Image

ما هي أسلحة "أوروبا" في مواجهة ترامب؟

تشهد العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حالة من التوتر والتقلب منذ أن أشعل الرئيس الأميركي دونالد ترامب فتيل حرب تجارية مفتوحة مع الحلفاء الأوروبيين، واضعاً أسساً جديدة للتنافس الاقتصادي بين ضفتي الأطلسي.

على الرغم من عمق العلاقات التاريخية والتحالف الاستراتيجي بين الطرفين، جاءت سياسات "أميركا أولاً" التي ينتهجها ترامب لتزعزع الثقة، عبر فرض رسوم جمركية متبادلة، وتهديدات مستمرة تستهدف شركات وصناعات حيوية في أوروبا.

ومنذ ذلك الحين، وعلى الرغم من محاولات التهدئة  ومساعي التفاوض، لا تزال الشكوك الأوروبية قائمة، ومساحة الثقة تتقلص بين الطرفين، حتى أن  "المفوضية الأوروبية وزّعت مؤخراً على موظفيها المتجهين إلى الولايات المتحدة هواتف مؤقتة  وأجهزة لابتوب أساسية، بهدف تقليل مخاطر التجسس"، بحسب ما نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية.

هذه الإجراءات، التي تُستخدم عادة خلال الرحلات إلى أوكرانيا والصين، تم تفعيلها الآن مع استعداد كبار المسؤولين لحضور اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي الأسبوع المقبل.

  • عادةً ما يُترك جهاز الحاسوب الاعتيادي في الوطن خلال هذه الزيارات، نتيجة المخاوف من عمليات مراقبة روسية أو صينية.
  • تتضمن التوجيهات الموجهة لجميع الموظفين المسافرين إلى الولايات المتحدة إطفاء الهواتف على الحدود الأميركية، ووضعها في أغطية خاصة لحمايتها من أي محاولات تجسس في حال تُركت دون رقابة.
  • بحسب المفوضية، لم تُصدر تعليمات مكتوبة بشأن استخدام الهواتف المؤقتة، لكنها أوضحت للصحيفة البريطانية أنها حدّثت مؤخراً نصائحها الأمنية للموظفين المتجهين إلى أميركا.

ويُذكر أن سلطات الحدود الأميركية تملك الحق في مصادرة هواتف الزائرين وأجهزتهم الإلكترونية لتفتيش محتواها، كما وردت في السابق تقارير عن رفض دخول أشخاص إلى البلاد بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي أو مستندات تُنتقد فيها إدارة ترامب.

ديمقراطيون يلمّحون لاستفادة ترامب من تأثيره على الأسواقتدابير مضادة

هذه الزاوية تعبر عن عمق الأزمة التي تشهدها العلاقات بين الطرفين.. وفي سياق آخر متصل بتأزم العلاقات على ضفتي الأطلسي، يستعد الاتحاد الأوروبي لاستخدام أقوى تدابيره التجارية وربما يفرض رسوما على الشركات الرقمية الأميركية إذا فشلت المفاوضات مع دونالد ترامب في إنهاء حربه الجمركية ضد أوروبا.

في حوار أجرته مع صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، إن الاتحاد الأوروبي سيسعى إلى اتفاق "متوازن تماما" مع واشنطن خلال فترة توقف ترامب لمدة 90 يوما في تطبيق الرسوم الجمركية الإضافية.

لكن رئيسة المفوضية حذرت من أنها مستعدة لتوسيع الحرب التجارية عبر الأطلسي بشكل كبير لتشمل الخدمات إذا فشلت تلك المحادثات، بما في ذلك فرض ضريبة على عائدات الإعلانات الرقمية والتي من شأنها أن تضرب مجموعات التكنولوجيا مثل ميتا وغوغل وفيسبوك.

وقالت فون دير لاين:

  • "نعمل على تطوير إجراءات انتقامية".
  • هذه الإجراءات قد تشمل البدء باستخدام أداة الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإكراه، والتي تُخولها سلطة التأثير على صادرات الخدمات.
  • "هناك مجموعة واسعة من الإجراءات المضادة... في حال لم تُسفر المفاوضات عن نتائج مرضية".

