تفاصيل 60 دقيقة صعبة لـ"امرأة يمنية" على متن طائرة مصرية
60 دقيقة من الإثارة عاشها الجميع داخل طائرة تابعة لشركة مصر للطيران في رحلة متجهة من القاهرة إلى لندن، بعد شعور راكبة يمنية الجنسية بآلام الوضع، مما استدعى إجراء عملية ولادة، والقيام بهبوط اضطراري في مطار ميونخ الدولي، وفقا لبيان رسمي صادر عن الشركة.
وكانت الأجواء هادئة في الرحلة رقم MS777، حيث خلد بعض الركاب إلى النوم بعد ساعة ونصف من الإقلاع، قبل أن يطلب قائدها عبر المذياع الداخلي مساعدة الأطباء المتواجدين بالطائرة، كما يوضح معتز فتحي، طبيب أطفال وحديثي الولادة بمستشفيات جامعة بريستول بإنجلترا، في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية".
وأضاف فتحي: "أبلغت أحد المضيفين بطبيعة عملي وخلال دقائق طلبوا مني التوجه إلى مؤخرة الطائرة لشعور سيدة بآلام المخاض".
وبعد توجهه إلى المنطقة المشار إليها، فوجئ فتحي بوجود سيدة حامل تعاني من ألم شديد، وبجانبها تقف الجدة وعدد من المضيفات في محاولة لإسعافها.
وتابع قائلا: "علمت من السيدة أنها حامل في الشهر الثامن، وأن رأس الجنين تقع في الأسفل باتجاه الحوض، وهو وضع مثالي للولادة الطبيعية. قمت بالاطمئنان على نبض الجنين، ونصحتها بالنوم على كراسي الطائرة لحين الوصول إلى مطار لندن والتوجه بعدها لأقرب مستشفى".
وبحسب الموقع الرسمي لشركة مصر للطيران، يتوجب على السيدات الحوامل تقديم كافة المعلومات اللازمة في حالة عدم استقرار الحمل والوقت المتوقع للولادة.
كما تشترط الشركة تقديم تقرير طبي عن الوضع الصحي في حالة معاناة الأم من أي مشاكل صحية مصاحبة للحمل أو دخولها في شهر الحمل الأخير أو عدم وجود تاريخ محدد من المتوقع حدوث الولادة به.
وأكد رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة لمصر للطيران، الطيار رشدي زكريا، لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن كثير من السيدات لا تظهر عليهن الحمل ولا يصرحون أحيانا بذلك.
ولفت زكريا إلى حدوث مثل هذه الأشياء "في الشهور الأخيرة من الحمل خشية منعهن من السفر، ونادرا ما تحدث الولادة على متن الطائرات".
وداخل الطائرة المصرية، تابع الراكب خالد العشماوي ما يدور من حوله، من حركة مستمرة من طاقم الضيافة بعد دقائق من مغادرة الطبيب للمكان، الذي عاد مرة أخرى خلال فترة قصيرة.
وأشار العشماوي لموقع "سكاي نيوز عربية" إلى أن الركاب ظنوا في البداية أن السيدة الحامل تعاني من حالة إرهاق عادية غير أنهم أدركوا مع الوقت حضورهم لحدث لا يتكرر كثيرا على متن الطائرات.
وعند استدعاء طبيب الأطفال وحديثي الولادة للمرة الثانية بدا واضحا أن الأمر لن يحتمل الانتظار، بحسب رواية الطبيب فتحي، الذي نوّه إلى وجود مؤشرات استلزمت التدخل لإتمام الولادة من بينها نزول مياه الجنين.
واسترسل قائلا: "طلبت من المسؤولين بالطائرة نقلها على الفور إلى منطقة تحوي مساحة أكبر لتهيئة الوضع المناسب لخروج الطفلة من الرحم بشكل آمن. لم أُجرِ عملية ولادة منذ 12 عاما، لست طبيبا مختصا في تنفيذ تلك الخطوة، وكان يمكن لي الانسحاب لكن كيف أترك سيدة تتألم وجنين يختنق بدون تقديم الدعم؟".
وتعكزت السيدة اليمنية على إحدى المضيفات، ونقلت إلى منطقة تحضير الطعام بالطائرة، وهي مسافة لا تزيد عن متر في متر كما يصف طبيب الأطفال.
واندفعت المضيفات إلى المنطقة التي تحولت إلى غرفة عمليات وبصحبتهن عدد من الأغطية، فضلا عن جهاز تنفس وحقائب إسعافات أولية، حسبما ذكر العشماوي الذي شدد على أن طاقم الطائرة تعاملوا باحترافية خلال تلك الواقعة، مشيرا إلى حرصهم على المرور بكافة الركاب لتهدئة روعهم وتوضيح أسباب الحركة غير الاعتيادية على متن الطائرة.
