
تراجع الاقتصاد البريطاني يضرب حكومة حزب "العمال" قبل إعلان موازنة الربيع
قبل أسبوعين من إعلان وزيرة الخزانة البريطانية راتشيل ريفز بيان موازنة الربيع نهاية هذا الشهر، تلقت حكومة حزب "العمال" ضربة لجهودها في تنشيط الاقتصاد وتحقيق النمو من أرقام الناتج المحلي الإجمالي الصادرة أمس الجمعة، إذ أعلن مكتب الإحصاء الوطني أن الاقتصاد البريطاني انكمش في الشهر الأول من العام الحالي بنسبة 0.1- في المئة بينما كانت التوقعات أن يحقق نمواً بنسبة 0.1 في المئة.
على الفور، تراجع سعر صرف الجنيه الاسترليني قليلاً في سوق لندن منخفضاً 0.2 في المئة ليصل إلى 1.29 دولار للجنيه، لكن العائد على سندات الخزانة البريطانية متوسطة الأجل لمدة 10 سنوات لم يتغير كثيراً في تعاملات صباح آخر أيام الأسبوع أمس الجمعة عند نسبة 4.68 في المئة.
جاءت تعليقات كثيرين، سواء من حزب "المحافظين" المعارض أو من المحللين والاقتصاديين، لتلقي باللوم على وزيرة الخزانة في حكومة العمال التي أعلنت في أول موازنة لها في أكتوبر (تشرين الأول) 2024 عن حزمة ضرائب بنحو 40 مليار جنيه استرليني (52 مليار دولار) ما أدى إلى تردد الأعمال والشركات في توسيع النشاط.
ومع أن البعض أرجع انكماش الاقتصاد البريطاني في يناير (كانون الثاني) 2025 إلى الاضطراب الذي سببه فرض إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تعريفة جمركية على صادرات شركاء أميركا، إلا أن الفترة التي غطتها الأرقام الأخيرة لا تتضمن سوى 10 أيام فحسب من فترة حكم ترمب.
ضربة للحكومة
وكان الشعار الأول والأهم للحزب الحاكم بعد أن فاز في انتخابات يوليو (تموز) 2024 هو تنشيط الاقتصاد والعودة إلى النمو القوي، لكن الاقتصاد البريطاني الذي بدأ العام الماضي بتوجه نحو النمو البطيء عاد للتراجع في النصف الثاني من العام. وعلى رغم نمو الاقتصاد بنسبة بسيطة في شهر ديسمبر (كانون الأول) 2024، إلا أنه بالكاد حقق نمواً فوق الصفر في الربع الأخير من العام.
من المتوقع أن يعدل مكتب مسؤولية الموازنة تقديراته لنمو الاقتصاد البريطاني هذا العام 2025 تزامناً مع إعلان ريفز موازنة الربيع يوم 26 مارس (آذار) الجاري، إذ كانت تقديرات المكتب السابقة لنمو بنسبة 2 في المئة، إلا أنه في ضوء الأرقام الأخيرة وتبعات سياسات التعريفة الجمركية للإدارة الأميركية وغيرها من العوامل قد يخفض المكتب تقديراته للنمو.
يذكر أن مسحاً سابقاً لوكالة "رويترز" قدر احتمالات نمو الاقتصاد البريطاني هذا العام بنصف تقديرات المكتب، أي عند نسبة 1 في المئة فحسب، ومن شأن كل ذلك أن يزيد الضغط على وزيرة الخزانة التي يتوقع أن تعلن في موازنة الربيع عن خفوض كبيرة في الإنفاق الحكومي على الرعاية الاجتماعية وأيضاً عن تقليص الإدارات الحكومية والقطاع العام.
وتحاول ريفز ضبط دفاتر الحكومة في ما يتعلق بالعجز، خصوصاً مع الزيادة الكبيرة في كلفة الاقتراض.
ومن غير الواضح إن كانت تلك الإجراءات ستؤدي إلى عدم تجاوز الحكومة للضوابط المالية المتعلقة بالاقتراض والعجز، بخاصة أن هناك شبه إجماع بين الاقتصاديين والمحللين على أن بنك إنجلترا (البنك المركزي البريطاني) لن يتأثر كثيراً بأرقام انكماش الاقتصاد في يناير2025، والمرجح أن يبقي البنك سعر الفائدة عند 4.5 في المئة في اجتماعه المقبل.