وشددت على أن هذا قد يشمل فرض رسوم جمركية على تجارة الخدمات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مؤكدةً أن الإجراءات الدقيقة ستعتمد على نتائج المحادثات مع واشنطن. وأضافت: "على سبيل المثال، يُمكن فرض ضريبة على عائدات الإعلانات من الخدمات الرقمية".

وبحسب الصحيفة، فسيكون الإجراء عبارة عن تعريفة جمركية تُطبق في جميع أنحاء السوق الموحدة. ويختلف هذا عن ضرائب المبيعات الرقمية، التي تفرضها الدول الأعضاء بشكل فردي.

من لندن، يقول الخبير الاقتصادي، أنور القاسم، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، تعليقاً على موقف شركات التكنولوجيا الأميركية:

  • "تواجه شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى تحديات غير مسبوقة في أوروبا، حيث تهددها غرامات ضخمة قد تتجاوز 10 بالمئة من إيراداتها العالمية في حال ثبوت عدم امتثالها للقوانين الأوروبية الصارمة.
  • هذه المعركة ليست جديدة، بل هي استمرار لصراع طويل الأمد بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حول السيطرة على الفضاء الرقمي العالمي وتنظيم الذكاء الاصطناعي.
  • هذه الشركات عبرت عن استيائها من التشريعات الأوروبية، وسبق للرئيس الأميركي  دونالد ترامب أن وصف هذه الغرامات خلال مشاركته في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بأنها "شكل من أشكال جباية الضرائب"، في إشارة واضحة إلى اعتبارها استهدافاً غير عادل لشركات أميركية.
  • من جهة أخرى، فإن الاتحاد الأوروبي يمثل أحد أكبر أسواق هذه الشركات، ما يجعل الصدام مع بروكسل معركة حاسمة. وقد زادت ثقة هذه الشركات أخيراً في قدرتها على مقاومة هذه القواعد التنظيمية، خاصة مع الدعم الذي تتلقاه من إدارة الرئيس ترامب، التي ترى أن هذه القوانين تمثل تهديداً مباشراً للهيمنة الأمريكية في مجال التكنولوجيا.

ويشير القاسم  إلى التصريحات الأخيرة لنائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس خلال زيارته إلى أوروبا  بأنها خير دليل على ذلك، إذ وصف التشريعات الأوروبية بأنها "مرهقة"، داعياً إلى تنظيم لا يخنق الابتكار في قطاع الذكاء الاصطناعي.

ويشدد على أن أوروبا من جهتها تملك أوراق ضغط قوية، حيث سبق لها أن فرضت غرامات بمليارات الدولارات على شركات مثل أمازون وفيسبوك. وإذا تفاقمت الخلافات، يمكنها فرض رسوم جمركية جديدة، بل والتعاون مع الصين، التي تعد منافساً تكنولوجياً شرساً للولايات المتحدة، في الضغط على هذه الشركات.

مثل هذا السيناريو -في تقدير القاسم- قد يكلف الشركات الأميركية والحكومة الفيدرالية عشرات المليارات من الدولارات، ويقوّي من موقف الصين في معادلة الهيمنة العالمية على الذكاء الاصطناعي.

وعلى نطاق أوسع، تعبر تلك التجاذبات عن اتساع فجوة الثقة تدريجياً بين أوروبا والولايات المتحدة، مدفوعة بتباين في الرؤى حول مستقبل النظام الاقتصادي العالمي، ودور كل طرف فيه، بينما لم تعد العلاقة تُدار بروح الشراكة المتساوية كما في العقود الماضية، بل باتت موسومة بحذر استراتيجي متبادل، يعكس شعوراً أوروبياً متزايداً بضرورة إعادة تعريف المصالح المشتركة وفق منطق السيادة الاقتصادية والاستقلالية في القرار.

هذا التحول لا ينبع فقط من اعتبارات ظرفية، بل من إدراك أوروبي بأن التبعية الكاملة للسياسات الأميركية قد تحمل كلفة باهظة على المدى البعيد، في عالم يتجه نحو تعددية قطبية تتطلب توازنًا أكبر في موازين القوة.

