عن شرعية "الإصلاح".. والحاجة إلى إصلاح فساد الشرعية!!
رغم حوار جدة المستمر ، فمن المتوقع ان يتدحرح المشهد اليمني نحو سلسة من التعقيدات المفتعلة وذلك للتعمية على جوهر الازمة السياسية..
لا يحتاج الامر الى كثير من التبصر اذ يكفي مراقبة السلوك السياسي للشرعيةع لى مدار اربعة اعوام من العبث ؛ كي ندرك جيدا كيف انها تفضل تجاهل الازمات في مهدها ثم الهروب من مواجهتها والركون الى دعم الحليف الاقليمي ، ثم القفز على ممكنات الحل والاعتقاد ان رطانة البيانات او اصدار القرارات الصورية من شأنه ان يعيد تعديل موازين القوى.
لقد افتقدت قيادة الشرعية اليمنية الى "ارادة الحكم" التي تستلزم العمل والجهد وتحمل المسؤولية ، ولم يبقى لها سوى شهوة السلطة و اوهام القوة .. والسبب ببساطة انها لم تعد تعبر عن شرعية الاجماع العام او حتى الحد الادنى من التوافق النخبوي ، بل اصبحت حكرا اصطفائيا للرئيس ونائبة الذين يمنحون ومنعون وفق مصالحهم السياسية الضيقة .
لقد بحت حناجر النخب السياسية العاقلة وهي تطالب رئيس الجمهورية باصلاح الشرعية، لاسيما بعد قراره الكارثي باقالة خالد بحاح خلافا للدستور والاعراف ولقواعد اللعبة السياسية .. وبدلا من التعقل والاستماع الى الناصحيين قرر هادي اصدار سلسة من القرارات الاقصائية للتحول مطالب اصلاح الشرعية الى واقع معاكس من "شرعية الاصلاح".
بطبيعة الحال قوض الطابع الاقصائي للسلطة قدرتها على العمل بكفاءة، لكن ذلك لم يكن السبب الوحيد لتاكلها الذاتي ، حيث تداخل الاقصاء السياسي مع الفساد المالي والاداري مع واقع العجز العسكري ، ولم تجد الشرعية انجازا عسكريا حقيقا الا في الجبهات التي تسلم زمام قيادتها اولئك المقصين من الشرعية عمليا رغم التزامهم بالقتال تحن مظلتها.
اما الجبهات التي يسيطر عليها حزب الاصلاح فتشهد خطوط التماس هدوءا مريحا ، لا يعكره الا بعض طلقات عابثة تدوي قبل تسلم اي دعم مالي من التحالف تحت بند "معركة التحرير" التي لم ترى النور الا اعلاميا.
لقد كرست هذه الوضعية الاحتكارية وهذا الفساد المستشري انفصال الواقع عن الخطاب ، وانفصال من يحكم عمن يحارب ، وهاهي اليوم تهدد بانفصال الجنوب عن الشمال.. وفي المقابل فما زالت الشرعية تفضل الرياض كمقر اقامة دائم ورغيد للسلطة الحاكمة صوريا ، وفضل معظم رجالها التنعم بامتيازات القاهرة او اسطنبول بدلا عن التواجد مع اليمنين في عاصمتهم المؤقتة.
ان استشراف مستقبل الصراع اليمني في ضوء هذه الحالة الاحتكارية داخل الشرعية ،وفي ضوء الاحتقان السياسي الاجتماعي داخل المناطق المحررة ، يعني هرولتنا جميعا نحو السيناريو الاسوء ، حيث لا حوار بين الشركاء ولا حرب بين الاعداء.. انما دورات عنف تكرر نفسها وتلتهم ما تبقى من مقومات للاخلاص.
ما الحل اذن، هل يمكن المضي نحو تطبيع الامور في المناطق المحررة وتحرير بقية المناطق المحتلة حوثيا ، دون اجراء اصلاحات سياسية داخل الشرعية؟
حتما الاجابة هي لا. لكن ما نخشاه هو ان ما نواجهه اليوم من معضلة سياسية تحتاج الى ما هو اكبر من مجرد اصلاح ترقيعي يستبدل الشخصيات الصدامية باخرى توافقية.
ان ما نعانيه اليوم هو شرعية الفساد وليس فساد الشرعية، وسلطة الاقصاء وليس اقصائية السلطة .وعليه لابد من اجراء تغييرات هيكلية تنفخ روحا جديدا في الشرعية ؛ تغيرات تبدا بمؤسسة الرئاسة وصولا الى الحكومة ثم البرلمان وصولا الى الجيس والامن.
وقبل هذا كله يحتاج المحور العربي الى بناء رؤية مشتركة لادارة مستقبل المنطقة و ضبط مسار الصراع اليمني ، فمصفوفة الحل لم تعد يمنية خالصة وانما ترتبط بعلاقة طردية مع متانة التوافقات العربية و فاعليتها.
-(المقال يعبر عن رأي كاتبه)