Image

برامكة كل عصر.. وهارون واحد

قرأت عن البرامكة منذ صغري أنقب عن الحقيقة الكاملة لنكبة البرامكة ذوي العز والسلطان في خلافة بني العباس وأولي المنعة في عصرهم الأول ومستبدي الخلافة في أزهى عصور الدولة العباسية وأقوى خلفاء الدولة الإسلامية قاطبة، في خلافة الرشيد، هارون كله، نعم.
 
كما كتبت لكم كل مرة أن التاريخ دونته، في العصر الإسلامي، أيادي العجم لكونهم تفرغوا للعلم والعرب للامارة، ولذا كانت نكبة البرامكة، حسب تصور الرواة، لطخة سوداء في تاريخ الرشيد وجريمة أودت بالقيم العالية لعائلة الكرم والشهامة والعز، عائلة البرمكي، ولغيرة هارون من صيت بني برمك الذين فاقوه بمحبة الناس وفي روايات أخرى قضية شرف بين وزير الرشيد جعفر البرمكي وأخته العباسة بنت المهدي، ودواليك شتى.
 
هكذا تمت عملية التزييف بأقلام الشعوبية الفارسية وجعلوا من هارون مجرد ماجن يعاقر النساء وحولوه عبر قصة ألف ليلة وليلة إلى ما لا يمت له بصلة من السكر والسفور والابتعاد عن شرع الله ومعاقرة الولدان والغناء والشعر والرقص والوله الصبياني الذي ينقص من قدر الرشيد العظيم، وهذا بفعل التغلغل الفارسي في الدولة.
 
وفي الحقيقة كانت نكبة البرامكة الضربة الأولى التي قضت على طموح الفرس في إعادة ملك كسرى وسبقتها ضربة أبو جعفر المنصور بقتله لأبي مسلم الخراساني الذي كان ممن مهد لقيام دولة بني العباس ومن ثم أراد استئثار القوة له ولشيعته من العجم فتنبه المنصور لذلك وقام بقتله وقلل من تغلغل العنصر الفارسي.
 
فالفرس كانوا مادة دولة بني العباس الذين عادوا بستار الوفاء والفداء في عهد المهدي _نجل المنصور _ وبدعوى العلم في الفلك وبشؤون التربية وقامت عائلة البرامكة بتربية هارون الرشيد ليكون اداتهم في حيازة الخلافة، باسمه.
 
حدث لهم ذلك، وحاز يحيى خالد البرمكي على الثقة الكاملة بل وختم الخليفة بيده وتصرف بأموال الخلافة وفاقم من الوجود الفارسي ونال من العنصر العربي وصبغ الدولة العباسية بصبغة فارسية وأسس للعداء بين أولاد الرشيد وولاة عهده وقاموا بتجفيف الولاء لآل العباس بل زاد بهم الأمر وكان الفضل البرمكي والياً على خراسان وزحفت جيوشه لمهاجمة بغداد لولا تنبه الرشيد وقام بنكبة البرامكة قبل أن يصل الفضل وقام بقتلهم وسجنهم ومصادرة أملاكهم وملاحقة أتباعهم واسترجاع المال، أنهى التمرد.
 
فشل الفرس في العودة باسم فارس لحكم العرب كما في العصر الكسروي، لذا كانت حيلتهم دوما التعلق بامارة العرب للوصول إلى مبتغاهم.
 
فلاسقاط الدولة الأموية هم من كانوا نواة الدعوة العباسية في خراسان ليس حباً بآل العباس ولكن تنفيذا لمشروعهم، ثم بعد تمكنهم من الأمر والنهي في خلافة العباسيين كانوا دوما يسعون لتولية الخلفاء ابناء جواري فارس فهم حاولوا الوقوف ضد تولية ابو جعفر وفشلوا ومات ابو مسلم بسيف المنصور.
 
وفي عهد الهادي عندما أراد خلع الرشيد عن ولاية العهد استماتوا لعدم فعل ذلك باعتبار أن الرشيد عجينتهم وفلحوا لولا تدارك الرشيد الكارثة ولكن كان جل غضبهم من الرشيد لخصه ولاية العهد للأمين ذو الأم القرشية ومن بعده المأمون الذي ولد من جارية فارسية اهداها البرمكي للرشيد واسمها مراجل.
 
وكان انقلابهم على الرشيد ليس من اجل حيازة الخلافة بل تولية عبدالله المأمون وتنفيذ المخططات عبره بعد فشلهم عبر الرشيد الذي تنبه لخطر البرامكة، وهذه طريقتهم دوما.
 
بسقوط البرامكة لم ينته التواجد الفارسي، بل قلل منه، وكما تسبب الفرس بسقوط الأموية كانوا هم سبب سقوط الدولة العباسية بعد تغريرهم بالعداء بين الخليفة الأمين وولي عهده المأمون والانحياز لابن الجارية الفارسية المأمون وقتل الأمين.
 
ورغم ما تمتع به المأمون من حكم قوي ومن صلابة في الأمور وعجزهم عن ترويضه لكن بموته كان انتهاء العصر العباسي الأول عصر القوة ودخول الدولة مرحلة الضعف وكل هذا بسبب الفرس الذين أستأثروا كاملاً على مصير دولة بني العباس في العصر العباسي الثاني بداية بالمعتصم وهدم الفرس العرب في كل دولة.
 
بعد إسقاط الأمويين وانتهاء دور العباسيين تعلق الفرس بالطالبيين من بني هاشم وهشموا بقية النسيج الاسلامي وأسسوا الدويلات المتناثرة باسمهم في بلاد العرب والعجم وقادوا الحروب والمذابح باسم الاسماعيلية والقرامطة والحشاشين وقامت شتى الدول الفارسية كالبيوهيين وخوارزم والفاطميين والأدارسة وابن الفضل باليمن واستغلوا الصليحيين وأسسوا للهاشمية مركزا في اليمن، كما قلت، وشرذموا كل جهة بعشرات الدويلات وكانوا عونا للحملات الصليبية في المشرق العربي.
 
ولم يصمد العرب بل تناثروا وأصبح الفرس والترك والكرد بعد تهالك العرب هم حكام المنطقة العربية باسم اسلام الفرس المزيف.
 
وكل هذه المذابح والنيران وكل التمزق الحالي الذي نشهده سببته مؤمرات الفرس على العرب المسلمين من قبل.
 
مجمل الكلام أن البرامكة يتفاقمون ويتواجدون في كل دولة، نحتاج إلى همة الرشيد للقضاء عليهم، فكما هم في العراق وتعلقوا بستار آل البيت وبستار حسن نصر الله في لبنان هم في اليمن بستار الحوثي وهم في كل بلد في الدول التي تعاني والدول التي لم تبدأ فيها رحلة الشتاء والهدم، وعلى حكام العرب التنبه لخطر البرامكة الجدد، الحداثيين، فلكل عصر برامكته ولكن هل لكل برامكة هارون الرشيد؟