Image

لماذا ظل ليفربول الخيار الأول لمدافعه فان دايك؟

بالطريقة التي عبر بها فيرجيل فان دايك الأحد الماضي، بدا الأمر وكأن ملحمة التفاوض لم تكن سوى إجراء شكلي، إذ قال "كل ما يجسد ليفربول هو جزء مني".

رجل يعده كثر أعظم قلب دفاع في تاريخ النادي، ويستعد الآن للانضمام إلى قائمة قادة الفريق الذين رفعوا لقب الدوري، أصبح جزءاً لا يتجزأ من نسيج ليفربول، إلى درجة أنه بدا من غير المعقول أن النادي كاد يفقده مجاناً، حتى تم توقيع العقد الجديد أخيراً، وإن جاء متأخراً.

نظرياً كان من الممكن أن تكون آخر لمسة لفان دايك في ملعب "أنفيلد" هي رفع كأس الدوري الإنجليزي قبل المغادرة وكأنه غير مرغوب فيه.

لكن عملياً لم يكن ذلك ليحدث، ووحدهم من لا يفهمون الصورة جيداً ظنوا أن فان دايك سيرحل، أما هو فلم يشك أبداً، وكما قال بنفسه "كان ليفربول دائماً في رأسي، دائماً كانت هذه هي الخطة".

وإذا كان هناك ما يثير الحيرة في هذه القصة، فهو سبب تأخر مفاوضات التجديد رغم رغبة الطرفين في الاستمرار، ومع ذلك كانت هذه واحدة من أقل القصص إثارة للجدل، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى فيرجيل فان دايك نفسه، الذي نقل هدوءه الميداني إلى كل مقابلة طرح عليه فيها سؤال عن مستقبله.

أما المدرب آرني سلوت، فرغم حذره المعتاد في تصريحاته، فلم يخف أبداً رغبته في الإبقاء على مواطنه. ورغم بعض الأخطاء الفردية أخيراً، فإن أداء فان دايك ظل ثابتاً ومقنعاً بما يكفي لدحض أي حديث عن تراجع مستواه.

يمتد العقد الجديد لعامين وسيضمن بقاء فان دايك حتى مشارف عامه الـ36، مما قد يجعله أكبر قلب دفاع في تاريخ ليفربول منذ جورج فليمنغ قبل أكثر من 120 عاماً. لكن فان دايك حالة استثنائية لا تخضع للقواعد التقليدية.

فحين بلغ الـ23 لم يكن حتى ضمن قائمة منتخب هولندا في كأس العالم التي ضمت وقتها تيرينس كونغولو بدلاً منه، وعندما بلغ الـ28 كاد يتفوق على ليونيل ميسي ويفوز بالكرة الذهبية.

واليوم وهو يقترب من الـ34 نادراً ما يحتاج إلى الركض إذ يكتفي بالتجوال فوق المستطيل الأخضر بثقة القائد، وهدوؤه الفطري لا يصبح مشكلة إلا في لحظات يبالغ فيها، هو وأليسون، في الارتياح، من دون أن يظهر أي منهما ما يكفي من الحدة.

وعادة ما يكون فان دايك سيد الدفاع الهادئ، وبينما تشاهد طريقة لعبه، من السهل أن تستحضر عبارة بيل شانكلي الشهيرة حين قدم المدافع الأسطوري رون ييتس للإعلام، قائلاً "التفوا حول قلب الدفاع هذا، أيها السادة إنه عملاق".

كان يورغن كلوب يحمل مشاعر مشابهة. فعندما تردد مانشستر سيتي في دفع 75 مليون جنيه استرليني (99.49 مليون دولار)، وهو رقم قياسي لمدافع آنذاك، لم يتردد المدرب الألماني للحظة.

كان الشعور أن علاقة فان دايك العاطفية مع ليفربول بدأت حتى قبل انضمامه، إذ وقع في حب فكرة اللعب لهذا النادي، وتحت قيادة كلوب تحديداً، وشكل شراكة قوية مع مدربه الأول، كانت تمنح الفريق هيبة كبيرة، وها هو اليوم يبني شراكة أخرى بنفس الثبات والهدوء، وهذه المرة مع خليفة كلوب، الهولندي الهادئ الآخر آرني سلوت.

