Image
  • Image
  • 01:36 2022/01/29

الاف النازحين يعيشون ظروف قاسية

قول عافية، وهي واحدة من آلاف النازحين الّذين لجأوا إلى محافظة مأرب، "لا نملك بطانيات لنغطي أنفسنا. ولا يتوفر لأولادي ملابس تبعث الدفء. كما أنني لا أستطيع أن أزوّدهم بما يكفي من الطعام. ولا أملك منزلًا شُيّد بالحجارة والقرميد، بل أقيم في خيمة لا ترد عنا الرياح في ليالي الشتاء الباردة. ورغم ذلك لا أتذمر، فالشكوى لغير الله مذلة".

وما المشهد في مأرب إلا عينة عن ظروف قاسية يعيشها ملايين اليمنيين الّذين يعانون بسبب نزاع دخل عامه السابع. فيعيش آلاف اليمنيين الّذين وصلوا إلى مأرب من جميع أنحاء اليمن بحثًا عن الأمان في حوالي 150 من التجمعات المنظمة أو غير المنظمة. كما تأوي منازل السكان في المنطقة عددًا من النازحين يفوق عدد قاطني التجمعات.

ومع توسع نطاق النزاع، نزح يمنيون من جميع أنحاء البلاد إلى محافظة مأرب التي كانت تُعتبر أكثر المناطق أمانًا في البلد. علاوة على ذلك، يتوجه الناس إلى مأرب بسبب ما شهدته من تطور في البنى التحتية وازدياد في الفرص الاقتصادية خلال الأعوام الأخيرة. ولكن نظرًا لاحتدام النزاع، أفاد الكثير من النازحين بأن الوضع في مأرب قد تغيّر بشكل كبير.  

تشهد محافظة مأرب اشتدادًا في حدة النزاع، إذ تتقاتل الأطراف المتنازعة لبسط سيطرتها على هذه المنطقة التي تتميز بأهمية جغرافية وثقل عسكري وتُعتبر مصدرًا مهمًا للنفط والغاز. وباتت المدينة تأوي ما يزيد عن ثلاثة ملايين شخص بعدما كان عدد سكانها لا يتجاوز نصف مليون شخص بحسب تقديرات السلطات المحلية. ولم تعد توفر مأرب للعديد من سكانها إلا حياةً في ظروف غير مستقرة. وعليه، يعتمد معظم النازحين على المساعدات الإنسانية بشكل كامل، علمًا أنهم لا يتمكنون من الحصول عليها في أحيانٍ كثيرة.

وعبدو سابت هو أحد النازحين الكثر الّذين ينتظرون وصول المساعدات الإنسانية. فلا يجد عبدو وسيلة يكسب بها رزقه ليعيل 31 شخصًا من عائلته وأقربائه، علمًا أنهم يتشاركون خيمتين صغيرتين في مخيم الخسيف في مأرب.   

ويقول عبدو الّذي تعود أصوله إلى تعز واضطر إلى النزوح مرتين، "لا نتناول إلا الخبز والشاي كل اليوم. لقد مضى شهر منذ أن تناولت أو عائلتي وجبة طعام. نحتاج إلى أي مساعدة تُعرض علينا". 

هذا ولا يُعد الحصول على وجبة طعام مشكلة النازحين الوحيدة، إذ يعيش معظمهم في مخيمات حول المدينة ويفتقرون إلى الضروريات الأساسية كمواد الإيواء، والبطانيات، والمياه النظيفة، والمراحيض. والجدير ذكره أن معظم الملاجئ الموقتة شُيدت باستعمال الشجيرات وأغصان الأشجار الملتقطة من الصحراء وأغطية بلاستيكية ومواد خفيفة أخرى جُمِعَت من حاويات النفايات. علاوة على ذلك، لا تتوفر مياه الشرب النظيفة أو تتوفر بكميات محدودة جدًا. وفي هذه البيئة الرملية المليئة بالغبار، يعيش معظم الناس من دون مراحيض أو أماكن للاستحمام.

ويحل الشتاء قاسيًا على صحراء مأرب، إذ يأتي برياح باردة وقوية وتنخفض درجات الحرارة خلاله إلى دون العشر درجات مئوية. وبلا أفرشة أو بطانيات، يكافح الكثير من الأشخاص ليشعروا بالدفء. هذا ولجأ البعض إلى تشييد جدران باستخدام أكياس الرمل في محاولة لرد البرد عن منازلهم. وفي هذا السياق، تفرض الظروف المعيشية غير المستقرة وغير الصحية المقترنة بنقص المياه النظيفة مخاطر صحية هائلة.

مساعدات غير كافية للاستجابة إلى الاحتياجات

تعمل فرق أطباء بلا حدود على توفير الخدمات الطبية الأساسية عبر تشغيل ثماني عيادات متنقلة ومركز للرعاية الصحية الأولية. وتستقبل العيادات والمركز عددًا هائلًا من المرضى الّذين يعانون من الأمراض بسبب تردي وضع الصرف الصحي والظروف المعيشية الصعبة، والجدير ذكره أن معظم الأشخاص الّذين نستقبلهم هم من الأطفال. وخلال الفترة الممتدة بين أكتوبر/تشرين الأول وديسمبر/كانون الأول 2021، ارتفع عدد المرضى الّذين استقبلتهم الفرق بنسبة 44 في المئة بالمقارنة مع الأشهر الثلاثة التي سبقت هذه الفترة، ويشكل الأطفال 66 في المئة من هؤلاء المرضى. هذا وارتفعت حالات الإصابة بسوء التغذية بنسبة 11 في المئة.

