إنه عبدالباري طاهر!

09:07 2020/11/05

هل نخمن أن الذي هدد أستاذنا وصديقنا بالقتل، لا يعرف من هدد؟! لقد هدد من هيأته قدراته العقلية والنفسية والإبداعية، وخبراته العملية، وقلمه ودفاعه عن الحريات العامة والسياسية وحرية التفكير والكرامة الآدمية، ليكون فوق كل الناس، فأبى إلا أن يكون واحداً منهم، لا يفوقهم سوى بزهده وتواضعه والقناعة، وفي المشي على الرصيف بنعال أرخص من صاحب التهديد، وإن كان النعال أطول من قامته.
 
بالنسبة لنا نكاد نعرف من هدد أستاذنا وصديقنا.. تماماً كما يعرف أستاذنا وصديقنا من هو، وقد كان يعني ما يقول عندما كتب: (أعرف قابيل جيداً، قرأته قبل سبعين عقدا، أما اليوم أيها الق....فانا في خاتمة الفصل الثامن من العمر.. أعرف أحفاد قابيل جيدا، واقرأ الرسائل جيدا، حتى لو جاءت على قدمين، وقدمت في مظاريف البوس والاعجاب).
 
ربما كان القـ.... يعرف أنه يهدد صحافياً أوجعه وأوجع زمرته بجرأته وصراحته وصدقه، فأراد إسكاته.. صحافي وكفى، أو هكذا اعتقد، كما يعتقد كثير من معطلي العقول بسلاح الإرهاب الفكري والتخويف النفسي.. ولو أن الأمر كذلك لقلنا لأستاذنا كما قال جرير: أبشر بطول سلامة يا مربع.. لكن لا، فالأمر جد خطر.. ولا يعذر الجاهل بجهله.. وعلى الق.... أن يدرك، وأن يدرك الذين خلفه، والذين خلفوه، أنه هدد مفكرا، كاتبا، صحفيا، قائدا سياسيا، داعية سلام، ومدافعا عن الحريات وحقوق الإنسان، وبطلا من أبطال المعلومات المائة في العالم.. وقبل ذلك هو فقيه ضليع بالعلوم العربية- الإسلامية الأساسية، فقد درس في الحرم المكي علوم الحديث والتفسير واللغة، كما درس علوم الفقه على المذاهب الأربعة، وأجازه كبار علماء مكة في خمسينيات القرن العشرين، ولعل تعدد مصادره المعرفية هذه هي التي جعلته مهابا أمام أكبر نقاده وخصومه السياسيين، فظلوا يتحاشون أذيته بكلمات، فإذا به يباغت برصاصة إلكترونية من جهلة غشمان.
 
محروم من التربية يعد بقتل تربوي.. جهول يهدد مثقفا موسوعيا.. وأي موسوعة! فقد تشرب استاذنا ثقافة التنوير والاستنارة يوم كان أجداد الق... (يطوسون) في ظلمات الجهل.. فلم يفلت من نهم صديقنا للمعرفة كتاب عربي محترم، أو مؤلف يساري، أو إخواني حتى.. ذاك الق... كهنوتي، وأستاذنا الفقيه المتمكن تقدمي يساري في السياسة، انتمى مبكرا إلى اليسار، وترأس حزب العمل، وكان –وهو التهامي- من مؤسسي الحزب الاشتراكي اليمني في عدن.. أسهم في تأسيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين عام 1974، وفي تأسيس جمعية الصحفيين في صنعاء عام 1976، وانتخب لرئاستها مرتين، وأسهم في تأسيس منظمة الصحفيين الديمقراطيين في عدن، في نفس العام تقريبا.. وقبل ذلك اختاره إبراهيم محمد الحمدي -رئيس الجمهورية في شمال اليمن- رئيسا لهيئة تحرير صحيفة الثورة الرسمية.. زد على ذلك أنه تولى رئاسة هيئة تحرير صحيفة الثوري الناطقة باسم الحزب الاشتراكي اليمني، في العام 1990 ومرة أخرى في العام 1994، وانتخب نقيبا للصحفيين اليمنيين لأكثر من دورة، وقبل ذلك كله -في العام 1979- انتخبه اتحاد الصحفيين العرب أمينا عاما مساعدا للاتحاد، بينما كان مختفيا اختياريا في مكان ما باليمن هربا من الملاحقة السياسية.
 
إني أتحدث عن أستاذنا وصديقنا عبد الباري طاهر الذي هدده غشوم بالقتل في اليوم الأول من هذا الشهر.. وقد تعمدنا هنا إعادة تذكير قيادات الجماعة الحوثية وحكومتها من هو عبد الباري طاهر، ونحملها مسئولية البحث عن مصدر التهديد والوصول إليه وكشف أمره ومعاقبته وفاقا للقانون.. كما نحملها مسئولية حماية حياة طاهر وضمان أمنه الشخصي، وأمن عائلته، فمهما تكن هوية الق... أو الجهة التي ينتمي إليها أو التي دفعته، فلا مسئول أمامنا وكل اليمنيين عن هذه سوى حكام صنعاء، حيث يقيم أستاذنا وصديقنا.. دامت سلامتكم أيها الشاب ابن الثمانين ربيعاً.