وقد بدا فان دايك أكثر عاطفية من المعتاد عندما قبل شعار النادي بعد هدفه القاتل أمام وست مهم الأحد الماضي، لكن ذلك لم يكن مجرد لحظة احتفال، بل تعبير صادق عن مدى ما يعنيه له شرف القيادة.

فهو لا ينظر إلى شارة القائد كمكانة اجتماعية بل كمسؤولية. همزة وصل بين دكة القيادة وغرفة الملابس، وكان له دور بارز في مساعدة سلوت على التأقلم مع الأجواء داخل النادي. وحتى كلوب نفسه اختاره ليبلغه شخصياً، على انفراد، بنيته في الرحيل قبل أن يخبر باقي الفريق.

وقد يكون من الرمزية البالغة أن فان دايك هو من سجل الهدف الذي منح ليفربول أول بطولة في عهده كقائد، حين تغلب الفريق الشاب على تشيلسي في نهائي كأس الرابطة.

فان دايك لا يقود بالكلمات بل بالمثال.

لقد انتظم فان دايك بالكامل في ليفربول بثقافته وتاريخه، وقال أخيراً إنه شعر بالفخر حين وصفه أحدهم بأنه "سكوزر (ابن ليفربول) بالتبني".

فالأمر بالنسبة إليه لا يتعلق فقط بكرة القدم، بل بالعائلة أيضاً.

فكما تحدث كيفين دي بروين عن القلق من تأثير الانتقال على أطفاله المولودين في مانشستر، تحدث فان دايك بدوره عن مشاعره وهو يشاهد ابنته تشارك في عرض مسرحي مدرسي، كان يضم أيضاً ابن زميله واتارو إندو، وقال ببساطة "لم يكن هناك أدنى شك في رأسي أن هذا هو المكان المناسب لي ولعائلتي".

لقد بدا قرار بقائه بديهياً بالنسبة إليه، وكان يفترض أن يكون كذلك بالنسبة إلى النادي أيضاً.

ليس فقط لأن رحيل نائب القائد والظهير الأيمن ترينت ألكسندر أرنولد، بات شبه مؤكد وسيحدث هزة داخل الفريق، بل لأن الجانب الأيسر من الدفاع قد يشهد هو الآخر تغييرات، إذا تم التعاقد مع بديل طويل الأمد لأندي روبرتسون هذا الصيف.

فريق "ليفربول 2.0" الذي هو المشروع الجديد للنادي لم يصل بعد بشكل فعلي إلى خط الدفاع، لكنه سيصل قريباً. وسيكون على فان دايك أن يؤدي دور "الجسر بين الحقبتين"، فهو رجل الخبرة الذي يحمل روح الجيل السابق ويقود الجيل الجديد.

ليست شارة القيادة وحدها هي ما تجعل أهمية فان دايك تتجاوز أداءه الفردي بل لأنه ببساطة يجعل كل من يلعب إلى جواره أفضل.

ديان لوفرين وجويل ماتيب وجو غوميز، جميعهم قدموا أفضل فترات في مسيرتهم مع ليفربول حين كانوا إلى جانب فان دايك، واليوم يعيش إبراهيما كوناتيه أفضل مواسمه على الإطلاق. لكن السؤال: هل كان سيقدم هذا المستوى من دون رفيقه الهولندي؟

ليفربول يفضل ألا يكتشف الإجابة أو في الأقل ليس الآن.

الواقع أن النادي أجل في غضون أسبوع واحد إعادة بناء مزدوجة، وسيأتي وقت لا محالة يجب فيه استبدال محمد صلاح وفيرجيل فان دايك، لكن المشكلة أن كليهما قد يكون لا يمكن تعويضه.

ولحسن حظ ليفربول، فإن فان دايك أبدى دائماً رغبة واضحة في الاستمرارية، فإذا عدنا إلى 2019، نجده يقول إنه يود أن يذكر كـ"أسطورة من أساطير ليفربول".

وإذا كان قد بلغ هذه المكانة بالفعل، فلا يزال أمامه الوقت ليضيف فصولاً جديدة إلى تلك الأسطورة قبل أن يغادر في النهاية.