Image

جبهة الاحتيال على جيوب اليمنيين!

لم تترك مليشيا الحركة الإمامية الحوثية باباً إلى جيوب اليمنيين إلا وطرقته، أكان طوعاً أو كرهاً أو احتيالاً، وتحت عناوين مختلفة، بيد أن الطبيعة الدينية التي تتلحفها الحركة جعلت للزكاة وضعية خاصة تدعم الذكريات الإمامية القديمة، وتعزز مبدأ الولاية واختصاص الولي الإمامي بتلقي الأموال الزكوية، وفوق ذلك توفر لنخبة الولاية امتيازاً مالياً على حساب "كرامة وعزة الشعب اليمني العظيم".
 
فشل الحوثيون قبل رمضان الماضي في فرض شرعنة قانون للزكاة عبر نواب صنعاء، وفي الآونة الأخيرة جددوا تقديمه بمسمى تعديلات، وأصدروه متضمناً تعديلات أهمها تشكيل هيئة للزكاة فيما أخفقوا في تمرير تعديلات جوهرية أخرى.
 
أئمة المال
 
في الماضي كان أدعياء الإمامة أول ما يلتف حولهم المناصرون يشرعون بتحصيل الزكاة لتمويل حروبهم وإنشاء إقطاعياتهم الخاصة. ويحدثنا التاريخ القريب عن رفع يحيى حميد الدين ووالده راية النضال ضد الاحتلال العثماني الثاني لليمن لينتهي النضال المزعوم بتوقيع يحيى على صلح دعان متنازلاً عن أول شرط سبق أن طرحه ب"أن تطبق الأحكام على الشريعة الغراء" ومتقبلاً بعد سفك دماء عشرات الآلاف من اليمنيين السيادة العثمانية على البلد مقابل امتيازات خاصة بينها ما يتعلق بمكانة طائفية، وعائدات مالية في المناطق الزيدية و"يحق للزيدية تقديم الهدايا للإمام إما تواً وإما بواسطة مشايخ الدولة أو الحكام"، حسب ما ورد في أحد بنود الصلح.
 
وبعد نحو مئة عام من أموال دعان اعتمدت المليشيا الحوثية الممثلة للحركة الإمامية في الوقت الراهن على الزكاة كأحد مصادر تمويلها ويؤكد معايشون للمليشيا في مهدها بصعدة ما أشارت إليه مصادر رسمية في سنة 2004 أثناء التمرد الحوثي الأول، من منع المليشيا "المواطنين عن أداء الزكاة لأجهزة الدولة الشرعية المختصة وهي ركن من أركان الإسلام وإصدار فتوى بعدم تسليم الزكاة لا في مديرية حيدان فحسب ولكن أينما وجدت مراكز وأتباع له – لحسين الحوثي ....... ولا يجوز أن تسلم الزكاة للدولة وطلب أن تسلم الزكاة له وبدأ فعلاً باستلام الزكاة من المواطنين"، على حد تقرير لوزير الداخلية يومها.
 
وأشار باحثون في الشأن الحوثي إلى أن من بين أهم مصادر تمويل الحركة في بداياتها كان "الريع المتحصل إلى يد أسرة بدر الدين الحوثي من باب الخمس والزكاة التي يدفعها الأتباع في محافظة يمنية ذات زراعة واسعة مثل محافظة صعدة" وذكرت تقارير لفرع مصلحة الواجبات بصعدة لثلاث سنوات ابتداءً من 2007 "قام الحوثيون بتحصيل مئات الملايين من أموال الزكاة لمصلحتهم وحصر مصرفها بـ"سبيل الله".
 
جهاد الزكاة
 
على إثر انقلاب المليشيا على السلطة في 2004 وغدرها بالمؤتمر الشعبي وزعيمه الرئيس الراحل علي عبدالله صالح نهاية 2017 أولت اهتماماً ملحوظاً بمشروع قانون للزكاة -هو القانون الوحيد الذي قدمته– حاولت فرضه على النواب في صنعاء، وحث زعيم المليشيا عبدالملك الحوثي النواب في خطاب له قبل رمضان السابق لاستكمال إجراءات صدوره.
 
ورفض النواب القانون فضربت المليشيا بالدستور عرض الحائط وأصدرت قراراً بإنشاء "الهيئة العامة للزكاة" القائمة على أساس القانون المرفوض، وألغت فعلياً مصلحة الواجبات وقانون الزكاة الصادر عام 1999، وألغت بندين في قانون السلطة المحلية.
 
