
في ذكرى يوم الديمقراطية اليمنية 27 ابريل .. نهج ورؤية خطها الصالح لعزة اليمن .. اغتالها العملاء
جاءت الديمقراطية عبر فروعها الانتخابية المتعددة التي أرسى مدامكها وقواعدها في اليمن الرئيس الشهيد الزعيم علي عبدالله صالح، لتجسد حدثاً ديمقراطياً مهماً في إطار التوجه السياسي لاستكمال البناء المؤسسي للدولة اليمنية الحديثة، وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية في صنع القرار وإدارة الشؤون المحلية، كما أنها جاءت لترسيخ النهج الديمقراطي الذي بدأ مع تولي الصالح الرئاسة في الشمال، لتكتمل حلقات الديمقراطية مع تسليمه للسلطة في 27 فبراير 2012، قبل ان يتم اغتيالها من قوى الفشل والفوضى والمؤامرة بعد ذلك التاريخ.
رؤية ونهج
ومع وصول الرئيس الشهيد الزعيم علي عبدالله صالح الى الرئاسة في شمال البلاد 17 يوليو 1978، وصلت معه الديمقراطية الى اليمن، خاصة وأنه كان أول رئيس يأتي الى الرئاسة بالانتخابات وليس بالانقلاب، وهي طريقة لم تكن معهودة في اليمن ولا المنطقة، فقد تم انتخابه رئيسًا، أي بالطريقة الديمقراطية، والتي ظل يجسدها على مدى مشواره الريادي في رئاسة البلاد، حتى تسليمه للسلطة سلميًا في 27 فبراير 2012، فالديمقراطية بدأت وعاشت مع الرئيس الصالح، ليتم اغتيالها من قبل قوى الفشل والعمالة، بعد ذلك التاريخ.
ويدوّن التاريخ المعاصر، بأن الرئيس المنتخب الصالح في شمال اليمن، كان أول من اعتمد الديمقراطية نهجًا لحكمه، حيث اقرار انتخابات للتعاونيات والنقابات، والحكم المحلي في بداية ثمانينيات القرن الماضي، كما اعتمد الحوار مع جنوب الوطن حينها " جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" الحوار لا القتال والصراع للتوصل الى إعادة وحدة البلاد سلمًا، وهو ما حققه فيما بعد، على عكس الرؤساء الخمسة الذين تعاقبوا على الحكم شمالًا منذ ثورة 26 سبتمبر.
تعريف الديمقراطية:
الديمقراطية هي وسيلة لتنظيم المجتمع. وكلمة ديمقراطية تأتي من اللغة اليونانية وتعني تقريبا "حكم الشعب"، أي أن الشعب، في الديمقراطيات، هو الذي يمتلك السلطة السياسية، من خلال اجراء انتخابات متعددة ونزيهة من قبل جميع السكان البالغين رجال ونساء، على ان يكونوا قادرين على التصويت.
نماذج الديمقراطية:
للديمقراطية اربعة نماذج رئيسية هي : "التمثيلية - التشاركية، والتعددية، والنخبوية".
وهناك نموذج الديمقراطية المباشرة، وهي شكل من أشكال الديمقراطية يتخذ فيها الشعب قرارات بشأن المبادرات السياسية عبر تصويت مباشر من أفراد الشعب، على عكس الديمقراطية التمثيلية. يمكن لعمليات إصدار الأوامر التنفيذية، تشريع القوانين، انتخاب وإقالة المسؤولين، وإجراء المحاكمات أن تخضع للديمقراطية المباشرة، وذلك حسب النظام الذي يطبقها.
اما الديمقراطية الغير مباشرة: فهي الديمقراطية النيابية تعني أن الشعب -وهو صاحب السيادة- لا يقوم بنفسه بممارسة السلطة التشريعية، وإنما يعهد بها إلى نواب عنه ينتخبه لمدة معينة، وينيبهم عنه في ممارسة هذه السلطة باسمه. فالبرلمان في الديمقراطية النيابية هو الممثل للسيادة الشعبية وهو الذي يعبر عن إرادة الشعب، من خلال ما يصدره من تشريعات أو قوانين.
ومن أسس الدولة الديمقراطية:
المساحة الجغرافية، والسكان، والسلطة، وسيادة واستقلال الدولة.
