Image

الـ27 من فبراير 2012.. خطوة استثنائية لقائد استثنائي

السابع والعشرون من فبراير 2012 اليوم التاريخي الذي صنع فيه فيه الزعيم الوحدوي الخالد علي عبد الله صالح نهجًا ديمقراطيًا تنحني أمامه الأجيال.

في ذلك اليوم وقف الزعيم الشهيد شامخا يقبل علم الجمهورية الذي رفعه عاليًا في الثاني والعشرين من مايو، ليعطيه إلى الخلف عبد ربه منصور هادي.

وهنا كانت المفارقة التي استوقفت الكثير من اليمنيين. ففي الوقت الذي كانت فيه ملامح الرهبة والقداسة عند الزعيم علي عبد الله صالح وهو يقبل العلم الجمهوري الوحدوي مطويًا بين يديه ليناوله للخلف من بعده، إيذانًا بتسليم السلطة إليه، تناوله ذلك الخلف بلا مبالاة ليضعه جانبًا وكأنه مجرد خرقة لا أكثر. تلك المفارقة كانت التعبير الحقيقي عما سيحدث لليمن بعد ذلك اليوم وإلى اليوم. فذاك التعامل مع العلم الجمهوري من قبل الرئيس الخلف بلا مبالاة وعدم اكتراث كان إيذانًا بالكثير من الإفراط والتفريط باليمن فيما سيأتي بعد ذلك من أحداث، وبمثابة نذير شؤم لم يكن يدركه أولئك المندفعون من المغرر بهم ومن المتربصين وراءهم.

ولعل ذلك ما دفع الزعيم علي عبد الله صالح إلى الحديث عن تلك اللحظة بشيء من الأسف فيما بعد، مؤكدًا أنه إذا كان عبد ربه منصور هادي قد تعامل مع العلم هكذا فكيف سيتعامل مع الأمور الأخرى؟، وفعلا سرعان ما بدأت الأمور تنفرط وتحل الكارثة شيئًا فشيئا إلى أن أطبقت بخناقها في النهاية، وقضت على الدولة التي بناها الزعيم صالح طيلة ثلاثة عقود من سنوات حكمه ونضاله.

ولسنا هنا بصدد الحديث عما حدث بعد قيام الرئيس الشهيد الزعيم علي عبدالله صالح بتسليم السلطة بشكل سلمي في 27 فبراير 2012، وإنما بصدد الحديث عن ذلك اليوم نفسه الذي رسخ فيه الزعيم نهج التداول السلمي للسلطة وطبقه بحذافيره من موقع قوة، ومن مكان كان فيه قادرًا على قلب الأمور رأسا على عقب، حيث موازين القوى كانت كلها في يديه وتحت تصرفه وباستطاعته أن يجعل من أولئك الذين وجدوا لهم موطئ قدم انتهازي في ما كان قد جرى طيلة عام من أحداث، أن يجعلهم عبرة لغيرهم. لكنه أراد أن يقول لليمنيين إنه لا يبحث عن سلطة، وإن السلطة كانت وظلت بالنسبة له مغرما لا مغنما، ولذا فهو مستعد لأن يتخلى عنها ولأن يسلمها بلا تردد. وهكذا كان السابع والعشرون من فبراير 2012 بمثابة إشارة إلى التداول السلمي للسلطة في اليمن، فتمت العملية بنجاح بعد أن تصدى الرئيس الصالح للمؤامرات والتحديات التي واجهته.

لقد أظهر الرئيس الصالح في ذلك اليوم المشهود والتاريخي وفي مرحلة مفصلية خطيرة كانت تمر بها اليمن، رغبته الكبيرة والصادقة في تجنيب وطنه وشعبه كل أشكال الفوضى والصراعات الدموية، قاطعًا الطريق على  الدول والجماعات التي كانت تريد السوء لليمن واليمنيين، ولهذا السبب قرر تسليم السلطة بشكل سلمي.

لم تكن هذه الخطوة من الزعيم الشهيد إلا تعبيراً عن حبه للوطن وللشعب، وعن إيمانه بأهمية الديمقراطية والتعددية السياسية، والتي إن لم يجسد ويطبق مبادئها علي عبد الله صالح، وهو ابن اليمن وصانع الديمقراطية، فمن سيجسدها ويطبقها على أرض الواقع يا ترى؟ هل كان سيطبقها مثلا أولئك الذين كانت تأتيهم الأوامر والتوجيهات من السفارات، أم أولئك الذين ركبوا موجة الأحداث لأغراض دنيئة في أنفسهم؟ فهؤلاء سرعان ما كانوا قد فقدوا البوصلة وترنحوا يمينًا وشمالًا، ومن ببنهم الرئيس الخلف نفسه، والذي أطلق للفرار ساقين كان يفترض بهما أن تثبتا مكانهما للدفاع عن الوطن والعلم الذي تسلمه، لكنه كان في عداد الفارين. أما الزعيم الشهيد فكان وحده هو الذي ثبت، وكان وحده الذي دافع عن اليمن ووقف في وجه عصابة الشر والإرهاب الحوثية باذلًا روحه ودمه فداء للوطن.

إن السابع والعشرين من فبراير هو حقًا عرس الديمقراطية في بلادنا وعرس التداول السلمي للسلطة.
فعلى الرغم من أن الرئيس الصالح كان يملك القدرة على الحفاظ على السلطة بالقوة، إلا أنه اختار السلمية كوسيلة لانتقال السلطة، فكان بذلك يعكس التزامه العميق في حفظ الدم اليمني وتجنب الصراعات الدموية التي كانت تهدد البلاد.

وربما لو كان أحد آخر هو الذي أقدم على تلك الخطوة لكان للتاريخ أن يعتبرها شجاعة منه، أما الزعيم علي عبد الله صالح فإن الشجاعة كانت حاضرة في كل مواقفه بل إنها جزء من طبيعته التكوينية. وبالتالي قيامه بتسليم السلطة في ذلك اليوم التاريخي ليس موقفًا يعبر عن الشجاعة والحكمة فحسب، بل ويتعدى ذلك إلى مسألة أعمق بكثير، وهي أنه أراد أن يقدم لليمنيين النموذج الأرقى لمفهوم الديقراطية، فباعتباره أول من أرسى مبادئ الديمقراطية عبر الانتخابات الرئاسية والنيابية والمحلية، كان لا بد أن يكون هو المؤسس الأول للتداول السلمي للسلطة. وذاك هو المبدأ الذي آمن به علي عبد الله صالح وطبقه بحذافيره، فكان أن أظهر للعالم أن السلطة يمكن نقلها بشكل سلمي وديمقراطي، وكان له أن يجعل من السابع والعشرين من فبراير يوما مشهودا لليمن واليمنيين، تاركًا بصمة قوية في التاريخ وأثبت أنه حقا القائد الاستثنائي على كافة المستويات والأصعدة.