Image

"هل ستضطر الاضطرابات المالية ترامب إلى إعادة النظر في سياساته الاقتصادية؟"

بين التقلبات الحادة التي تعصف بـ "وول ستريت" وارتفاع مؤشر الخوف بين المستثمرين، يعود السؤال القديم إلى الواجهة: هل يمكن للاضطرابات المالية أن تجبر دونالد ترامب على إعادة النظر في سياساته الاقتصادية؟ خلال فترة ولايته الأولى، كانت الأسواق تعتبر كابحًا سياسيًا يدفعه أحياناً للتراجع عن خطوات مثيرة للجدل، مثل فرض الرسوم الجمركية على شركاء أميركا التجاريين. ولكن اليوم، تبدو الصورة أكثر تعقيدًا، مع تصاعد المخاوف من أن ترامب قد يكون أقل ميلًا لتعديل مساره، حتى لو أدى ذلك إلى مزيد من الاضطراب المالي.

وفي هذا السياق، يخشى المستثمرون من أن تكون قدرة دونالد ترامب على تحمل عمليات بيع حادة للأسهم أقل بكثير مما كانت عليه في ولايته الأولى، حيث فقدوا الثقة في أن الأسواق المالية ستكبح جماح التعرفات الجمركية التي يفرضها الرئيس الأميركي وخفض الإنفاق، بحسب تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية. يشير التقرير إلى التراجعات الحادة التي تشهدها "وول ستريت"، حيث تثير رسوم ترامب الجمركية مخاوف بشأن مسار أكبر اقتصاد في العالم.

وكان العديد من المستثمرين وبنوك وول ستريت يراهنون على أن ترامب سوف يتراجع في نهاية المطاف عن أشد تهديداته بالرسوم الجمركية والتخفيضات للحكومة الفيدرالية إذا ردت الأسواق بعنف. لكن الآمال في هذا السياق قد تضاءلت، بحسب التقرير.

يقول بنك يو بي إس لعملائه مساء الاثنين: "تتساءل الأسواق عن فكرة أن إدارة ترامب ستعدل السياسات استجابة لتقلبات سوق الأسهم أو المخاوف بشأن النمو الاقتصادي". ويقول المدير الإداري لمشتقات الأسهم العالمية في نومورا، أليكس كوسوجليادوف، في أواخر فبراير: "كان الناس يتساءلون عما إذا كان ترامب سيكبح جماح الرسوم الجمركية وبعض تخفيضات الإنفاق الفيدرالي التي كانت تثير مخاوف الأسواق.. وفي الأيام القليلة الماضية من التداول، تحولت المشاعر".

لم تقتصر المشاعر السلبية على سوق الأسهم؛ حيث خفّض كلٌّ من غولدمان ساكس ومورغان ستانلي توقعاتهما للنمو الاقتصادي الأميركي بسبب المخاوف بشأن الرسوم الجمركية، وردّ فعل الشركاء التجاريين.

وارتفع مؤشر التقلبات VIX، الذي يقيس التقلبات المتوقعة في الأسهم الأميركية، من 12 إلى 28، متجاوزاً متوسطه طويل الأجل البالغ 20. وانخفض مؤشر ناسداك المركب، الذي يركز على التكنولوجيا، والذي ارتفع في العامين الماضيين، بأكثر من 13 بالمئة عن أعلى مستوى قياسي له في منتصف ديسمبر.

ويضيف تقرير الصحيفة البريطانية: خلال فترة ولاية ترامب الأولى، كان يُنظر إلى الاضطرابات التي شهدتها الأسواق المالية على نطاق واسع باعتبارها حاجزًا حاسمًا في إجباره على عكس مسار السياسات التي اعتبرها المستثمرون ضارة، على الأقل في الأمد القريب، بالنمو الاقتصادي في الولايات المتحدة. يقول أحد المسؤولين التنفيذيين في أحد بنوك وول ستريت: "لقد اعتقد الجميع بأن الطريقة الوحيدة التي قد يتراجع بها ترامب هي إذا هبطت سوق الأسهم. ولكن ما لم ير الناس أنه سيغير روايته بالفعل". ويؤكد البيت الأبيض على رفضه للاضطرابات التي شهدتها الأسواق المالية في أعقاب عمليات البيع المكثفة التي شهدتها الأسهم أخيرًا.

إجراءات اقتصادية

رئيس قسم الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يرق، أكد أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يسعى خلال ولايته الثانية إلى اتخاذ إجراءات اقتصادية مشددة لترك بصمة تاريخية خلال فترته الرئاسية. وأشار إلى أن ترامب قد يتبنى سياسات اقتصادية متشددة قد تؤدي إلى ركود اقتصادي أو تضخم، ولكنها من الممكن أيضًا أن تؤدي إلى انتعاش اقتصادي كبير لاحقًا.