ما هي شروط الديمقراطية؟
تقول إحدى النظريات أن الديمقراطية تتطلب ثلاثة مبادئ أساسية: السيطرة التصاعدية (السيادة التي تقطن أدنى مستويات السلطة)، والمساواة السياسية، والأعراف الاجتماعية التي ينظر الأفراد والمؤسسات بموجبها فقط إلى الأفعال المقبولة التي تعكس المبدأين الأولين للسيطرة التصاعدية والمساواة السياسية .
ما نوع الديمقراطية في اليمن؟
اليمن جمهورية ذات هيئة تشريعية ثنائية المجلسين. وبموجب الدستور، يتقاسم السلطة رئيس منتخب، ومجلس نواب منتخب مؤلف من 301 مقعد، ومجلس شورى معين مؤلف من 111 عضوًا. مدة الولاية الرئاسية 7 سنوات، ومدة الولاية البرلمانية المنتخبة 6 سنوات
صفات القائد الديمقراطي:
يأخذ اقتراحات فريق العمل بجدية، ويثق في رؤيتهم.
يستمع إلى مشكلات المرؤوسين بانتباه بل ويعمل على إيجاد أفضل الحلول لها.
يولي بعض الأشخاص مهام قيادية وإدارية، ولا يواجه مشكلة في تفويض المهام المختلفة.
يكون أكثر مرونة في تطبيق قوانين ولوائح العمل.
لا يوجه النقد لأحد أعضاء الفريق أمام الآخرين.
وكل تلك الصفات- وأكثر- كانت موجودة ومغروسة لدى الزعيم الراحل علي عبدالله صالح، الذي جعل الديمقراطية نهجًا ورؤية لقيادة اليمن نحو المستقبل.
اشراقة الديمقراطية وغرسها مع الوحدة
عمل الرئيس اليمني الشهيد علي عبدالله صالح خلال مسيرة حياته السياسية، على ترسيخ النهج الديمقراطي، باعتماد التعددية الحزبية والانتخابات نهجًا لليمن الموحد عقب إعلان الوحدة المباركة في 22 مايو 1990.
ويمثل يوم 27 ابريل من كل عام محطة رئيسية ليتذكر اليمنيون من خلاله كيف كان عهد نظام حكم الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، فهذا اليوم يجسد محطة للحرية والتجسيد الكامل لحكم الشعب نفسه بنفسه عبر إرساء مداميك الديمقراطية والتعدد السياسي والتداول السلمي للسلطة واختيار الشعب من يمثله.
ففي مثل هذا اليوم من العام 1993م، دخل اليمن مرحلة جديدة في تاريخه السياسي في أول تجربة انتخابية ديمقراطية تنافسية انتقلت فيها كل القوى السياسية من خندق الصراعات المحكومة بالأيديولوجيا إلى مرحلة التنافس السلمي في صورة جمعت كل ألوان الطيف السياسي التي كانت حصيلة انتقال اليمن من نظام الحزب الواحد إلى التعددية الحزبية.
ولهذا اليوم في الذاكرة السياسية اليمنية دلالات كبيرة إذ شكَّل انتصارًا لنضالات الشعب اليمني من أجل الديمقراطية والعدالة التي وصفها الشهيد الرئيس علي عبدالله صالح في غير مرة بأنها " سفينة النجاة للأنظمة السياسية" و" خيار لا رجعة عنه " في مبادئ أسست لمرحلة جديدة أكثر تطورًا وانتقلت فيها البلد إلى مصاف الدول المتحضرة في تجربتها السياسية.
صناعة تاريخ مغاير لواقع المنطقة
وفي هذا اليوم أيضا صنع اليمنيون تاريخًا سياسيًا جديدًا بتجربة مبكرة عكست حالة الانسجام والتوافق بين أطراف المعادلة السياسية من اليمين إلى اليسار في فترات عصيبة كانت فيه الكثير من المناطق في العالم تعيش أجواء صراع وتناحر سياسي.
وفي هذا الوقت كان اليمن يضع قدميه على أول تجربة ديمقراطية على عكس ما هو موجود في محيطه الجغرافي، ومن خلال تلك التجربة التنافسية جرت انتخابات برلمانية على خارطة سياسية أكدت مقدرة اليمنيين على صناعة المعجزات في نقل المعترك السياسي إلى ميدان التنافس الديمقراطي الشريف والمسؤولية الوطنية بعيدًا عن كل قواميس الصراعات والاحتقانات السياسية.