أما لماذا الإصرار على القانون المليشاوي وهيئة الزكاة؟ يجيب (ع . ح) أحد موظفي مصلحة الواجبات في أمانة العاصمة "راعى قانون الزكاة النافذ اعتبارات شرعية واجتماعية، حيث أتاح للمزكي صرف ربع مستحقات الزكاة الواجبة عليه لمن يراهم من فقراء، أقارب أو جيران أو غيرهم، ممن نطلق عليهم في مجتمعنا (أعزة النفوس) ممن يتعففون عن إدراج أسمائهم في قوائم الفقراء والمساكين المسجلين في قوائم الدولة، وهذا يتوافق مع روح الشريعة الإسلامية من ناحية ترك مساحة لضمير المسلم في أداء واجبه نحو من يعلمهم من مصارف الزكاة، ومن ناحية أخرى يساعده على واجب صلة الأرحام والجيران، وهذا ما ألغاه قانون الحوثيين وجعل هيئة الزكاة الجهة الحصرية لتلقي الزكاة وصرفها".
 
ويتابع بالقول "ومن الناحية الشرعية فقد أخذ القانون بما ورد عن النبي من أخذ الزكاة من أغنياء البلد وردها في فقرائهم، فقسم إيرادات الزكاة مناصفة بين السلطتين المحليتين في المديرية والمحافظة وفقاً لفقرتين من المادة (123) من قانون السلطة المحلية نص القانون الحوثي على إبطال العمل بهما".
 
لكن خطورة القانون الحوثي كما ينبه موظف مصلحة الواجبات في المادتين (30، 31) منه، إذ يوضح "المادة (30) الخاصة بالخُمس خالفت اجتهادات المذهبين الشافعي والزيدي المتفق في معظم فروعه الفقهية مع الحنفية، السائدين في اليمن، وأعطتها نكهة قريبة إلى اجتهادات الإثني عشرية، فنصت على وجوب الخمس على كل موارد الطبيعة –غير النبات والحيوان المنصوص على زكاتها في نصوص أخرى– ليس ما يستخرج من باطن الأرض فقط، بل والمستثمر على سطحها، فشلمت النفط والغاز ومختلف المعادن، والعجيب حتى التراب والأحجار المعالجة بالكسارات وأيضاً مياه الآبار الإرتوازية، ولا أعرف اجتهادات فقهية أخذت زكاة على مياه الآبار أو التراب، ربما يمكن إدخال هذه الأصناف في عروض التجارة، أما في الركاز أو تطبيق أحكام الغنائم عليها فهذا ما لا يقوله عاقل، إلا إذا كان الحوثيون ينظرون إلى مستغلات اليمنيين من أرضهم غنائم يجب تخميسها".
 
وبالنسبة للمادة (31) من مشروع القانون الذي بدأت المليشيا الحوثية بتنفيذه فعلياً يقول الموظف (ع . ح) "مصارف الزكاة في القرآن ثمانية، بينما مصارف الخمس ستة، هي: الله، الرسول، ذوو القربى، اليتامى، المساكين، وابن السبيل، اثنان منها، هما المساكين وابن السبيل، داخلان في المصارف الثمانية، واثنان، الله والرسول، اجتهادات اعتبرتها مرفوعة، وأخرى جعلتها لولي الأمر، وهو في هذه الحالة عبدالملك الحوثي، وسواء كانت مرفوعة أو لولي الأمر فإنها بالمحصلة ستة هي للاثنين المتبقيين وهما ذوو القربى –ما يعتقد أنه قرابة الرسول– واليتامى".
 
ويضيف: "عملياً لا يتبقى من مصارف الخمس سوى ذوي القربى، لأن المساكين وابن السبيل أحيلا على مصارف الزكاة الثمانية وأدخل القانون الحوثي اليتامى في المساكين وبالتالي في المصارف الثمانية ليبقى الخمس حصة لعبدالملك الحوثي كونه ولي الأمر والمنتسبين حقاً أو زوراً للسلاله النبوية".. تجدر الإشارة إلى أن الإمامية الاثني عشرية انتحلت نصاً على الإمام جعفر الصادق يقول "الخمس لنا أهل البيت من دون الناس، لا يشركنا فيه أحد، نقسم في أنفسنا ويتامانا ومساكيننا وأبناء سبيلنا". وهذا ما يبدو أن الحركة الحوثية تعتمده ضمناً.
 
وينوه (ع. ح) إلى أن الخمس وفقاً للمادة (30) من القانون الحوثي يعني في الأوضاع الطبيعية مئات الملايين من الدولارات لاشتماله على عائدات النفط والغاز المتجاوزة للخمسة مليارات دولار حسب المعلومات الرسمية قبل 2014.
 
ويختم موظف مصلحة الواجبات: "لو كنت من أنصار الحركة لنبذتها عند علمي بهذا القانون لأنها تمارس التمييز ضد اليمنيين مرتين، مرة بين الحركة وبقية اليمنيين، ومرة بين السلاليين وبقية أنصارها داخل الحركة نفسها".
 
الزكاة، ليست مجرد رمزية دينية في نظر الحركة الإمامية الجديدة، وإنما سبيل لتشكيل نخبة مالية على ظهور اليمنيين تساعد على تدعيم سلطتها السياسية إن استمرت، وتعيدها من النافذة الاجتماعية والاقتصادية إن زالت.