وحاول طبيب الأطفال تهدئة السيدة الحامل التي بدت على وجهها علامات القلق، وذلك بعدم تخليه عن ابتسامته، كما طلب وضع ستائر لمزيد من الخصوصية للأم.
ولم يشعر فتحي بالتوتر خلال التجربة الصعبة بحكم حضوره مئات عمليات الولادة على مدار سنوات نظرا عمله في مباشرة الرضع فور الولادة.
وبيّن فتحي قائلا: "اكتشفت أن الولادة ستحدث خلال دقائق، وهو ما يستدعي الهبوط الاضطراري في أقرب مطار خوفا من تعثر الجنين في الرحم أو احتياجه لتنفس صناعي لولادته المبكرة".
واستجاب قائد الطائرة بدون تردد لطلب الطبيب الشاب، وجرى التنسيق للهبوط في مطار ميونيخ، ورغم تأخر مواعيد الوصول إلى لندن نتيجة لتلك الخطوة لكن الركاب استقبلوا الأمر بصدر رحب وتفهم لطبيعة الظرف الطارئ، وفقا للعشماوي.
ودار عمل جماعي في منطقة العمليات، حيث أعطى فتحي تعليماته للأم بدفع الطفلة للأسفل عند حدوث انقباضات البطن، كما يسرد لموقع "سكاي نيوز عربية"، بينما يقف طبيب مساعد عند رأس الأم، ساعد في توضيح بعض الكلمات التي لم تفهمها السيدة الحامل بسهولة نظرا لاختلاف اللهجة.
وسادت حالة من الترقب بين الحضور، بينما يُمسك الطبيب برأس الطفلة، فيما تتنفس الأم الصعداء، ويُسمع صوت صراخ الطفل.
وقام فتحي بإجراء الإنعاش الرئوي للجنين ومنح الطفلة جرعة من الأوكسجين من إسطوانة للتنفس، وتجفيفه من المياه، واستأذنت المسؤولين عن الطائرة في غلق التكييف حتى لا تفقد الطفلة درجة حرارة جسمها الطبيعية.
واستطرد الطبيب قائلا: "وضعتها بين يدي والدتها واقترحت عليها أن تسميها "مصر" تيمنا بتفاصيل ولادتها المدهشة".
وتلقفت المضيفة الطفلة ومنحتها جرعة من الغلوكوز بناء على نصيحة الطبيب الذي نوّه إلى ضرورة تناولها لطعام حتى لا تشعر بالجوع أو تتعرض لأزمة صحية.
وأخرج العشماوي هاتفه لتصوير الطفلة، واهتمام المضيفة بها، مشيرا إلى أنه رغب "في توثيق تلك التجربة المميزة، مشاهد لا تأتي في العمر سوى مرة".
وحطّت الطائرة أخيرا في مطار ميونيخ الدولي، وحضر طاقم طبي إلى الأم وطفلتها، وأنهوا بعض الأوراق المطلوبة عن حالة السيدة ثم انطلقوا بالأسرة إلى المستشفى.
وتقدم رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة لمصر للطيران الطيار رشدي زكريا، بالشكر لطاقم الرحلة على المجهود الكبير الذي قاموا به في التعامل مع هذه الحالة، مؤكدا أنهم مدربون على التعامل مع مثل هذه الظروف الطارئة باحترافية.
ومنحت الشركة تذكرة مجانية مدى الحياة للطفلة على خط "القاهرة-ميونيخ"، كما ينوه زكريا مشيرا إلى تلقي الأسرة للخبر بسعادة وترحيب وقدموا الشكر للجميع على التعامل بكل كفاءة واحترافية.
وأوضح أنه "جاري التنسيق لتكريم طاقم الطائرة بما يليق بهذا العمل المشرف، فضلا عن التواصل مع الطبيب معتز فتحي، وتقديم الشكر له على الدور العظيم في التعامل مع حالة الولادة".
بدوره، قال الطبيب الشاب إنه تلقى اتصالا من المسؤولين بـ "مصر للطيران" لتكريمه يوم الاثنين المقبل، وستحضر أسرته الحفل بدلا منه لعدم إمكانية العودة إلى القاهرة.
وكشف فتحي مفاجأة عن الواقعة قائلا: "كان من المفترض السفر في 27 سبتمبر الجاري، وحجزت تذكرتي بالفعل، ثم اضطررت إلى تقديم الموعد بسبب ظروف عاجلة في العمل. يبدو أنها تدابير القدر حتى أتواجد في تلك الرحلة وأقوم بدوري في عملية الولادة على متن الطائرة".