Image

"صلاة القلق" تفوز بالبوكر العربية في دورتها الـ18

وسط حالة من الحيرة والترقب، حسمت لجنة تحكيم الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر العربية) في دورتها الثامنة عشرة، اختيارها بمنح الجائزة للرواية المصرية "صلاة القلق" للكاتب محمد سمير ندا، الصادرة عن دار مسكلياني، لتتوج عملًا ينتمي إلى الخيال الرمزي السياسي، ويغوص في أعماق الذاكرة الجمعية ما بين نكسة 1967 وانفجار غامض عام 1977.

ولم يكن من السهل التنبؤ باسم الفائز هذا العام، حيث بدا السباق محمومًا منذ إعلان القائمة القصيرة، التي ضمّت ستة كتّاب، أربعة منهم يصلون إلى هذه المرحلة لأول مرة: الموريتاني أحمد فال الدين، اللبنانية حنين الصايغ، الإماراتية نادية النجار، والمصري الفائز محمد سمير ندا. بينما سبق للعراقي أزهر جرجيس والسوري تيسير خلف أن خاضا المراحل النهائية للجائزة في دورات سابقة.

وتميّزت أغلب الأسماء المرشحة هذه الدورة بغيابها النسبي عن المشهد النقدي والإعلامي، رغم تحقيق بعضها لصدى جيد مؤخرًا على مستوى الانتشار والمبيعات.

رواية ببطانة سياسية وخيال رمزي

تدور أحداث "صلاة القلق" في قرية منسية، يهزها انفجار غامض في عام 1977، ليحوّلها إلى ما يشبه العلبة المغلقة، يعيش سكانها في عزلة سردية كلٌّ في ملحمته الخاصة، حيث تصطدم الحرية بالاضطهاد، وتتجسد السلطة في قبضة الطغيان. ومن خلال ثماني شخصيات تروي الحدث ذاته من زوايا متباينة، تتشكل فسيفساء روائية تسائل الوعي الجمعي والهزيمة، وتعيد طرح أسئلة كبرى عن الانكسار وأوهام السيادة والنصر.

لجنة التحكيم: تنوع ثقافي ورؤية نقدية

ترأست لجنة التحكيم هذا العام الكاتبة الفلسطينية أسماء حمدان، وضمّت في عضويتها الأكاديمي اللبناني بلال الأرفه لي، والمترجم الفنلندي سامبسا بلتونن، والناقد المغربي سعيد بنكراد، والأكاديمية الإماراتية مريم الهاشمي. فيما يشغل ياسر سليمان منصب رئيس مجلس أمناء الجائزة، وتنسيقها تتولاه فلور مونتانارو.

قائمة قصيرة ركزت على البعد الإنساني

تنوّعت الروايات المختارة في القائمة القصيرة هذا العام، لكنها اشتركت في تقديم الشخصيات من زوايا إنسانية عميقة. من "ميثاق النساء" التي تسلط الضوء على واقع نساء درزيات في لبنان المعاصر، إلى "دانشمند" التي تستعيد شخصية الإمام الغزالي في القرن الثاني عشر، مرورًا برحلة فتاة كفيفة تكتشف حواسها في "ملمس الضوء"، و"المسيح الأندلسي" التي تحكي عن رحلة شاب في بحثه عن قاتل والدته.

في "وادي الفراشات"، يسخر البطل من الواقع المأساوي بالكوميديا، فيما تتجلى "صلاة القلق" كرواية سياسية تغلف الواقع بالرمزية، كاشفةً عن لبس وغموض يسكن وجوه القرويين الذين تحوّلوا إلى "سلاحف" بعد الانفجار – رمزًا للانكفاء والانكسار.

المرأة والمأساة السياسية

تلعب الشخصيات النسائية أدوارًا محورية في بعض هذه الأعمال، خصوصًا في تجسيد البطء والتعثر في مسار التغيير الاجتماعي. كما تعكس بعض الروايات آثار "أمهات الكوارث" السياسية التي عصفت بالعالم العربي مؤخرًا، مقدّمةً لوحات ديستوبية ثقيلة بالفقد والانهيار والمخاوف.

بفوز "صلاة القلق"، تُثبت البوكر العربية مرة أخرى قدرتها على التقاط التحولات السردية في الأدب العربي المعاصر، وتكريم أصوات جديدة تطرح تساؤلات كبرى بعمق وجمال فني لافت.