Image

تقرير استراتيجي امريكي: تنظيم القاعدة.. أكبر المستفيدين من فوضى "الربيع" في اليمن

في الوقت الذي هيمن فيه تنظيم داعش، وتصدر عناوين الأخبار الرئيسية وشغل مسؤولي الأمن الوطني على مدى السنوات الأربع الماضية، فإن تنظيم القاعدة كان يعيد بناء كيانه وقوته بهدوء. إن إعلان تنظيم القاعدة في الصيف الماضي عن فرع آخر تابع له - ذلك الفرع المكرس لتحرير كشمير - إلى جانب إحياء وجوده في أفغانستان وتصلب نفوذه في اليمن وسوريا والصومال، يؤكد على المرونة والحيوية المستمرة التي يتمتع بها.

وبالفعل تسبب "الربيع العربي" عام 2011 وما أعقبه من اضطرابات بشكل كبير، في مساعدة التنظيم على إحياء نفسه بقوة.

في ذلك الوقت، كان التفاؤل الجامح بين النشطاء الحقوقيين المحليين والإقليميين والحكومات الغربية أن توليفة من الاحتجاجات الشعبية والعصيان المدني، سيجعل الإرهاب والعنف في زمن الغابرين. لكن ما حدث أن تنظيم القاعدة اكتشف فرصا جديدة ومغرية، مستغلا فوضى "الربيع" للتمكن وبسط نفوذه بشكل أكبر واقوى.

وفي وقت لاحق، أُكتشف أن تنظيم القاعدة كان من بين أكثر القوى الإقليمية التي استفادت أكثر من فوضى "الربيع العربي". بعد سبع سنوات، ظهر أيمن الظواهري كزعيم قوي، برؤية استراتيجية نفذها بشكل منهجي. عدد القوات الموالية لتنظيم القاعدة وفروعه الآن يبلغ عشرات الآلاف، مع القدرة على تعطيل الاستقرار المحلي والإقليمي، وكذلك شن هجمات ضد أعدائه في الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا وجنوب شرق آسيا وأوروبا وروسيا.

في الواقع، استطاع تنظيم القاعدة بفضل فوضى "الربيع العربي" تجميع حركة عالمية تضم أكثر من 24 فرعا، من شمال غرب أفريقيا إلى جنوب شرق آسيا. في سوريا وحدها، أصبح لدى القاعدة الآن ما يزيد عن عشرين ألف رجل مدججين بالسلاح، ولربما أربعة آلاف آخرين في اليمن ونحو سبعة آلاف في الصومال.

على الرغم من أن تنظيم داعش - الذي انشق عن القاعدة - قد استحوذ على اهتمام العالم منذ ذلك الحين، إلا أن تنظيم القاعدة قام بإعادة بناء فروعه المختلفة وتحصينها بهدوء. نفذ القاعدة بشكل منهجي استراتيجية طموحة تهدف إلى حماية قياداته العليا المتبقية وترسيخ نفوذه في أي مكان كان للتنظيم فيه حضور كبير.

وبناء على ذلك، تم نشر قادته في اليمن وسوريا وإيران وتركيا وليبيا، مع بقايا صلبة فقط من كبار القادة الذين ما زالوا في أفغانستان وباكستان.

إن التقدم في أدوات الاتصال الرقمي، إلى جانب الكشف العام المتتابع للولايات المتحدة وقدرات التنصت على أجهزة الاستخبارات المتحالفة معها، مكن قادة تنظيم القاعدة من الحفاظ على الاتصال عبر تقنية تشفير آمنة.

لم يعد داعش يتنافس مع القاعدة من حيث النفوذ أو الوصول أو القوة البشرية أو التماسك. وفي مجالين فقط، فإن داعش الآن أقوى من منافسيه الآخرين: طبعه الشرس وقدرته المفترضة على شن هجمات إرهابية مذهلة في أوروبا. لكن تنظيم القاعدة هو نتاج قرار استراتيجي للظواهري بحظر العمليات الخارجية في الغرب حتى يمكن إعادة بناء القاعدة دون تدخل. توفر بعض الاستثناءات لهذه السياسة - مثل هجمات شارلي إبدو في عام 2015 في باريس وتفجير مترو سانت بطرسبورغ 2017 في روسيا - دليلاً دامغًا على أنه يمكن بسهولة إعادة تنظيم قدرات العمليات الخارجية للقاعدة.

إن قدرة القاعدة في اليمن على شن عمليات إرهابية دولية - وخاصة استهداف الطيران التجاري - كانت في الآونة الأخيرة موضوعا لقصص صحيفة نيويورك تايمز.

إن نجاح القاعدة في إعادة إحياء شبكته العالمية هو نتيجة لثلاث خطوات استراتيجية قام بها الظواهري. الأول هو تعزيز نهجه اللامركزي الذي سهل بقاء التنظيم. على مر السنين، تم دمج قادة ونواب فروع القاعدة البعيدة في العمليات التداولية والاستشارية للتنظيم. واليوم، أصبح القاعدة "محلي-دولي"، بعد أن أدرج المظالم والمخاوف المحلية بشكل فعال في جدول اعماله الدولية.

الخطوة الرئيسية الثانية وهي الأمر الذي أصدره الظواهري في عام 2013 لتفادي عمليات الإصابات الجماعية، خاصة تلك التي قد تقتل المدنيين المسلمين. وهكذا أصبح القاعدة قادرا على تقديم نفسه عبر وسائل الإعلام الاجتماعية، على نحو متناقض، كـ "متطرفين معتدلين"، على عكس تنظيم داعش.

ويعكس هذا التطور القرار الاستراتيجي الثالث للظواهري، والذي يسمح لداعش بامتصاص جميع الضربات من التحالف الدولي ضده بينما يقوم القاعدة بإعادة بناء قوته العسكرية بشكل غير ملحوظ.

المصدر: مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية وهو معهد أبحاث سياسات ومنظمة في شكل خلية تفكير مستقلة أمريكية، هدفها تحليل سياسة الولايات المتحدة الخارجية والوضع السياسي العالمي، تتكون من أكثر من 5 آلاف عضو، جلهم من كبار السياسيين، وعشرات من وزراء الخارجية، ومديري وكالة المخابرات المركزية، ومحامين، وأساتذة، وكبار الشخصيات الإعلامية.