لماذا تلجأ قيادات الحوثيين إلى تكتيك التسريبات عن مفاوضات سرية تجريها مع جهات إقليمية ودولية؟
تحاول مليشيا الحوثي تطويق الهزائم العسكرية والسياسية التي تتلقاها عبر افتعال تسريبات عن وجود قنوات للحل السياسي، ودفع سلطنة عمان إلى القيام بدور في هذا الاتجاه.
وتقول أوساط يمنية ودولية، إن الحوثيين وطهران يحاولون استثمار التسريبات حول لقاء سري بين السعودية والمتحدث باسم الحوثيين محمد عبدالسلام لخلق اهتمام دولي بالمفاوضات اليمنية وإعطاء وقت للحوثيين لاستعادة أنفاسهم وترتيب تحالفاتهم وأوراقهم لوقف تدهور الوضع العسكري لفائدتهم.
وباستقراء المواقف الأخيرة، للجهات الإقليمية والدولية الفاعلة في الملف اليمني، يلحظ وجود إجماع دولي، حتى اللحظة على الأقل، على عبثية إعادة تحريك قطار المفاوضات مع المتمردين الحوثيين، سواء تلك التي بدأت بإشراف الأمم المتحدة وتحت مظلتها، أو المفاوضات الجانبية.
وتعكس مواقف الأطراف الدولية مجتمعة، عدم وجود ثقة ولو بمستويات متدنية، في رغبة جماعة الحوثيين، لخوض أية مفاوضات مسؤولة بنوع من الجدية، بل إن ثمة قناعة مسبقة لدى هذه الجهات بأن الحوثيين يرفضون فكرة الحل من أساسها.
ويقول مراقبون دوليون، إن التفاوض السياسي الذي تريده إيران والحوثيون لم يعد ممكنا ليس فقط لكونه مناورة لربح الوقت، ولكن لأن الجبهة العسكرية والحزبية والشعبية أصبحت قوية وممسكة بغالبية الأراضي اليمنية، وأن الحسم العسكري يحتاج فقط إلى الوقت وترتيب تفهم دولي أوسع ستعطيه زيارة ولي العهد السعودي إلى واشنطن الضوء الأخضر.
وكشف مصدر صحافي أمريكي، معلومات إضافية، من كواليس نقاشات الرئيس دونالد ترامب، مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حول الحرب في اليمن.
وقال المصدر الذي كان حاضرا في لقاء بن سلمان وترامب، لمحرر وكالة "خبر" للشؤون الدولية، عبر البريد الالكتروني، إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، منح السعودية مزيدا من الضوء الأخضر، في حربها ضد ميليشيا الحوثي في اليمن. وفي المقابل، طالب ترامب ولي العهد السعودي، بسرعة الإنجاز، وتجنب استهداف المدنيين، والعمل على تخفيف الجانب الإنساني.
وأشار إلى أن محمد بن سلمان، طلب من الولايات المتحدة زيادة الدعم الاستخباراتي الأمريكي في الحرب باليمن، أكثر من السابق.
والراجح لدى كثيرين، أن قيادات الحوثي نفسها، تقف وراء التسريبات التي تحفل بها وسائل إعلام دولية من وقت لآخر، حيال مفاوضات سرية تجريها مع جهات إقليمية ودولية، بالرغم من أن وفدها أسير للعزلة في مسقط لأكثر من شهرين، باستثناء زيارات بائسة إلى طهران وتركيا وبرلين.
وقال الخبير الامريكي بالشؤون الخليجية واستاذ شؤون الشرق الأوسط في جامعة رايس الأمريكية الدكتور كريستيان كوتس اولريخسن لوكالة "خبر": "كنت في واشنطن هذا الأسبوع وقمت ببعض الاستفسارات حول المفاوضات المفترضة في عُمان، وبقدر ما أستطيع أن أقول، لم تكن هناك مفاوضات بين الحوثيين والسعوديين".
وأضاف الخبير الأمريكي أن تقرير رويترز كان إما خطأ أو كان نتيجة للتضليل قدمه لها شخص لديه أجندة خاصة به.