وجسَّدت التجربة الانتخابية البرلمانية الأولى أبريل 1993 ، والثانية أبريل 1997 ثم التجربة الثالثة أبريل 2001 حرص القيادة السياسية في الالتزام والحفاظ على هذا الخيار باعتباره الطريق الوحيد لبناء يمن جديد ديمقراطي وسلمي متطلع إلى المستقبل .
وتأتي التجربة الرابعة للانتخابات النيابية في أبريل العام 2007 وقد خاض اليمنيون تجارب انتخابية أكثر تقدمًا في تجربتين للانتخابات المحلية وتجربتين للرئاسية شهدت الكثير من التطور بشهادة الكثير من مراكز الأبحاث الدولية والخبراء في الشأن الديمقراطي.
أرقام في إطار التجربة الديمقراطية
في يوم 27 أبريل 1993م، كانت البداية لأول انتخابات برلمانية بعد تحقيق الوحدة اليمنية الخالدة في الثاني والعشرين من مايو 1990م، وشارك فيها أكثر من 2.7 مليون يمني أدلوا بأصواتهم لمرشحيهم، كان عدد النساء أكثر من 500 ألف امرأة، وكان المرحلة الأولى لتجسيد الديمقراطية، باختيار الشعب اليمني من يمثلهم في البرلمان.
وبلغ عدد المرشحين لعضوية مجلس النواب في الانتخابات البرلمانية الأولى (3181) مرشحًا في كافة الدوائر الانتخابية البالغ عددها (301 دائرة) على مستوى اليمن، بينهم (41 امرأة)، ومن بين العدد الإجمالي المذكور كان هناك (1215) مرشحاً عن أحزاب سياسية، والباقي وهو العدد الأكبر المقدر بـ(1966) مرشحاً كانوا مستقلين.
الجولة الثانية للديمقراطية، وتحديداً المرحلة الثانية في الانتخابات البرلمانية كانت في 27 أبريل 1997م، والتي بلغ عدد المرشحين فيها (2311) مرشحاً، منهم (557) مرشحاً مستقلاً، والبقية من الأحزاب السياسية. فيما بلغ عدد النساء المرشحات في هذه الانتخابات نحو عشرين امرأة، فيما أدلى فيها المواطنون بأكثر من 2.8 مليون ناخب وناخبة.
وفي 27 أبريل 2003م، كانت المرحلة الثالثة من الانتخابات البرلمانية، وتقدم للانتخابات 19 حزباً وتنظيمًا سياسيًا بـ(991) مرشحًا للمقاعد البرلمانية الـ301، بالإضافة إلى (405) مرشحين مستقلين، وتم تسجيل أكثر من ثمانية ملايين مواطن في جداول الناخبين، بمن في ذلك الناخبات اللائي تضاعف عددهن تقريباً مقارنة بانتخابات 1997م (3.4 مليون مقابل 1.8 مليون ناخبة).
أول محاولة اغتيال للديمقراطية
ومن خلال التجارب الديمقراطية تم اكتشاف مدى فشل الكيانات السياسية التقليدية التي خرجت من جحور الزمن الى العلن مع الوحدة اليمنية المباركة، لتبدأ مؤامراتها ضد البلاد ونهجه الديمقراطي، حيث كان من المقرر أن تتم الجولة الرابعة من الانتخابات البرلمانية اليمنية في 27 أبريل 2009م، لكن تم تأجيلها بناءً على طلب من أحزاب المعارضة التي كانت تُعرف حينها بأحزاب اللقاء المشترك، وبررت طلبها ذلك بأنها غير مستعدة وغير جاهزة لخوضها.
تلك الاحزاب التي نفذت محاولة اغتيالها الأولى للديمقراطية اليمنية الرائعة، طلبت التأجيل حتى تتمكن من تمكين نفسها في مختلف الجوانب، واستمر التأجيل حتى جاءت فوضى الربيع العبري في العام 2011م، وحينها توقفت أعمال الديمقراطية، وأنهى الرئيس علي عبدالله صالح مهامه بنقله للسلطة لخلفه عبد ربه منصور هادي بانتخابات توافقية يوم 21 فبراير 2012م، وتسليمه السلطة في 27 فبراير 2012م.