ويقول وزير الخزانة في حكومة الظل لحزب "المحافظين" ميل سترايد إنه "لا عجب أن ينخفض نمو الاقتصاد مجدداً، بعد فترة من عدم النمو تقريباً في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2024". وأضاف كما نقلت عنه صحيفة "الغارديان"، أن موازنة الخريف الماضي (أول موازنة لحكومة العمال بقيادة رئيس الوزراء كير ستارمر) أضرت بثقة الأعمال والشركات في الاقتصاد البريطاني.
وقال "بعد جرها بريطانيا للأسفل برفع الضرائب إلى مستويات غير مسبوقة والضغط على الأعمال فإن هذه الحكومة هي قاتلة للنمو".
ضعف النشاط الاقتصادي
وأرجع مكتب الإحصاء الوطني انكماش الاقتصاد في الشهر الأول من العام الحالي إلى عدم نمو قطاع الخدمات بما يكفي ليعادل ضعف النشاط الاقتصادي في القطاعات الأخرى.
وقالت مديرة الإحصاءات الاقتصادية في المكتب ليز مكاون إن "الاقتصاد انكمش قليلاً في الشهر الأول من العام لكنه حقق نمواً بسيطاً في الربع الأخير ككل، وتستمر الصورة العامة تدل على نمو ضعيف، وجاء الانخفاض الأخير نتيجة تباطؤ في قطاع التصنيع إضافة إلى الضعف في قطاعات النفط والغاز والبناء والتشييد في الأشهر الأخيرة".
وفي تفاصيل البيانات والأرقام الصادرة صباح أمس الجمعة، لم يحقق قطاع الخدمات سوى نمو بنسبة 0.1 في المئة، بينما كانت نسبة نموه في الشهر السابق عند 0.4 في المئة، أما الناتج الصناعي فانكمش بنسبة 0.9 في المئة، مقابل نمو بنسبة 0.5 في المئة للشهر الأخير من العام الماضي، وواصل قطاع التشييد والبناء الانكماش بالمعدل ذاته بنسبة 0.2 في المئة.
من جانبه، حذر مدير الاستثمارات في "ويلث كلوب" نيكولاس هايت من أن البيانات الأخيرة يمكن أن تكون الخطوة الأولى على طريق الركود الاقتصادي، موضحاً "ليست هذه هي الأخبار التي كانت تريدها وزيرة الخزانة قبل بيان الموازنة هذا الشهر، ولقد كان فرض التعريفة الجمركية وارتفاع كلفة العمالة مصادر قلق أكثر من المتوقع، وقريباً سيتحول ذلك القلق إلى حقيقة واقعة، مما يعني تدهور فرص النمو أكثر فأكثر وعدم وجود عوامل تدفع نحو التعافي الاقتصادي، فيمكن أن نكون في بداية تراجع طويل الأمد نحو الركود".
من شأن تلك البيانات والتوقعات أن تجعل بيان الموازنة المقبل "أكثر تعقيداً"، كما يقول مدير الاقتصادات في معهد المحاسبين المعتمدين لإنجلترا وويلز سورين ثيرو، مضيفاً "تؤكد هذه الأرقام والبيانات حول تراجع الناتج الاقتصادي الشهر قبل الماضي اضطراب أسواق المال، لذا كان شهراً سيئاً لقطاع الإنشاء والبناء وقطاع التصنيع، مما أدى إلى انكماش النشاط بصورة عامة".
ودعا عدد من المحللين والاقتصاديين وزيرة الخزانة إلى أن تعلن في بيان الموازنة عن خطوات واضحة لدفع النمو الاقتصادي والخروج من هذا التراجع الذي قد يؤدي إلى ركود.
وعلقت ريفز على الأرقام قائلة إن "الحكومة ماضية قدماً في خططها لإنعاش الاقتصاد مشيرة إلى الزيادة المحتملة في الانفاق الدفاعي كعامل محفز للنمو"، لكنها اعترفت أيضاً بأن الاضطراب العالمي له أثر واضح في فرص النمو.