إنها الحمى فقط ..

07:57 2019/01/20

رفعت رأسي الذي يضج بالألم حين دخل الرجل وامتعضت رغما عني .. 
 
أن تصادف تلك الكائنات في أزقة الأحياء والشوارع فالأمر غير مستفز إلى حد ما؛ فهم كالذباب الذي يكثر في المزابل ويؤذي النظر ..
 
وحين يصعدون الحافلات يسبقهم السلاح في الصعود كبطاقة تعريف تقول " هذا الشخص يشعر بالنقص"
 
سبق وأن اعتلى أحدهم باصاً من تلك التي كراسيها متقابلة ومدد سلاحه في حجره كوحش مفترس بعين واحدة؛ هذه العين القاتمة مصوبة لطفلة تجلس قرب أمها ..
 
وبشكل مستفز كان يتحسس أعضاء السلاح بحميمية مرضية .
 
وفجأة قفز الباص في ارتفاع مطب مفاجئ ليستقر في ذات اللحظة التي استقرت فيها رصاصة في صدر الطفلة من فوهة ذلك الوحش البريء في حجر الناقص .
 
أين رجولته المفتعلة التي أكمل نقصها بحمل السلاح وهو يهرول هاربا كساقط يخفي عورته العقلية والأخلاقية ؟!!
 
لا أحد يدري كيف يفكرون !!
 
أما كيف سُمح لهذا الشخص أن يدخل عيادة طبية برفقة أداة القتل هذه ؟!
 
إنها فوضى ألا قانون .
 
جلس قبالتنا أنا وصديقي متوشحا سلاحه على كتفه للحظات؛ ثم كأن السلاح لم يرقه أن يظهر جزئيا من خلف كتفه أجلسه على المقعد الطويل جواره ..
 
ما لبث السلاح أن استلقى من تلقاء نفسه مصوبا إلينا عينه الوحيدة في غطرسة واضحة؛ لكزت صديقي كي يرى هذا المنظر المشجع على الشفاء .
 
فقال لي بامتعاض : إنه لا يعضّ .
 
كان الرجل يتحدث على هاتفه الخلوي ويده الأخرى تمسك السلاح المصوب إلينا كأنما يمنعه أن يقفز ليعضّنا فعلا .
 
التفت لي صديقي وابتسم بسخرية وهو يرى توتري يتصاعد وعدائي السافر للسلاح يشهر حواسي كلها .
 
كنت بين نظرات صديقي الهازئة ونظرة السلاح القاتمة أتشجع بسخرية الأول على خوف الثاني.
 
بعد برهة بدا صوت الرجل يعلو وهو يحدث الطرف الآخر؛ وبدأت يده تخبط في السلاح بدلاً من التربيت السابق؛ وبدا ضيقي يتفصد عرقا يلمحه صديقي فيغرق بالضحك .
 
هل أنا مصاب برهاب السلاح ؟!!
 
ازدادت حدة الرجل وبدا يكيل شتائم مقذعة وتهديدات غاضبة لشخص ما هو مصدر التشنج في حديثه .
 
 بلغ قلقي أقصاه وأنا أراقب يده تعبث بالسلاح في أماكن أعرف أنه ينبغي ألا يعبث بها أحد وهو في كامل وعيه ناهيك عن شخص فقد أعصابه ونسي أين باتت يده .
 
لم أعد أهتم لضحكات صديقي المكتومة وهو يراقب حركاتي القلقة وجبيني المتعرق؛ سأقول له لاحقاً أن ذلك بسبب الحمى التي أتينا إلى العيادة الطبية من أجلها .
 
أصبحت نظراتي مصوبة إلى فوهة الرشاش وكأنها تتسع لتبتلع حجرة الانتظار كلها .
 
يبدو أنها الحمىّ فعلا وأني بدأت أهذي .
 
وفجأة دوى الصوت ورأيت فوهة السلاح تحمر كعين الشيطان قبل أن يسقط صديقي يتخبط في دمه عند قدمي ..
 
يا الله ..
 
احتضت رأس صديقي وأنا أهوي عليه في هلع ..
 
أنا لست خائفا يا صديقي ولا أنت متّ .. إنها الحمى فقط .