Image

اين ذهبت ملفات الاغتصاب بتعز؟!

الأزمة الإنسانية التى خلقتها الحرب انعكست بشكل مباشر على الأطفال الذين فقدوا أبسط مقومات الحياة وأضحوا لقمة سائغة للذئاب البشرية، وتمددها في الريف والمدينة مع غياب التشريعات وتنفيذ العقوبات،
وأدت إلى تفشي ظاهرة الاغتصاب في قطاع مدينة تعز الخاضعة لسيطرة شرعية هادئ بشكل مفرط، خلال السنوات الماضية، وتتوسع باستمرار في الريف والمدينة، وأصبحت تشكل خطرا على مستوى المجتمع المحلي والعربي وقلقا دوليا.
لكن ما يعيشه قطاع المدينة يعد امرا اعتياديا بالنسبة لسلطة الأمر الواقع،
مع استمرار  قوات الأمن ووحدات في الجيش الخاضع لسيطرة الاصلاح بحماية مرتكبي جرائم الاغتصابات وفقا لتقارير دولية.
 
دوافع جرائم الاغتصاب
 
ما أنتجته الحرب المستمرة هو خلق البيئية الخصبة لمختلف الجرائم، وغياب الدولة وظهور باهت وشبه مختف للقانون، إضافة إلى الوضع الاجتماعي والاقتصادي وانتشار الممنوعات.
 
أم (م. ش) تقول للمنتصف إنه لا يمكن أن تترك طفلها البالغ من العمر 13 عاما الذهاب إلى المدرسة أو السوبر ماركت منفردا في الحي الذي تسكن فيه بمنطقة الروضة، خصوصا مع غياب دور الأجهزة الأمنية التى باتت تشكل قلقا على السكنية، بدل أن تكون مأمنا للخائفين. 
وتضيف: الجميع هنا يقولون إن مغتصبي الاطفال ينتمون للجيش والأمن.
من جانبه، يقول مدير قسم شرطة المدينة عاصم عقلان إن الأسباب قد تكون اجتماعية وأكثر الأسباب أسرية، مثل الخلافات بين الوالدين، والتي ينتج عنها افتراقهما فيبقى الطفل بدون رعاية واهتمام من والديه. 
ويؤكد عقلان: معظم الأطفال الذين تعرضوا للاغتصاب أو للتحرش كانوا من الأطفال الواقعين ضحية للخلافات الأسرية والتي نتج عنها افتراق ابويه أو طلاقهما. 
ومن الأسباب المهمة والأكثر تأثيرا الفقر والوضع المادي السيء؛ حيث يعجز الأبوان عن توفير احتياجات الطفل الأساسية مع وجود شخص لديه المال، فيبدأ باستقطاب الطفل وإغرائه بإعطائه النقود وكل ما يحتاجه حتى يقع ضحية لهذا الشخص المستغل له. 
ومن الأسباب الخطيرة، انتشار  المخدرات والحشيش في أوساط الشباب والأطفال، في ظل غياب دور السلطة في مكافحتها ودور الأسرة في متابعة الطفل والشاب، حتى يدمن الطفل أو الشاب على تعاطيها ويتم مقايضته بالاغتصاب مقابل إعطائه لجرعته اليوميه الأساسية.
 
جرائم موثقة 
 
في العام 2019، أصدرت محكمة العفو الدولية تقريرا حول اغتصابات الاطفال بمدينة تعز.
وقال التقرير: "يجب على سلطات تعز معالجة حالات اغتصاب الأطفال والاعتداء عليهم في ظل حكم المليشيات”؛ حيث وثقت 8 حالة اغتصاب وحالة اعتداء جنسي "تحرش".
وفي العام 2020، تعرض ثلاثة أطفال للاغتصاب، كما تعرضت طفلة بريف تعز الغربي لاغتصاب جماعي وما يزال الجناة خارج السجن رغم ثبوت الجريمة. 
 