مرحلة الديمقراطية الرئاسية
لم يتوقف قطار النهج الديمقراطي للزعيم الراحل عند اجراء الانتخابات البرلمانية، بل تم تعميق تلك التجربة باجراء انتخابات رئاسية هي الاولى في المنطقة، جسد صورها الشهيد الراحل بأروع وأنصع صور الديمقراطية في تاريخ اليمن، من خلال ممارسة الشعب اليمني كامل حقوقه الدستورية والقانونية باختيار من يمثلهم في رئاسة البلاد، وفي المجالس المحلية، بالإضافة إلى انتخاب المحافظين الذي تم في مايو 2008م.
وجرت الانتخابات الرئاسية بعد تحقيق الوحدة اليمنية الخالدة عبر 3 دورات، الأولى في 23 سبتمبر من العام 1999م، وكانت أول انتخابات رئاسية مباشرة في شبه الجزيرة العربية، أعقبها الانتخابات الرئاسية في 20 سبتمبر 2006م، وكان الفائز فيهما هو المرشح علي عبدالله صالح، وحقق فوزاً ساحقاً في كل منهما، ثم انتهت في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 21 فبراير 2012م، والمرشح الوحيد فيها عبدربه منصور هادي، وكان مرشحاً توافقياً، لكنه لم يحافظ على الديمقراطية التي سلمها له الرئيس علي عبدالله صالح.
تجربة الانتخابات المحلية
وشكَّلت انتخابات المجالس المحلية في اليمن، نوعًا آخرًا من تطور الديمقراطية الصالحية، وكانت ذلك عبر بدورتين: الأولى جرت في 20 فبراير 2001م، حيث جرى فيها الإدلاء عبر صناديق الاقتراع لانتخاب 7104 ممثلاً في المجالس المحلية من أصل 23827 مرشحاً، وفي ذات اليوم أيضاً، أدلى المواطنون بأصواتهم في الاستفتاء على التعديلات الدستورية المقترحة.
وقد تنافس على مقاعد المجالس المحلية في المحافظات والمديريات أكثر من (23) ألف مرشح ومرشحة يمثلون مختلف الأحزاب والتنظيمات السياسية والمستقلين، وأظهرت نتائج تلك الانتخابات التي تزامنت مع الاستفتاء على التعديلات الدستورية عن فوز (6283) مرشحاً ومرشحة في مجالس المديريات و(417) مرشحاً ومرشحة في مجالس المحافظات في الانتخابات الأساسية والتكميلية.
أما الدورة الثانية، فتزامنت مع الانتخابات الرئاسية في 20 سبتمبر 2006م، حيث فاز في انتخابات المجالس المحلية (10657) مرشحاً في المديريات مقابل (47) مرشحة، و9 مرشحات في المحافظات مقابل (952) مرشحاً، وجرت في أجواء خصبة يسودها الأمن والاستقرار والسكينة العامة.
مراحل الديمقراطية
ان جميع مراحل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمجالس المحلية والمحافظين، خضعت لرقابة محلية وعربية ودولية واسعة، في أجواء مفعمة بالوطنية والنزاهة وقد وصف المراقبون الدوليون الانتخابات في اليمن بمختلف دوراتها بأنها "حرة ونزيهة على نحو معقول، وخطوة إيجابية في التطور الديمقراطي في اليمن"، واجمعت أنها لم تغفل يوماً عن مسيرة سنوات من العمل الديمقراطي على الساحة اليمنية، واصفين هذا التحول الذي بدأت ملامحه في التشكل منذ عام 1993م وصولاً لإجراء أول انتخابات رئاسية عام 1999م، وانتخابات البرلمان في 1997م و2003م، والمجالس المحلية في العام 2001م و2006م، وانتخابات رئاسية أخرى في العام 2006م، بأنه "ميلاد التطور الديمقراطي في الجزيرة العربية في تاريخها الحديث".
