قصة صحفي مختطف في سجون الحوثيين يتعرض للتعذيب بعيداً عن الإعلام
خمسة وعشرون ألف، وقائمة من الديون الكثيرة، واحتياجات المنزل الضرورية، وهدية طفلته “جوري”، كل ما كان يشغل عقله صباح السادس والعشرين من أكتوبر العام الماضي وهو يعبر شارع التحرير وسط العاصمة صنعاء، قبل أن يقطع مسلحو الحوثي تفكيره وطريقه، ويختطفوه إلى غياهب السجون السرية.
هكذا بدأت معاناة الصحفي أحمد حوذان، قبل سبعة أشهر، ومأساة عائلته المكونة من زوجة وطفلة “جوري” في ربيعها الثاني، وأبويه الطاعنين في السن والمقيمين مع إخوانه الصغار، في قرية ريفية بمديرية كعيدنة، بمحافظة حجة.
عبور الشارع جريمة
لم يغادر الصحفي حوذان، صنعاء، مثل غالبية زملائه الصحفيين، الذين هجروها بعد اجتياح الحوثيين للمدينة أواخر عام 2014م، حيث فضل الإقامة في العاصمة، دون أن يمارس أي عمل صحفي أو إعلامي مناوئ للحوثيين وسلطة الأمر الواقع التي فرضوها بالحديد والنار على اليمنيين، وفي سبيل توفير تكاليف معيشته، توجه للعمل في المبادرات المجتمعية في إحدى الجمعيات التي ظل متطوعاً وعاملاً فيها حتى اختطافه.
في السابعة والنصف صباحاً، اعتاد حوذان أن يغادر شقته المتواضعة التي يسكنها في حي الحصبة، مستقلاً باص من فرزة المنطقة، متوجهاً إلى مكتب المؤسسة التي يعمل فيها، والكائن في أحد الشوارع المتفرعة من ميدان التحرير.
وكعادته غادر ظهراً مكان عمله، فرحاً بحصوله على ما تبقى من مرتبه، وربما سارحاً بخيالة في عملية حسابية لتوزيع المبلغ على الديون ومصروف البيت، و”هدية طفلته التي اعتزم أن يشتريها من ميدان التحرير” وفق إفادة أحد زملائه في العمل لـ”المصدر اونلاين”.
لم يلاحظ الإنتشار الكبير لمسلحي الحوثي في الميدان والشوارع المحيطة به، ولم يكن لديه علم بالإجراءات المشددة التي اتخذها الحوثيون لمواجهة التظاهرة التي تداعى لها نشطاء على التواصل الاجتماعي تحت مسمى “ثورة الجياع”، احتجاجاً على ارتفاع اسعار السلع الاساسية جراء تدهور سعر صرف العملة الوطنية، التي أصبح الدولار الواحد يساوي 800 ريال منها .
وفجأة قطع مسلحون حوثيون طريقه في ميدان التحرير، وبدون أي مقدمات اعتقلوه مع أخرين من المارة، واقتادوهم إلى قسم شرطة في المنطقة، وبحسب تصريح شقيقه محمود فإن أحمد لم يكن مستهدفاً من قبل المليشيات وكانت حادثة اعتقاله عشوائية، استهدف فيها الحوثيون الكثير من المارة في شوارع صنعاء يوم 6 أكتوبر، للإشتباه بخروجه للتظاهر.
انتهاك وتعذيب وإخفاء
صادرت المليشيات الحوثية ما بحوزته من فلوس، وهاتفه، وكيس بلاستيكي كان يحمل بعض أوراق عمله بداخله ،إضافة إلى قنينة ماء معدنية.
ومرت عدة أيام على اختطافه واعتقاله والتحقيق معه، تمكنت أسرته خلالها من زيارته في السجن، وحاولت الاستعانة بأحد المشايخ من ابناء منطقته، وقيادات حوثية ومؤتمرية معروفة لدى أسرته وأسرة زوجته.
لكن تدخل رجال المخابرات (الأمن السياسي والقومي) وتسليم جماعة الحوثي معظم ملفات المخطوفين في أكتوبر 2018م، للمختصين والخبراء، بددت كل الوعود بإطلاق سراحه وأنهت مسيرة طويلة من الجهود والوساطات في سبيل تحريره من سجون الجماعة المسلحة.
منعت المليشيات أسرته من الحديث معه، لكن أحد المحسوبين على الإنقلابيين، أبلغ عائلته بأنه تعرض للتعذيب وقد ثبتت إدانته ووثقت في هاتفه محادثات في مواقع التواصل الإجتماعي مراسلات مع صحفيين وعملاء لدى التحالف العربي الذين يصنفهم الحوثيون بالخونة والمرتزقة لدى دول العدوان.
وأكد أحد زملائه المقربين – اشترط عدم كشف هويته كونه ما زال مقيم في العاصمة صنعاء– أن جماعة الحوثي أخفت حوذان فجر اليوم التالي، ونقلوه من المعتقل المؤقت إلى مكان سري، ليظل مغيباً قرابة شهرين، لم تتمكن عائلته من معرفة مصيره، أو مكان احتجازه، رغم الوساطات، والأبواب التي قصدتها الأسرة على أمل الحصول على معلومات بوضعه وظروفه.