عائشة صالح (اسم مستعار) تقول للمنتصف إن غياب العدالة في مدينة تعز شجعت المجرمين على ارتكاب الجرائم، مشيرة إلى تعرض طفلها، ر. م. ص. للاغتصاب من قبل مسلح في حي الروضة وسط المدينة. ورغم وجود الشهود على الجريمة عملت سلطة الأمر الواقع على تمييع القضية.
وتضيف: أكثر من أسبوعين ظللت أبحث عن العدالة بين إدارة البحث الجنائي والنيابة والمستشفيات، دون فائدة. حتى الطبيب الشرعي رفض اعطائي التقرير الطبي وقال لي إن العار سيلاحق الطفل ان أصدر تقريرا بتعرضه للاغتصاب".
حيث هناك عدم جرأة لدى الكثيرين نتيجة ضغوطات نافذين وتهديدات تتعرض لها السلطة القضائية والصحية بالمدينة مع غياب شبه تام للأجهزة الامنية، إضافة إلى ذلك يمارس بعض وحدات الجيش سياج حماية للمتهمين مما يجعلهم شركاء في الجريمة. 
تقول أم (م. ش) أنه يوجد الكثير من حالات الاغتصابات والتحرشات التى تعرض لها الأطفال في مدينة تعز، لكن الخوف من العصابات المسلحة وغياب دور السلطة جعلتهم يلتزمون الصمت والسكوت عن حقوقهم بالدفاع عن أطفالهم، 
وتضيف بكل يأس: "الاغتصابات والتحرشات تجاوزت كل الحدود: في المدارس، الشوارع، حتى في الجوامع، يستدرجون الأطفال بكل الوسائل ثم يمارسون جرمهم القبيح، وأحياناً يكون اغتصابا جماعيا وهناك أطفال فارقوا الحياة"؛ وهو ما تعرض له طفلها.
وتضيف بصوت باكٍ: "لمن نشتكي؟ السلطة لم تنتصر لمظلوم، تعرض طفلهي ( ص.س.ع. 12 عاما) للاغتصاب في أحد حمامات المسجد تم استدراجه، مستغلين ظروف الاسرة الاقتصادية، لجأت إلى كل السلطات وأبلغت الأجهزة الأمنية، طالبت بعون مجتمعي لكن الجميع خذلوا قضية الأطفال لأسباب أمنية واجتماعية". 
 
 
إحصائيات 
 
 
وفقا لإحصائيات دولية رصدت خلال ستة اعوام، فإنه تم الابلاغ أكثر من 10000 حالة اغتصاب في اليمن.
 ووفقا لمصدر خاص، فإن الاجهزة الامنية بمدينة تعز تلقت أكثر من (31) بلاغا عن حدوث اغتصابات وتحرشات. يقول مسؤول أمني إن الجهات الأمنية رفعت ما ثبت إلى السلطة القضائية، 
مع الاكتفاء بتدوين الجرائم في ملفات الأرشيف لأسباب مختلفة، أبرزها وقوف نافذين خلف مرتكبي جرائم الاغتصابات وحمايتهم من قبل وحدات عسكرية. 
ووفقا لمنظمة العفو الدولية، فإن الذين لا يسنون العقوبات يعتبرون مشاركين في الجريمة.
 
 شهود عيان
 
المقدم عاصم عقلان، مدير قسم شرطة المدينة، ومن خلال عمله في أقسام مختلفة، يؤكد أن الاغتصابات التى حدثت وتحدث يمارسها شباب مدنيون، ومن لم يتم ضبطه قد يلجأ إلى وحدات عسكرية لحمايته، معتبرا الوحدة العسكرية بالجيش والأمن مشاركة في الجريمة.
يضيف: أما عن الاغتصابات التى مارسها أفراد ينتمون للجيش والأمن فتم ضبطهم وتحويل قضاياهم إلى النيابة، وهنا تنتهي دور الاجهزة الامنية بعد رفعها إلى الجهات المختصة، وعلى المجتمع الضغط على القضاء لمعرفة مجريات القضية ومناصرة القضايا العادلة.
 
 
توسع ظاهرة الاغتصاب 
 
بدوره، يؤكد المحامي أكرم حميد أن تجاهل سلطة الإصلاح الأمنية والقضائية لقانون العقوبات التى تصل إلى حد الإعدام يساعد المجرمين بشكل أو بآخر على ارتكاب جرائم الاغتصابات.
إضافة إلى ذلك توجد حماية عسكرية وأمنية على مرتكبي الجرائم ونفوذ قوي ساعدهم في مخالفة القانون والسيطرة الفعلية على مجريات القضاء، وأحيانا التهديد للمحامين والقضاء أسوة بما تعرضت له المحامية نبيلة الجبوبي محامية الطفلة رسائل التى تعرضت للاغتصاب بمنطقة النشمة.
ويشير إلى أن الانفلات الأمني ساعد الكثير في انتشار الجرائم المختلفة، ومنها ظاهرة تفشي عمليات الاغتصاب وانتشار المخدرات والحشيش بشكل مفرط؛ كونها أحد دوافع جرائم الاغتصاب. 
من جهة أخرى، أثار غياب العدالة ونفوذ المليشيات الحاكمة للمدينة مخاوف الأسر التى تعرض أطفالها للتحرش والاغتصاب وعدم إقدامهم على تقديم بلاغات وشكاوى قد تعرضهم للخطر أسوة بما تعرض له رياض الزهراوي سابقا.