عقود على الديمقراطية
وفي 17 يوليو 1985م خاض أبناء الشعب اليمني في شمال الوطن سابقاً أوسع انتخابات، حيث تم انتخاب ممثل لكل 500 مواطن لعضوية المؤتمر الشعبي العام وعضوية الجمعيات العمومية للمجالس المحلية للتطوير التعاوني ثم جاءت انتخابات مجلس الشورى عام 1988م لتجسد المبادئ الديمقراطية التي أكد عليها الرئيس الشهيد منذ توليه السلطة، حيث نجده يقول في بيانه السياسي في العيد السابع عشر لثورة 26 من سبتمبر: "إن قناعتنا المستمرة هي أن الديمقراطية حتى تحقق غايتها النبيلة في إطلاق حرية الرأي والفكر والعمل والنقد البناء لا بد أن تكون ديمقراطية حقيقية من خلال الممارسة اليومية لا من خلال الشعارات الجوفاء الخالية من المحتوى التي لا نقد بها إلا الاستهلاك والمزايدة ولهذا كانت خطواتنا لهذا العام مؤكدة نهجنا الديمقراطي الصحيح ودليلا ملموسا على حرصنا على احترام إرادة الشعب".
وظل الصالح يؤكد في أكثر من مناسبة على أن الديمقراطية هي الخيار الحتمي الذي لا تراجع عنه وأنها تشكل بحد ذاتها الأساس المتين والحصن المنيع للحفاظ على الوحدة الوطنية.
وقد مثلت هذه الرؤية مبدأ رئيسيًا لطبيعة النظام السياسي الذي ولد مع إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في الثاني والعشرين من مايو 1990م.
إضافة إلى ذلك فقد جسدت نصوص الدستور والقوانين المنبثقة عنه العديد من المبادئ التي تعد تأكيداً جوهرياً وشكلياً لمبدأ الديمقراطية ومنها:
- التداول السلمي للسلطة
- إن الحريات الشخصية مصونة
- حرية الرأي والتعبير
- حرية المشاركة السياسية
- حق التنظيم سواء أكان سياسي أو ثقافي أو مهني
- حق الترشيح والانتخاب
- الفصل بين السلطات مع وجود تعارف فيها
ويمكن القول أن الممارسة الفعلية والتجسيد الواقعي لمبدأ النهج الديمقراطي والتعددية السياسية في الجمهورية اليمنية قد اكتملت حلقاتها مع تسليم الصالح السلطة بطريقة سلمية رغم ما كانت تعيشه البلاد من ازمة وما زالت حتى اليوم .
الأحزاب السياسية
شهدت فترة حكم الصالح ولادة حوالي 46 حزباً سياسياً عند قيامها، ومع أن ذلك الكم الكبير قد تقلص مع مرور السنوات، إلا أن الحياة السياسية في اليمن ما تزال تصبح بوجود أكثر من 22 حزباً سياسياً تتواجد على أرض الواقع من النواحي الشكلية والقانونية مع الأخذ في الاعتبار أن فاعلية الأحزاب تكاد تنحصر في خمسة أحزاب رئيسية على أرض الواقع، وهي تلك الأحزاب التي استطاعت أن تجد لنفسها مكاناً تحث فيه البرلمان خلال الانتخابات العديدة التي شهدتها اليمن منذ عام 90 وحتى آخر انتخابات برلمانية جرت في السابع والعشرين من أبريل الماضي.
مرحلة الاستفتاء
مثَّل الاستفتاء على دستور الجمهورية اليمنية يومي 15-16 مايو 1991م أول تجسيد واقعي لممارسة العمل السياسي القائم على التعبير عن الرأي والموقف السياسي بشكل صريح وعلني. حاولت قوى الفوضى حينها رفع شعار لا للدستور ومع ذلك نجحت عملية الاستفتاء على الدستور بإعلان اللجنة العليا للاستفتاء على دستور الوحدة يوم الاثنين السابع من ذي القعدة 1411 هـ الموافق 20/5/1991م النتائج النهائية للاستفتاء على الدستور والتي بنيت أن عدد المشاركين في الاستفتاء بلغ (1.314.788) مواطن من إجمالي المسجلين في جداول الاستفتاء البالغ (1.890.646) مواطن أي أن نسبة المشاركة بلغت (72.2%) وبلغ عدد الذين قالوا (نعم للدستور) (1.371.247) بنسبة 98.3% في حين بلغ عدد الذين قالوا لا للدستور (20.409) أي بنسبة 5% فقط ومع أن نسبة الذين صوتوا لصالح دستور الوحدة كان كبيراً والعكس صحيح فإن قبول السلطة آنذاك بوجود رأي معارض بل ومقاطع لعملية الاستفتاء كان دليلاً على أن القيادة السياسية كانت على قناعة تامة بأن الديمقراطية هي النهج الذي أصبح قدراً حتمياً خصوصاً وأن السلطة كانت ما تزال خارجة من إطار حكم شمولي منفرد يرفض مبدأ المعارضة.