ظروف معيشية صعبة
قبل أربعة أيام من حادثة اختطافه، كتب حوذان على حسابه في الفيسبوك “يا لله في هذا الصباح اقضي حاجه كل اخ يمني يتجرع المرارة ويكابد الألم”.
تكشف تدوينته جوانب من ظروفه المعيشية الصعبة جراء غلاء المعيشية وانعدام فرص العمل، وعدم كفاية الراتب الشهري اليسير الذي كان يتقاضاه في عمله .
ألقت حادثة اختطافه، بأعباء كبيرة على والديه وعائلته المقيمة في ريف محافظة حجة، فأحمد حوذان كان يرسل جزءً من مرتبه لعائلته شهرياً، وهو ما كان يساعدها على العيش في هامش الحياة كألاف اليمنيين القاطنين في الريف.
أسرته الصغيرة (زوجة وطفلة في عمر عامين) تعيش منذ تاريخ اختطافه، حالة معيشية سيئة، كونه العائل الوحيد لهم، وأجبرت زوجته للعودة إلى عائلتها في محافظة مجاورة لصنعاء، لكنها بين الحين والأخر كانت تطرق مع ذويها أبوب السجون، حتى تمكنت مطلع العام الجاري من زيارته في سجن الأمن السياسي، وهو المعتقل سيء الصيت الذي تحتجز فيه المليشيات الحوثية العشرات من الصحفيين، ويتعرضون فيه للتعذيب الوحشي.
كانت ملامحه شاحبة، وأثار التعذيب واضحة في عيناه الحمراء المتورمتان.
أكد أحد الحقوقيين في صنعاء تعرض الصحفي حوذان للتعذيب بشكل مستمر، وزاد سجانو المليشيات من تعذيبه خلال الثلاثة الأسابيع الماضية، مشيراً إلى منع الحوثيين عائلته من زيارته.
وتأمل أسرته أن يسمح الحوثيون لها بزيارته الاسبوع المقبل.. مشيرة في تصريح خاص لـ”المصدر أونلاين” مخاوفها من تعرض حياته للخطر جراء ما يتعرض لها المخطوفون في سجن الأمن السياسي من تعذيب وحشي، تقول المنظمات إن حياتهم اصبحت في خطر.
صحفي بلا سند
خليل العمري رئيس تحرير موقع الرأي اليمن، تحدث عن زميل دراسته في كلية الإعلام بجامعة صنعاء، ” أحمد حوذان شاب مكافح ومن أسرة متوسطة وكان هو يعيلها وهو أيضا والد لطفلة.. فضل البقاء في صنعاء والعمل في الجانب الإنساني والإغاثي واعتزل العمل الصحفي مؤخرا لما أصبحت تكاليف العمل فيه باهضة لدى أطراف الصراع حيث ينظر الجميع الصحفي كجدار قصير” إلا أنه بلا سند.
تجاهله الجميع
ويستغرب الصحفي عبدالسلام الغباري زميل آخر لحوذان في الجامعة، نزح إلى مأرب في وقت مبكر، “تجاهل المنظمات ونقابة الصحفيين لمعاناة الصحفي حوذان، وعدم تناول حادثة اختطافه في وسائل الإعلام ولم تصدر من أجله أي ادانة واحدة من المنظمات المحلية على أقل تقدير”.
فيما استحضر معاذ راجح أبن محافظة حوذان، زيارة الأخير قبل نحو شهرين من حادثة الاختطاف، حيث كان حوذان ضمن عمل ميداني لمشروع تمكين القيادات المحلية، في مديريته الأولى، لكن الاقدار لم تسعفهما باللقاء.
وذكر راجح آخر حديث له مع حوذان عبر التواصل الاجتماعي، – قبل نحو اسبوعين من حادثة الاختطاف، “شكا الأوضاع المأساوية التي يعانيها الكثير من سكان العاصمة صنعاء، منتقداً أطراف الصراع (شرعية وحوثيين) والتحالف الذي تقوده السعودية والذي تسبب ايضاً في مزيد من الدماء وتردي الاوضاع الاقتصادية والمعيشية.
كان يأمل حوذان –حسب صديقه راجح- أن يتمكن من تعلم اللغة الانجليزية خلال هذه الفترة، كي يتسنى له بعد انتهاء الحرب وعودة الأوضاع إلى حالها الطبيعي من تحضير الماجستير، لكن الدخل المتدني وقف عائقاً امامه لثلاث سنوات.
صورة حوذان لا تحضر مع زملائه المختطفين في سجون الحوثيين، ولم يسلط على وضعه الضوء كباقي المعذبين في سجن الأمن السياسي، إذ كانت أسرته تأمل أن تتمكن من الإفراج عنه بشكل ودي وبجهود مجتمعية وظلت صامتة على اختطافه لعدة أشهر قبل أن تفصح عن ذلك مؤخراً.
نقلا عن: المصدر اون لاين