام لشركة اليمن للاستثمارات النفطية والمعادن، ونائبه للشؤون الفنية، ونائب المدير العام للشؤون المالية والإدارية، ومدير شركة صافر، ومسؤولي الحقول النفطية اليمنيين.
وتشير مصادر مقربة من تلك العاصبة الحاكمة، من داخل وزارة النفط،، إلى ان عمليات بيع موارد الشعب تحقق مكاسب مالية شخصية وتحرم المواطنين الاستفادة من موارد النفط والغاز بشكل تام، موضحين أنهم يبرمون صفقات النفط والغاز بشكل خاص مع شركاء أجانب راغبين، مما يعرقل الاقتصاد الوطني في الخلف دون أدنى خوف أو نية للنهوض بالاقتصاد الوطني في هذه العملية.
المصادر تؤكد انه يتم بيع نفط من القطاع الرابع في شبوة (او ام في) منذ مارس 2018، كما يتم بيع نفط صافر في مأرب منذ منتصف أكتوبر 2019، بواقع 80،000 برميل يوميًا ، الأمر الذي يوفر دخل تقدر بمئات الملايين من الدولارات ستذهب فقط إلى المجموعة المذكورة من المسؤولين دون غيرهم.
وأوضحت المصادر، إن بقية القطاعات النفطية مثل القطاع 5 مملوك لشركة (يونايتد انرجي جروب ليميتد) الصينية، التي اشترتها من (كويت للطاقة) في السابق، يتم منح العقود فيه للصينيين، بما في ذلك معدات التنقيب عن النفط وإنتاجه، وفي بلوك اس 1، المستحوذ عليه من شركة (بيت سيس إنرجي) يتم التحكم فيها من قبل مسؤولي وزارة النفط والمعادن، والمدير العام لـ شركة اليمن للاستثمارات النفطية.
اللاعبون الجدد
أدى الصراع إلى جعل موارد الدولة –النفط والغاز تحديداً- بيد أطراف فوضى "2011" الفاسدة أصلا، ومن أبرزها ميليشيات الحوثي الارهابية، وميليشيات حزب الإصلاح ( الاخوان المسلمين)، والذين باتوا اليوم يديرون تجارة النفط والغاز المستوردة من الخارج، بعد ان أصبح قطاع النفط والغاز المحلي بيد شلة الفساد العليا.
هذا التقاسم في تجارة المشتقات النفطية أتاح فرصة كبيرة لدرّ الأموال بالنسبة للاعبين المكرّسين وأولئك المتطلعين إلى الاستفادة من احتياجات البلاد من الوقود. وأصبحت واردات الوقود أكثر قطاعات الطاقة ربحية خلال سنوات الحرب.
هيمنة العيسي
تقول تقارير اقتصادية واعلامية، ان رجل هادي - أحمد العيسي هو اللاعب المهيمن على تجارة النفط والغاز بجميع اشكالها في عدن، ساعده في ذلك ملكيته لشركة النقل البحري الأكبر في اليمن، (مجموعة العيسي).
وتشير التقارير إلى انه يتم تقدم عمليات المناقصات المشبوهة بشكل أساسي للعيسي بعقود الإمداد لتوريد الوقود إلى عدن: عقد واحد عرضه المؤلف يحتوي على شروط تتضمن مهلة تسليم ضيقة لا يستطيع أي مقدم طلب آخر الإيفاء بها، حيث تحتفظ مجموعة العيسي باحتكار شركة مصفاة عدن (ARC)، وهي الكيان الوحيد المخول باستيراد الوقود إلى عدن، ولدى العيسي احتكار لواردات الوقود وأساساً، التوزيع.