تجسيد الديمقراطية
وتجسدت الديمقراطية في عهد الصالح من احترام الحقوق والحريات، حيث تضمن دستور الجمهورية اليمنية والقوانين عنه الكثير من الحقوق من أهمها:
-حق المواطنة
-حق المساواة
-حق الحياة المستقرة الأمنه
-حق حماية حرمة المسكن.
-حق التعبير.
-حق حماية المراسلات وحريتها وصيانتها.
-حق التعليم.
بل أن حقوق الإنسان أصبحت أكثر تجسيداً سواء على المستوى التشريعي الذي اصبح يكفل تلك الحقوق من خلال نصوصه أو في المستوى التطبيقي واستحداث وزارة لحقوق الإنسان في الحكومة اليمنية والذي مثل دليلاً كبيراً على مدى ذلك التوجه.
إضافة الى ذلك تم إنشاء اللجنة الوطنية العليا لحقوق الإنسان إلى جانب صياغة تقرير وطني لحقوق الطفل واستراتيجية حقوق الإنسان والعمل على تأمين بيئات ملائمة لنزلاء السجون في إطار التزامات اليمن تجاه المعاهدات والإعلانات الدولية المعنية بحقوق الإنسان ومن ناحية أخرى تتجلى ممارسة الديمقراطية في حرية التعبير ونشر الرأي من خلال الصحافة التي تنتشر على الساحة اليمنية ولعل إقرار مجلس الوزراء لقانون نقابة الصحفيين وتمهيداً لإقراره خلال العام الحالي من قبل مجلس النواب شكل إضافة جديدة في مسار تطور النهج الديمقراطي اليمني.
مشاركة المرأة في الحياة السياسية
يمثل ولوج المرأة اليمنية في النهج إلى ساحة العمل السياسي تجسيداً آخر على النهج الديمقراطي، ويستند ذلك الولوج للمرأة كافة حقوقها، حيث أصبحت المرأة شريكاً أساسياً في صنع الواقع السياسي اليمني. فضلاً عن مشاركتها في صنع مختلف أصعدة الواقع اليمني.
ويتجسد إعطاء المرأة لحقوقها بشكل أكبر خلال رؤية فخامة رئيس الجمهورية لضرورة مشاركة المرأة وتفعيل أدائها حيث يقول في إحدى خطاباته: لقد ركزت خطاباتكم حول حقوق الإنسان وحرية الصحافة ومشاركة المرأة وتوسيع نطاق المشاركة الشعبية في صنع القرار، ولكننا نريد أن ننتقل نقلة نوعية في التطبيق والعمل الجاد وخاصة فيما يتعلق بالمرأة، وأن لا نستخدمه شعاراً سياسياً، ولكن يجب أن نعطي المرأة حقها في العمل السياسي وفي المشاركة الكاملة وأن لا يصبح الحديث عن المرأة مجرد شعارا".
وتدعيماً لإعطاء المرأة حقوقها على مستوى الممارسة على صعيد الواقع المحلي لليمن. فقد انضمت اليمن إلى العديد من المواثيق والمعاهدات الدولية في مجال حقوق الإنسان والمرأة كتعبير عن مصداقية الالتزام بالنهج الديمقراطي.
واهم هذه الاتفاقيات:
-الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع اشكال التمييز العنصري.
-البروتوكول الخاص باتفاق اللاجئين.
-الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
-العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
-العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
-الاتفاقية الدولية لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.
-الاتفاقية الدولية بشأن عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسان.
-الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق السياسية للمرأة.
-اتفاقية الرضا بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج ولتسجيل عقود الزواج.
-اتفاقية حضر الاتجار بالأشخاص واستغلال الغير.
-الاتفاقية الدولية لمنع جريمة الفعل العنصري والمعاقبة عليها.
-الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل.
-الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب والمعاملة القاسية للإنسان.
-اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1994م وبروتوكولاتها الإضافية لعام 1997م.