وكانت وكالة رويترز نقلت عن دبلوماسيين ومسؤولين يمنيين، طلبوا عدم ذكر أسمائهم، أن محمد عبدالسلام تواصل بشكل مباشر مع مسؤولين سعوديين في سلطنة عمان بشأن حل شامل للصراع.
وبرأي مراقبين دوليين، فإن قيادة الحوثيين تلجأ إلى تكتيك التسريبات، تحت ضغط الرفض الإقليمي والدولي للجلوس معها على طاولة مفاوضات شفافة، على أن الدافع من وراء التسريبات هو الإيحاء بأنها تتحرك وتفاوض، فيما هي في الواقع معزولة وفاقدة القدرة للتحرك في المربعات السياسية، ومحاصرة في مساحات ضيقة.
ويلحظ أن المجتمع الدولي يسعى جاهدا لإغلاق الملف اليمني، لكنهم يرون أن وقف الدعم الإيراني للحوثيين بات مدخلا لأي تسوية تنهي الحرب في اليمن.
وتقول مصادر دبلوماسية غربية لوكالة "خبر"، إن واشنطن مهتمة في المرحلة المقبلة بلعب دور مهم في ضرب القنوات التي يتسلل عبرها السلاح الإيراني إلى الحوثيين في اليمن.
وكثفت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، من تحركاتها، على مستويات عليا في الأيام القليلة الأخيرة سعيا لقطع الاذرع الإيرانية عن الحوثيين في اليمن.
والتقى السفير الأمريكي لدى اليمن بمحافظ المهرة، في سياق التحركات للحد من تهريب الأسلحة للحوثيين عبر الحدود الشرقية لليمن، مبديا دعم الإدارة الأمريكية تدريب قوات مهرية لحماية شواطئ المحافظة ومنع إيران من استخدام المهرة كترانزيت لمرور التهريب.
وجاء لقاء السفير الأمريكي بمحافظ المهرة بعد يوم من زيارة وزير الدفاع الأمريكي إلى سلطنة عمان لبحث الوضع في اليمن، ومناقشة الحد من تهريب الأسلحة الإيرانية للحوثيين.
وتزامنت زيارة ماتيس مع زيارة قائد القوات المشتركة البريطانية كريستوفر ديفريل إلى سلطنة عمان، ما يجعل الأمر مرتبطا بتنسيق جدي أوسع لوقف التهديد الإيراني، فضلا عن كونه مؤشرا على تنسيق أمريكي بريطاني لوقف تدفق الأسلحة للمتمردين الحوثيين.
مأزق الحوثيين يتسع
وما يزيد من مأزق الحوثيين، هو التحول اللافت الذي طرأ في الموقف الروسي إزاء ملف الأزمة في اليمن، عقب مقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح، إذ وضعت موسكو على لسان سفيرها لدى اليمن، نزع سلاح المتمردين الحوثيين، شرطا لأي مقاربة للحل.
وقد عزز هذا التحول في موقف روسيا تصريح أدلى به وزير خارجيتها سيرجي لافروف خلال مؤتمر صحفي، وصف فيه مقتل الرئيس صالح بالجريمة البشعة، التي هدفت إلى تعطيل المسار السياسي.
وفهمت فرنسا بدورها رسالة الحوثيين بتصفية "صالح"، في سياق الكمائن التي تراكمها الجماعة المسلحة أمام طريق اليمن إلى السلام، إذ اعتبرت باريس أن قتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح أدى إلى تضييق فرص الحل السياسي للأزمة اليمنية، وزاد الحالة في اليمن تعقيدا.
من جانبه، أكد كبير خبراء مؤسسة "جيمس تاون" الاستخبارية الأمريكية، مايكل هورتن، بأن هناك مؤامرة دولية وكبيرة على اغتيال الرئيس اليمني السابق، علي عبدالله صالح.
وقال الخبير الأمريكي، في حديث خاص لمحرر وكالة "خبر": "هناك مؤامرة دولية وكبيرة على اغتيال الرئيس صالح وأكثر مما يتصور. لقد علمت ذلك وانه من المنطقي من كل ناحية".