على الرغم من أن هادي في مارس 2018 قام "بتحرير"، واردات الوقود بشكل رمزي في المناطق الخاضعة للسيطرة الأسمية للحكومة، لم تحدث حتى الآن تغييرات واضحة لاحتكارات العيسي في عدن وكان الناشط السياسي، هاني مسهور، كشف في تغريدة له على موقع “تويتر” ، في 6 ديسمبر 2019، عن وثائق تظهر فساد شركات مجموعة أحمد العيسي التي هيمن عبرها على استيراد المشتقات النفطية مستغلا نفوذه في مكتب الرئاسة هادي ودعم نجليه. وأضاف مسهور تظهر الوثائق المسربة تهرب شركة نائب مدير مكتب “رئاسة هادي” للشؤون الاقتصادية احمد العيسي عن سداد مليارات الريالات مستحقة لبنك عدن المركزي رسوما ضريبية وجمركية عن شحنات المشتقات النفطية التي تحتكر استيرادها إلى المحافظات الجنوبية. واستعرض مسهور وثائق بمبالغ مديونية التعاملات مع الشركة المملوكة للعيسي، قائلا: ”تطالب وزارة المالية بتسديد مديونية الحكومة الشرعية والبالغة 107 ملايين دولار أمريكي حتى تاريخ 29 نوفمبر 2019”. وكشف مسهور استثمارات هادي والعيسي في نقل النفط واستيراده، شركات خدمات نفطية تتمتع بامتيازات في عدد من الحقول النفطية في جنوب اليمن، وشركة “بلقيس للطيران الجوي”، وغيرها من الاستثمارات التجارية لهادي ونجليه ناصر وجلال، تندرج خلف الواجهة التجارية نفسها “مجموعة شركات العيسي”. وكانت لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة، ذكرت في تقريرها الصادر منتصف فبراير 2019، بأن احمد العيسي يمارس فسادا كبيرا، ويحتكر استيراد النفط بتواطؤ من مكتب “هادي” كما يقوم بالتحكم باسعار المشتقات النفطية. وقال تقرير لجنة العقوبات الأممية أن المتنفذ العيسي يستغل علاقته بالرئيس بهادي واولاده للقيام بعمليات فساد ونهب المال العام واحتكار استيراد النفط وكثير من الاساسيات المستوردة، بالإضافة لقيامه بالسيطرة على مقاولات يتم عبرها نهب المال العام بالشراكة مع نافذين في حكومة “الشرعية”. وطالب تقرير لجنة الخبراء من مجلس الأمن الدولي إدراج العيسي على قائمة الأشخاص المشمولين بالعقوبات، نظراً لما يتسبب به من فساد يضر بالأمن والاستقرار في اليمن.
هيمنة فتيلة
أما في المناطق التي يسيطر عليها الميليشيات الحوثية، يعتبر القيادي في الجماعة والناطق باسمها ورئيس وفدها المفاوض، محمد عبد السلام فتيلة، على رأس قائمة تجار النفط والغاز والمتحكم بها، لكنه يدر مبالغ مالية ضخمة من تجارة السوق السوداء ومحطاته التي انتشرت بشكل كبير في مناطق الحوثيين مؤخرا، على قيادات بارزة في الجماعة بدرجة متساوية، الأمر الذي جعله متفردا بتلك التجارة القاتلة.
تجري عمليات فساد النفط والغاز في مناطق الحوثيين، عبر مستوردو غير معروفين، ويقوم هؤلاء التجار التابعين للحوثيين بالتحكم الفعال في استيراد الوقود عبر ميناء الحديدة ومبيعات سوق الوقود المحلي في مناطقهم.
وتشير بعض التقارير أنهم يستوردون وقوداً ديزل إيراني منخفض الجودة من أجل بيعه في السوق المحلي مقابل ربح كبير، بعد تدمير شاحنات نقل الوقود ومحطات الوقود، للتجار غير الحوثيين.
هيمنة جلال
ومن المفارقة العجيبة، وجود تنسيق بين الحوثيين ونجل الرئيس هادي "جلال" بالنسبة لتجارة النفط والغاز عبر ميناء الحديدة، حيث فرض الحصار على الموانئ التي يسيطر عليها الحوثيون شرطا، توقيع هادي حتى يتم السماح لسفن النفط وغيرها من الدخول الى الميناء، والتي بات جلال يديرها حتى لا يشكل خطرا ويسلط الضوء على ابيه باعتباره لا يشغل أي منصب حكومي.
وتذكر مصادر مقربة من الرئاسة اليمنية، فقد أصبح جلال طرف الاتصال والدفع من أجل الحصول على تصاريح استيراد الوقود والمواد والسلع الأخرى عبر ميناء الحديدة، ما دفع رجال أعمال تابعين للحوثيين، لاقامة علاقة عمل جيدة مع جلال نتيجة الحصول على تصاريح استيراد الوقود للحديدة عبره. وقد حصلوا على هذه التصاريح من خلال وسطاء قاموا برعاية صفقات في صنعاء تم توقيعها في الرياض.
منشأة نفط فاسدة
الفساد يضطلع بدور مميت، تمامًا كما تفعل الحرب، حيث يدفع بالسكان نحو الفقر والجوع.
وتشكل شركة النفط والغاز الحكومية إلى جانب مصافي عدن وشركة صافر أهم بؤر الفساد في قطاع النفط والغاز، وفقا لتقارير دولية، حيث ذكر موقع "ويكيليكس" أن وزارة النفط تمنع أي الاطلاع على بيانات النفط عن أي جهة ، بهدف التستر على الأنشطة غير القانونية التي تمارسها الحكومة لعل من أبرزها البيع السري للنفط والغاز، للخارج، فضلا عن صفقات مناقصات النفط والغاز القادمة للسوق المحلي.
لكن شركة صافر الواقعة تحت سيطرة ميليشيات الإصلاح في مأرب، تعد احدى بؤر الفساد ، حيث تقوم الوحدات الأمنية المسؤولة عن حماية حقول النفط في مأرب التابعة للإصلاح بسرقة ونهب النفط.
المصادر .. قناة الجزيرة - الكاتب والناشط السياسي، الإماراتي هاني مسهور- المقاومة الجنوبية-صحيفة لوموند الفرنسيّة