فضلاً عن ذلك فإن النقابات والهيئات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية باتت تنتشر على مستوى الوطن اليمني وتمارس حقوقها بشكل ديمقراطي يجسد مدى نمو الوعي السياسي لدى المواطن اليمني على مختلف المستويات.
الحلقة الأخيرة من الديمقراطية
يُعد 27 فبراير 2012م حدثًا تاريخيًا ومكسبًا وطنيًا كأول عملية تبادل سلمي للسلطة أنجزها بنجاح الرئيس الشهيد علي عبدالله صالح، ليرسم بذلك تجربة ديمقراطية فريدة في هذه المنطقة من العالم حيث تعدد نُظم الحكم والصراعات الإقليمية وأعاصير التغيير القادمة من الغرب.
في هذا التاريخ، تمكن الزعيم الخالد الشهيد علي عبدالله صالح من تطوير نوعي في إرساء مداميك التجربة الديمقراطية الفتية في ظل محاولات بعض أبناء اليمن تغيير السلطة الحاكمة بالقوة - وليس تبادلها سلميا – رامين عرض الحائط بمكتسبات الثورة والجمهورية والوحدة، طيشا من بعض شبابها وتقديم مصالح شخصية وحزبية ضيقة من كهول آخرين، مستندين على مخططات خارجية اكتووا بنيرانها لاحقاً.
فكان هذا اليوم الخالد حاملا معه نصرا ديمقراطيا وترجمة لحرص الزعيم علي عبدالله صالح على الالتزام بالدستور والنظام والقانون للخروج بالبلد إلى بر الأمان وعدم إراقة الدم اليمني، وحفاظا على مكتسبات الثورة في تلك المرحلة العصيبة على الرغم من أن اليمن بنى في عهده جيشًا قويًا حاميًا لمكتسبات الوطن وهذا ما يؤكد عدم تسليمه السلطة ضعفًا أو تحت ضغوط داخلية أو حتى خارجية.
وتأكيداً على احترام إرادة الجماهير التي حملته على الأعناق بعد أول فترة رئاسية له بدأها في 17 يوليو عام 1978م، أصر الزعيم الصالح على أن تتم عملية تسليم السلطة للرئيس الجديد كما أقرها دستور الجمهورية اليمنية، المستفتى عليه شعبياً، عبر انتخابات يشارك فيها الشعب اليمني باعتباره صاحب الحق الأول في اختيار رئيس الجمهورية ومصدر السلطات جميعا، وكان له ما أراد.
وفي محفل تاريخي مهيب شهده العالم داخل القصر الرئاسي بالعاصمة صنعاء، حضره سفراء الدول الراعية للمبادرة الخليجية والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي ومبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، أعلن الرئيس علي عبدالله صالح للعالم تسليم كرسي الرئاسة سلميا وهو بذلك يثبت بشكل عملي عدم تمسكه بهذا المنصب كما كان يروج المتآمرون.
تسلَّم الرئيس الجديد كرسي الحكم ومؤسسة الرئاسة ومعها قيادة القوات المسلحة والأمن وكل الحقوق والامتيازات، القانونية والسياسية، المرتبطة بصفة رئيس الجمهورية اليمنية في ظل دولة قائمة بكل مؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، ومعها علم الجمهورية اليمنية؛ على أن يقوم بتسليمها للرئيس المنتخب القادم بعد انقضاء فترة انتقالية مدتها عامان.
وبعد انقضاء عامين من هذه التجربة الخالدة، مع عدم تسليم السلطة سلمياً، دخل اليمنيون في أتون مرحلة مظلمة إثر استيلاء مليشيا كهنوتية على كرسي الحكم بقوة السلاح زاعمة أنه حق إلهي، ولا يمكن الخروج منها إلا باستلهام تجربة 27 فبراير 2012م المرتكزة على تسليم السلطة للشعب مصدر السلطات والتصدي للكهنوت ولمن يحاول الاستيلاء على السلطة باستخدام وسيلة ليس الصندوق من بينها.
ويجدر بنا في ختام هذا الحديث أن نذكر بأن علي عبدالله صالح الذي أتى إلى كرسي الرئاسة من أوساط الفلاحين كان هو علي عبدالله صالح السياسي والقائد الذي صنع الوحدة في 22 مايو 1990م وحافظ عليها بل وكرَّس النهج الديمقراطي بتسليم السلطة سلميًا.