كشف حساب مبدأي: "اتفاق الرياض" لملس في عدن.. "الانفراج" يسابق "الانفجار"
وصول لملس إلى عدن معطى سياسي و (تنفيذي) مهم؛ إزاء استحقاقات "اتفاق الرياض"، ويضع قاطرة الشق السياسي من الاتفاق في مسار التدشين العملاني؛ كخيار ناجز وأوحد أمام متفرق القوى والمكونات اليمنية التي تقف باقدامها اليوم تماما على أرضية محك ومفترق مصيري لا سبيل آخر للعودة عنه أو تأجيل استحقاقاته.
لقد طال المطال، بالمفترق المؤجل ترفا وخطأ.. وبالأطراف دونه، وتطاولت مدة المراوحة النازفة وباهظة الكلفة، دون تجاوز المحطة واجتياز المحك إلى ما بعد امتحان النوايا بالإثباتات.
من وقت مبكر صارت هذه حكمة اليوم وكل يوم بصدد الأفرقاء والشركاء الألداء: ما من طريق أو مسار آمن ومتاح خارج خطة تطبيق وخارطة طريق اتفاق الرياض.
اطرادا، يصح بل ويجب القول: ما من جهود وساطة ووسيط آخر، دوليا بالخصوص، يمكن لليمنيين التحصل عليها، بصبر وحرص وطول بال الرياض.
ولو ذهبوا إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة أو واشنطن وحتى البيت الأبيض ذات نفسه.
أمامكم الأمم المتحدة ووسيطها المبعوث وأسلافه وبعثتها التي لم تبعث منذ كانت رجاء أو تعطي نتيجة.
وأمامكم الخواجة مايكل أرون مندوب الوصاية السامي والرعاية البريطانية لمليشيات المد الإيراني المتقدمة وأدوات العبث والعنف التي درجت انجلترا على تغذيتها وتسمينها في جراب وجيوب وقلوب البلدان العربية المنكوبة بالمجاهدين وبالمجانين بانواعهم: الذين يعادون إسرائيل ولكنهم يقتلون العرب وينصرون الإسلام ولكنهم لا يقاتلون ويقتلون غير المسلمين وغير الإسلام!
هذه فقط أفضل خيارات وبدائل متاحة أمامكم كوسطاء!
يستحيل أن تجدوا وسيطا، مضيفا للوفود، هو في نفس الوقت المضيف منذ سنوات لمجموع ومجمل السلطات التي يجيئون منها وهياكلها وشاغليها والممول والكافل لأطرافها ولجثتها المترامية هنا وهناك في مسرح داخل بلا روابط وبلا معقولية فرز وتبويب. على ان تجدوا وسيطا صبارا وبهذه الصيغة الطويلة من الصبر والمثابرة والاسترسال؛ بحيث تستلزم أشهرا مشاورات التوافق حول تنفيذ اتفاق متفق عليه أصلا!
لا تبطروا نعمة الرب وتحرقوا بأيديكم قوارب السلامة والنجاة.
هناك إشكالات وتعقيدات جمة مرتبطة بالاتفاق؛ الذي يباشر أعظم وأخطر ملف أزمة وصراع متفجر في الجمهورية اليمنية، ما قبل ودون الانقلاب المليشياوي.
ومن الطبيعي أن تعترض الأعمال والتنفيذ صعاب ومستجدات إشكالية، على صلة بفراغات تقديرية خلال وفي نص الاتفاق، أو في صلب المضمون تزمينا وتقديما وتأخيرا.
هذا وغيره، علاوة على ضمانة آلية الضامن التنفيذي؛ بإزاء أطراف يحبذ الوسيط التعامل والتعاطي معهم كأهل بيت وقضية كبرى واحدة، ومهما بالغوا واجتهدوا في القول والعمل بعكس ذلك، طيشا أو مكابرة أو مقامرة.
اتفاق بهذه الخصوصية- اليمنية المتخاصمة وخاصتها (العويصة والملغومة أساسا من داخلها)، وملف بهذه الخطورة، اقتضيا ويقتضيان: وسيطا واسع الحيلة بين طرفين (هما في الواقع تسوية وتسمية فوقية او شكلية لأطراف لا حصر لها)، ونوايا حسنة وجادة.
ويبدو ان المسألة الآن، برمتها أو في كثير منها، تتوقف على الشرط الأخير هذا!
ومن دون الجدية، قرينة النوايا، والجودة (حسن النوايا)، سوف يبقى أي اتفاق وبصدد أي قضية وزمان ومكان: مجرد تعبير بلاغي عما يجب فعله، طالما بقيت الأطراف والأدوات المعنية به وبتحويله إلى برنامج عمل يومي؛ تحافظ على وضعيات التخندق الضدي، ومتحفزة للمواجهة خلال سريان التهدئة ورغما عنها وعن خطوات تلبية الثقة ونزع الصاعق اللعين.
وصول لملس عدن هي واحدة من المحطات الحيوية والمهمة على المسار الصحيح وفي السكة. وهي تقول إن الانفراج ليس بالضرورة الضد البات والنهائي من الانفجار ولكنه بالتراكم محصلة خطوات وإثباتات كمية ونوعية في خانة المكاسب تثميرا للانفراج وتفكيكا للانفجار.
يستسهل أو يستهين من يحدث نفسه بالبدائل، أيا كانت، فيما لو توافق الفرقاء على الفراق واتفقوا على ألا يتفقوا. أبسط وأقل البدائل، التي يمكن افتراضها، كارثية وجنونا، ليست أقل من الكارثة ومن الجنون.
الوصول إلى مراحل التنفيذ العملي للاتفاق، عسكريا وسياسيا، مشوار طويل ومهم لا ينبغي استسهال الوصول إليه عند هذه النتيجة.
ومن واجب العقلاء عند هذه المرحلة المتقدمة (والمتحفزة) تطويق الحرائق، ولجم فوهات اللهب، ومكافحة مشعلي الحرائق أكثر من وقبل وبعد مكافحتها هي!
إنه ومهما بلغت كفاءة وجدية وحرص وصبر الوسيط السعودي، بما يتوافر ويوفر من متاحات جمة بامتيازات لا حصر لها أمام ولمصلحة الأطراف اليمنية، فإن مسألة النجاح والفشل النهائي تبقى معلقة في رقاب ومسؤولية اليمنيين ومتعلقة بدرجة قصوى وحصرية بهم وحدهم.
ولكنهم وإن امتلكوا خيار التعطيل ومقارفة الفشل، لا يمتلكون ترف البدائل.. أي بدائل مرئية: ليس بقيمة الوسيط الحالي، بل حتى أقل كثيرا منه قيمة وحجما ومكانة وقوة في الأثر والتأثير.
كما أنهم، وهذا اهم وأخطر، لا يمتلكون أي ضمانة فيما بعد، تتيح خيار العودة عن: الهاوية، وسبة الدهر، ولعنة اليمن.