بين انقلابين: عليمي وحوثي!

10:27 2019/10/10

 
كانت تقال، على سبيل المزاح أو التذمُّر، أمام حالة مائعة من تعدد السلطات ومصادر القرار ومواقع المسئولية، إنّ الشرعية تعتمد نظام الحوثيين أيضاً في تعيين مسئولين على المسئولين، أو "مشرفين" بالتعبير الحوثي، بنظر المسئول الكبير في مكتب الرئيس. 
 
لكن، وهذا ما تكشّف أخيراً وتأكد بصورة قاطعة، المزحة طلعت حقيقة أكثر واقعية مما رسمته في خيالها. هناك دولة على الدولة - أو على اللا دولة، وهناك - لا شرعية على الشرعية تتولى عنها وباسمها التصرف وتصريف شئون "البَرَمَن"!
 
ويبدو أننا كيمنيين آخر من يعلم أو من سيعلم مستقبلاً؛ أن دولة المشرفين قسمة بين الشرعية والحوثية. وأن هؤلاء على الحقيقة هم من يدير الفوضى الحاصلة من السياسة إلى الاقتصاد ويتقاسمون ريع اقتصاد الحرب عبر القنوات الخلفية التي تأسست وتوطدت خلال سنوات خمس.
 
الرجوع إلى منشوري حافظ معياد وأحمد غالب في الفيسبوك وما كشفاه حول تعطل عمل واجتماعات اللجنة الاقتصادية، في وقت تستمر البيانات والإجراءات والسّجالات دون توقف باسم اللجنة الاقتصادية منذ ستة أشهر، يضعك وجهاً لوجه أمام مرآة لا تظهرك أنت بل المشرف عليك بينما تبدو وكأنه أنت!
 
رئيس اللجنة الاقتصادية المشكَّلة بقرار جمهوري لإنقاذ الاقتصاد والعملة، والمعين بقرار جمهوري، يعلن أنّ كل ما يصدر باسم اللجنة لا علاقة للجنة به. وأنّ هناك لجنة فنية (لجنة اللجنة) معينة بقرار من مكتب الرئيس تتولى التصرف بدلاً وباسم اللجنة الاقتصادية.
 
عضو اللجنة الاقتصادية زاد أنّ اللجنة معطلة من ستة أشهر. وأنّ الأعضاء مشتتون، ولم تتم دعوتهم لاجتماع واحد أو تُسند إليهم مهمة، منذ مارس الماضي.
 
ومنذ مارس الماضي، تحديداً، تزايدت بيانات وإعلانات اللجنة ومعاركها وفضائحها. حتى أنا انتقدت هذا مراراً، وبالخصوص عقب إعلانها المفاجئ الشهر الماضي بشأن ميناء الحديدة وكيف أنها اعتمدت للحوثيين المسرحية وثبتتهم على ما هم عليه وتحت أيديهم وهي فقط تشكو عدم إشراكها في تحصيل الجمارك.
 
نكتشف متأخرين، ولا أعرف لماذا تأخر الكشف كل هذه المدة، أنّ اللجنة الاقتصادية المعنية ليست اللجنة الاقتصادية بل المشرفة أو البديلة. ليست لجنة الرئيس بل لجنة مدير مكتب الرئيس. لجنة العليمي وليس هادي. 
 
سوف يتكرر هذا كثيراً وخطيراً في كل المرافق والمواقع إذا كان هذا ما حدث مع لجنة إنقاذ الاقتصاد والعملة الوطنية ومنع الانهيار الكارثي. فما بالك بغيرها وما دونها من المواقع؟!
 
الوضع ببساطة شديدة وصعبة جداً هو: هناك رئيس وهناك مشرف على الرئيس، بدرجة مدير مكتب. هذه تسمية لم تعد تنطلي بينما صارت تعني رئيس الرئيس. 
 
وهكذا وأنت نازل.. مروراً باللجنة الاقتصادية.. وحتى تصل إلى مدير أمن تعز، الذي يتوعد المحافظ بالسجن ويهزأ به علناً في مواقع التواصل. 
 
من رئيس مدير الأمن؟ المحافظ. لكن واضح أنّ هناك محافظاً آخرَ غير المحافظ الذي تُرفض أوامره وتوجيهاته في كل مرة وقضية ومشكلة، بل ويهدده مدير الأمن بالاعتقال والسجن وقتلت حراسته في التربة.
 
المشرفون هم الحُكام الفعليون حتى والدولة والشرعية في المهجر والفنادق. عصابة كبيرة تدير مأساة اليمنيين الكبيرة. 
 
يتقاسم هؤلاء وشركاؤهم في الطرف الآخر الحوثي سوق الوقود وعقود الطاقة وبواخر المشتقات في عرض البحر ومضاربة العملة ومزايدة أسعار الصرف وحتى التوافق على دفن اتفاق استوكهولم بشأن الحديدة وتمرير مسرحية تغيير الأزياء واعتماد تسليم الحوثيين الموانئ للحوثة بموجب الإعلان الشهير والسيء باسم اللجنة الاقتصادية فرع عبدالله العليمي واجهة الإخوان.
 
استعادة الشرعية باتت الآن عملية مركبة ومعقدَة للغاية بعد خمس سنوات حرب لاستعادة الشرعية. صار الأمر أسوأ. ويتحتم استعادتها من انقلابين: عليمي وحوثي.