وقال هورتين، ردا على سؤال محرر "خبر" للشؤون الدولية، عن أسباب تفاقم انتكاسات الحوثيين وتعاظم انتهاكاتهم بعد اغتيال الرئيس صالح: "لقد كان اغتيال صالح شيئًا مخيفا جدا وسوف يكلف الحوثيين غاليا جدا".
وأضاف، أن قتلهم صالح (الحوثيين) كان بداية نهايتهم وسقوطهم، ومن الواضح أن هناك تراجعا ملحوظا للحوثيين بعد اغتيال الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح".
وقال الخبير الأمريكي، إنه و"على الرغم من أخطاء صالح، لكني أكن له احتراما كبيرا. كان بإمكانه الخروج من اليمن واللجوء إلى مكان فاخر يعيش فيه، لكنه لم يفعل ذلك.. شجاعته منعته من ذلك".
تقارب حوثي - إصلاحي
وحول ما يبدو تقاربا بين الحوثيين وحزب الإصلاح، مع تزامن زيارة وفد محمد عبد السلام الى تركيا ولقائه مسؤولين تركيين وقطريين إلى جانب قيادات اخوانية بارزة، قال بروس ريدل مستشار سابق لأربعة رؤساء امريكيين لوكالة "خبر": "إن الحرب لم تزداد تعقيدا إلا عندما بدأت عامها الرابع، مضيفا: "من الغرابة تحالف حزب الإصلاح والحوثيين، لكن هذا الكابوس المحزن والمروع يفرز عنه تغييرات مستمرة في الولاءات".
وبشأن زيارة وفد الحوثي العاصمة التركية انقرة، ولقائه بمسؤولين تركيين، قال بروس ريدل لـ"خبر": "الأتراك تعقيد آخر في مأساة اليمن. وترغب إيران في تشجيع الدول الأخرى على دعم الحوثيين".
ولفت ريدل أن تركيا حريصة على إعطاء السعودية العين السوداء. مشيرا في الوقت ذاته ان قطر تبحث عن أماكن وأدوات لغرق السعوديين والإماراتيين في مأزق اليمن. مؤكدا أن جميعهم لا يهتمون بالشعب اليمني الذي وقع ضحية المنافسات الإقليمية.
وأضاف ريدل: "لا أشعر بالدهشة من أن عمان علم زائف، فالسعوديون ليسوا مستعدين لإجراء محادثات مع المتمردين الحوثيين".
وكشفت مصادر خاصة عن عقد وفد حوثي برئاسة الناطق الرسمي باسم الجماعة محمد عبدالسلام سلسلة لقاءات مع قيادات بارزة في جماعة الإخوان – فرع اليمن، وقيادات من الفصيل الموالي لإيران في الحراك الجنوبي خلال الآونة الأخيرة، بهدف عرقلة التقدم الذي تحققه القوات المناهضة للحوثيين.
ووفقا للمصادر، فقد التقى الوفد الحوثي في مدينة إسطنبول التركية التي توقف فيها بعد عودته من العاصمة الألمانية برلين، بقيادي بارز وشيخ قبلي من حزب الإصلاح وبرلماني إخواني من المحسوبين على الجناح المدعوم من قطر.
ممارسات حوثية رعناء
ويلحظ أن جماعة الحوثيين، نجحت إلى حد ما – عبر ممارسات رعناء- في فتح أعين المنظومة الأممية إلى الخطر الذي تشكله على المصالح الدولية في خاصرة الجزيرة العربية.
وقد حمل البيان الرئاسي الصادر أخيرا عن مجلس الأمن، إشارات صريحة إلى إمكانية اضطلاع الدول الأعضاء بإجراءات ردعية فيما يتعلق بالتهديدات لحركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب الاستراتيجي.
وقال المجلس في البيان، إنه يأخذ بجدية بالغة محاولات الحوثيين شن هجمات على الملاحة البحرية حول باب المندب، الممر الاستراتيجي للملاحة البحرية.
وشدد المجلس، على ضرورة استمرار ممارسة الحقوق والحريات المتصلة بحرية الملاحة في مضيق باب المندب وما حوله، وفقا لأحكام القانون الدولي ذات صلة.