تداعيات سلبية واسعة

وفي السياق نفسه، يقول خبير أسواق المال، محمد سعيد، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن:

  • السوق الأوروبية تمثل أهمية كبيرة لشركات التكنولوجيا الأميركية، التي تُعد بدورها مورداً أساسياً لهذه السوق.
  • هذه الشركات أصبحت خلال السنوات الأخيرة لاعباً محورياً في الاقتصاد الأميركي ومن بين الأهم في "وول ستريت".

ويضيف سعيد: "نتحدث هنا عن شركات عملاقة مثل غوغل، أبل، مايكروسوفت وأمازون، التي أصبحت تؤثر بشكل مباشر على حركة الأسواق العالمية. وبالتالي فإن فرض الاتحاد الأوروبي ضرائب جديدة على هذه الشركات سيؤدي بلا شك إلى تأثير سلبي على الطلب على منتجاتها، وكذلك على ربحيتها".

ويوضح أن هذه الخطوة ستجعل الشركات الأميركية أمام تحدٍ كبير لإعادة هيكلة إيراداتها ونفقاتها، خاصة في مجالات البحث والتطوير والتوظيف، مشيراً إلى أن ارتفاع تكلفة اقتناء منتجاتها قد يفتح المجال أمام دخول منافسين جدد، سواء من داخل الاتحاد الأوروبي أو من خارجه، ولكن دون الخضوع لنفس السياسات الضريبية.

وحول التأثير على الأسواق المالية الأميركية، يقول سعيد: "نظراً لما تمثله هذه الشركات من وزن نسبي كبير في مؤشرات وول ستريت، فإن تراجع أسعار أسهمها سينعكس بوضوح على أداء السوق الأميركية ككل، وبالتالي سيمتد الأثر إلى الاقتصاد الأميركي بوجه عام".

ويؤكد أن تراجع إيرادات وربحية هذه الشركات من شأنه أن يؤثر سلباً على الناتج المحلي الإجمالي، ويرفع احتمالات التباطؤ الاقتصادي، كما قد يدفعها لتقليص خطط الإنفاق وتسريح المزيد من الموظفين، ما يعني تدهوراً إضافياً في سوق العمل.

ويختتم حديثه قائلاً: "في حال تصاعدت الإجراءات بين الطرفين، فقد نشهد عواقب سياسية سلبية ومزيداً من التوتر بين ضفتي الأطلسي، رغم التحالف الوثيق الذي كان يجمع بين الجانبين قبل بدء هذه السلسلة من الإجراءات الضريبية".

وبدوره، يشير المستشار الأكاديمي في جامعة "سان خوسيه" الحكومية في كاليفورنيا، أحمد بانافع، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أنه إذا قرر الاتحاد الأوروبي – في سياق الأزمة المتصاعدة مع الولايات المتحدة- فرض ضرائب على شركات التكنولوجيا الكبرى، فإن لذلك تداعيات اقتصادية وسياسية كبيرة، خاصة على الاقتصاد الأميركي، نظراً لأن معظم هذه الشركات العملاقة مثل غوغل، آبل، أمازون، ميتا، ومايكروسوفت هي شركات أميركية كبيرة.

 ويعدد أوجه تأثر الاقتصاد الأميركي على النحو التالي:

  • انخفاض أرباح الشركات التكنولوجية، على اعتبار أن الشركات الأميركية ستدفع ضرائب إضافية في الأسواق الأوروبية.. وهذا قد يؤدي إلى انخفاض أرباحها، ما ينعكس سلبًا على أسعار أسهمها.. وبما أن هذه الشركات تمثل نسبة كبيرة من مؤشر S&P 500، فإن أي تراجع سيؤثر في وول ستريت والاقتصاد الأوسع.
  • رد فعل أميركي مضاد: من المتوقع أن ترد واشنطن بفرض رسوم جمركية أو ضرائب على شركات أوروبية.. وهذا قد يؤدي إلى حرب تجارية رقمية، تضر بالاستثمارات المتبادلة وسلاسل التوريد التكنولوجية.
  • تراجع في الاستثمارات العابرة للأطلسي: الضغوط الضريبية قد تدفع بعض الشركات الأميركية لإعادة النظر في استثماراتها الأوروبية.. في المقابل، قد تعزز الصين حضورها الرقمي في أوروبا إذا حصل فراغ.