ويقول المنسق الطبي في أطباء بلا حدود محمد شعيب، "يمكن أن تؤدي الأزمة الإنسانية في مأرب إلى أزمة صحية، لا سيما مع الخطر الّذي بدأت تنذر به تداعيات الظروف المعيشية للسكان على صحتهم النفسية والجسدية. وفي هذا السياق، يرتفع خطر تفشي أمراض كالحصبة والكوليرا وكوفيد-19. وعليه، يجب على المنظمات الصحية والإنسانية أن تستجيب بصورة استباقية في سبيل تجنب الوصول إلى أي وضع صحي كارثي. ولا بد من أن تزيد المنظمات في مأرب أنشتطها المرتبطة بتقديم الطعام، وخدمات المياه والصرف الصحي، والمأوى والرعاية الصحية".

وفي العام 2021، تعرضت مأرب لعددٍ من الهجمات العنيفة التي سقط إثرها عدد كبير من الضحايا وأدّت إلى موجات من النزوح. وبحسب تقديرات منظمة الهجرة العالمية، نزح أكثر من 78,000 شخص داخل محافظة مأرب في العام السابق، من بينهم 60,000 شخص غادروا منازلهم في سبتمبر/أيلول. ويستمر القتال الكثيف في ضواحي المدينة، ما يجبر عددًا إضافيًا من الأشخاص على مغادرة منازلهم ويهدد الوافدين الّذين لجأوا إلى المنطقة بحثًا عن الأمان".

ويقول عبدو الّذي وجدت عائلته ملجأً لها على بعد بضع كيلومترات من الحدود، "يتملكنا الخوف ليل نهار. عادةً ما يتوقف القتال لمدة ساعة تقريبًا لكن سرعان ما نبدأ بسماع الأصوات من جديد. لا أقلق على نفسي، بل على أطفالي وعائلتي. وفي حال شعرنا أن التفجيرات تقترب منا، نحمل ما توفر لنا من المياه ونلوذ بالفرار. لا نعرف وجهتنا، إلا أننا نفر في جميع الأحوال".

 

النزاع يزيد من معاناة المتضررين

يؤدي النزاع إلى تضرر المجموعات المهمشة في البلد على رأسها المهاجرين الإفريقيين ومجموعة "المهمشين" التي تُشكل أقلية إثنية وغالبًا ما تواجه التمييز وتعيش في فقر مدقع. وحتى عندما تتغير خطوط المواجهة واضعةً حياة هذه الفئات على المحك، غالبًا ما يفتقر هؤلاء الناس إلى القدرة على التنقل بأمان أو إلى الموارد التي تتيح لهم ذلك.

إن توافد المزيد من النازحين إلى المنطقة يضع مأرب تحت ضغط كبير، لا سيما في إطار الاستجابة لاحتياجات السكان من طعام ومأوى ومياه ومرافق صرف صحي وغيرها من الضروريات. فالمساعدة الإنسانية المتاحة لا تكفي لتلبية احتياجات السكان وقد شهد الكثير من النازحين على تقلص المساعدة التي يتلقونها أو اضطروا إلى مشاركتها مع أشخاص آخرين هم في أمس الحاجة لها.

وتقول أركاني، وهي إحدى المهاجرين الأثيوبيين الّذين علقوا في اليمن في محاولتهم لعبور الحدود إلى المملكة العربية السعودية، "تقطن في خيمتنا 40 امرأة. إننا بحاجة إلى الطعام والشراب والملبس. لا نملك ملابس تدفئنا أو بطانيات وأغطية تساعدنا على تحمّل البرد القارس. لقد بات عددنا كبير جدًا والطعام لا يكفي للجميع".

كذلك أدى النزاع وتداعياته إلى زيادة معاناة مجموعة "المهمشين" الّذين انتقل أغلبهم إلى مأرب من محافظات أخرى بحثًا عن ملاذٍ آمن يحميهم من النزاع وعن الفرص عمل.

ويقول أحمد، وهو ينتمي إلى مجموعة "المهمشين"، "نحتاج إلى الطعام والشراب والمأوى – هذا كل ما نحتاجه، لا نريد أن نشتري بيتًا كبيرًا أو نتملّك أرضًا. كل ما نحتاجه هو الطعام والمأوى والبطانيات للشتاء".

وتقول رئيسة بعثة أطباء بلا حدود، إليزابيث بيجتيلار، "تقاسي مأرب أزمةً طارئة، فقد أدت موجات النزوح المتكررة التي مر بها السكان وعاشوها من دون توفر الضروريات الأساسية إلى تضرر الأشخاص بشكل كبير، لا سيما الفئات المعرضة للخطر منهم، كالنازحين والمهاجرين و"المهمشين". لم تكن منظمات الإغاثة مستعدة لهذا الحجم من النزوح. والأمر سيان بالنسبة إلى السلطات، إذ واجهت تحديات كثيرة للتعامل مع وصول الأعداد الهائلة من النازحين. لا يبدو أن النزاع في مأرب يشرف على النهاية. وفي هذا الصدد، نخشى وصول عدد إضافي من النازحين وارتفاع الاحتياجات نتيجة لذلك. وبصفتنا جهة إنسانية، علينا أن نتخذ الإجراءات المناسبة ونستجيب للاحتياجات الحالية، مع التخطيط والتحضير لزيادة محتملة في معدل الاحتياجات في المستقبل القريب".

وتضيف، "تُعتبر مدينة مأرب خير مثال على ما يمرّ به اليمنيون. وبينما تملأ السلطات صفحات الجرائد الأولى بأخبار الأحداث الأمنية وما يحصل على خطوط المواجهة، علينا ألا ننسى أن البلد برمته يعاني من تداعيات حرب طال أمدها".
نقلا كريتر سكاي