وأشار يرق إلى أن الإدارة الأميركية تركز في هذه الولاية على تعزيز الاقتصاد المحلي من خلال دعم القطاع الصناعي وتوفير فرص عمل للأميركيين. وأكد أن السياسات الاقتصادية التي سيتبعها ترامب ستكون حاسمة في تحديد اتجاه الاقتصاد الأميركي وسوق الأسهم، خاصة مع انتظار آخر حزمة من التعرفات الجمركية الحمائية.

وفيما يتعلق بتقلبات الأسواق الحالية، أكد أنها تعتبر "تصحيحًا طبيعيًا"، ولكن هناك حالة من عدم اليقين بشأن مستقبل الاقتصاد الأميركي. وأشار إلى أن الولايات المتحدة تمر بمرحلة "تحول اقتصادي"، كما أن البيت الأبيض قد أكد أنها في فترة انتقالية اقتصادية.

وختم يرق بالقول إن الاقتصاد الأميركي ربما يحتاج إلى "فترة إزالة السموم" حتى يصبح أقل اعتمادًا على الإنفاق الحكومي، معتبرًا أن ترامب يسعى إلى تحقيق نجاحات اقتصادية مهمة خلال فترة رئاسته الثانية.

سياسات ترامب

بدوره، أكد الخبير الاقتصادي والسياسي الدكتور حميد الكفائي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا تعتمد على آراء الآخرين أو توجهات الأسواق، بل تتخذ قراراته بناءً على قناعاته الخاصة دون التأثر بالمستشارين أو الضغوط الخارجية. وأشار إلى أن ترامب يحاول التقليل من أهمية التأثيرات السلبية لسياساته الاقتصادية، خاصة تلك المتعلقة بفرض التعريفات الجمركية على الدول الأخرى.

وأوضح الكفائي أن ضعف الدولار الأميركي يتناقض مع السياسة التي اتبعتها الإدارات الأميركية خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث كانت تركز على الحفاظ على قوة الدولار كجزء من استراتيجية اقتصادية للبلاد. وأشار إلى أن سياسات ترامب لم تحقق نتائج إيجابية فورية، حيث لم تساهم في خفض أسعار المواد الغذائية المرتفعة ولم تطمئن الأسواق أو الناخبين، مما خلق حالة من التخبط الاقتصادي.

وعن إمكانية تغيير ترامب لنهجه الاقتصادي، أشار الكفائي إلى أن الأمر قد يعتمد على مدى ضغط أعضاء الكونغرس الجمهوريين عليه، مشيرًا إلى أنه حتى الآن يبدو أن الأعضاء يخضعون لترامب، لكن في حال استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية، قد يضطر الحزب الجمهوري إلى إعادة النظر في السياسات الحالية.

وأضاف الكفائي أن ترامب رجل صفقات، ومن الممكن أن يغير سياساته بشكل مفاجئ، وأنه رغم وعوده بتخفيض الضرائب لتعزيز الازدهار الاقتصادي، إلا أن هذه التخفيضات استفاد منها الأثرياء بشكل أساسي دون أن تحقق فائدة كبيرة للمواطنين العاديين.

وختم الكفائي تصريحاته بتوقعه تغير سياسات الولايات المتحدة الاقتصادية في المستقبل، مشيرًا إلى أنه قد يحدث تحول في هذه السياسات بحلول نهاية العام أو بداية العام المقبل.

تقلبات الأسواق

بدوره، يقول الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد الدولي، الدكتور علي الإدريسي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":

"خلال فترة رئاسة ترامب الأولى، كان يُنظر إلى تقلبات سوق الأسهم على أنها إحدى الوسائل القليلة التي يمكن أن تدفعه إلى تعديل سياساته الاقتصادية، خاصة إذا رأى أن تلك السياسات تضر بالنمو الاقتصادي على المدى القريب".

"ترامب كان يربط بشكل مباشر بين أداء الأسواق المالية ونجاح سياساته، وكان غالباً ما يعلّق على تحركات البورصة، معتبراً أن صعودها دليل على قوة الاقتصاد الأميركي".

لذلك، عندما كانت الأسواق تتراجع بحدة – سواء بسبب الحروب التجارية، مثل تلك التي خاضها مع الصين، أو قرارات مفاجئة بشأن الضرائب والرسوم الجمركية – كان ذلك يدفعه أحياناً إلى التراجع التكتيكي أو تخفيف حدة مواقفه.

ويضيف: "هذا لا يعني أن ترامب كان يتخلى عن سياساته الجوهرية، بل كان غالباً ما يعيد صياغتها أو يؤخر تنفيذها لتجنب صدمة فورية للأسواق. ولهذا، يمكن القول إنه كان حساساً تجاه الأسواق المالية، ليس فقط من منظور اقتصادي، بل أيضًا لأنه كان يعتبرها انعكاساً مباشراً لشعبيته وأدائه كرئيس".

 ومن ثم -بحسب الإدريسي- فمن المتوقع أن يعدّل سياساته الحمائية الحالية استجابةً لتقلبات سوق الأسهم، تماماً كما فعل سابقًا مع كندا والمكسيك.