Image

الاستثمارات الخارجية لتونس تتجاوز أهدافها في 2024 وسط تحديات

في وقت تشهد فيه المؤشرات الاقتصادية الكلية لتونس تذبذباً على مستوى ضعف نسب النمو وارتفاع العجز التجاري، لا سيما العجز الطاقي، ورزنامة مزدحمة بسداد الديون الداخلية والخارجية، وارتفاع الضغط الضريبي الأعلى في أفريقيا، نجحت البلاد على رغم ضعف إمكاناتها في نيل ثقة كبرى الشركات العالمية للاستثمار فيها، سواء بتوسعة المشاريع القائمة أو تأسيس وحدات جديدة، وسط انتظار إعلانات جديدة في عام 2025 من شركات ذات شهرة عالمية، تعمل في مكونات الطائرات على غرار "بوينغ"، ومكونات السيارات الكهربائية ممثلة في فرع لشركة "رينو" الفرنسية.

وكان عام 2024 منعرجاً لافتاً في تونس من جهة تدفق الاستثمارات الخارجية المباشرة، بتسجيل نتائج اعتبرها المشرفون على قطاع الاستثمار إيجابية، وتبعث برسائل مهمة لصناع القرار، على بقاء موقع تونس جاذباً للاستثمار الخارجي.

وللمرة الأولى تقريباً في الأعوام الأخيرة، تجاوزت تونس الأهداف المرسومة في جذب الاستثمارات الخارجية العام الماضي، بتعبئة استثمارات بقيمة أكثر من 2956 مليون دينار (953.7 مليون دولار) من ضمن هدف مستهدف بقيمة 2800 مليون دينار (903 ملايين دولار)، ومقارنة مع نتائج عام 2023 زاد تدفق الاستثمار الخارجي على تونس بنسبة 16.7 في المئة في 2024.

إقبال ضعيف على البورصة

ونجحت تونس خلال عام 2024 في استقطاب استثمارات خارجية أجنبية بقيمة 2959.6 مليون دينار (954.7 مليون دولار)، مقابل 2533.3 مليون دينار (817.1 مليون دولار) عام 2023.

وبحسب الحصيلة التي تحصلت عليها "اندبندنت عربية" من وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي (حكومية)، توزعت الاستثمارات الأجنبية المتدفقة على تونس على 46.4 مليون دينار (14.9 مليون دولار) استثمارات في الحافظة المالية (البورصة) التي سجلت انخفاضاً بالمقارنة مع نتائج عام 2023 التي بلغت آنذاك 136.8 مليون دينار (44 مليون دولار).

قفزة مهمة لقطاع الصناعة

في الأثناء، بلغت الاستثمارات الخارجية المباشرة 2910.2 مليون دينار (938.7 مليون دولار)، مقابل 2396.5 مليون دينار (773 مليون دولار) مسجلة نمواً لافتاً بـ21.4 في المئة.

وحول التوزيع القطاعي للاستثمارات الخارجية المباشرة، فقد أظهرت بيانات الوكالة أن قطاع الصناعات المعملية نجح في جذب استثمارات أجنبية العام الماضي بقيمة 1780 مليون دينار (574.1 مليون دولار)، محققاً تطوراً بنسبة 20 في المئة مقارنة مع نتائج عام 2023.

وحقق قطاع الطاقة قفزة ملحوظة باستقطابه استثمارات خارجية بقيمة 689.4 مليون دينار (222.3 مليون دولار) عام 2024، بنمو لافت وصل إلى أكثر من 43 في المئة، مقارنة مع عام 2023.

ويرجع هذا التطور في جانب كبير منه إلى الاستثمارات المعلنة من بعض الشركات الأجنبية الناشطة في قطاع الطاقات المتجددة، التي تحصلت على الموافقة لإنجاز مشاريع طاقية في تونس، خصوصاً إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية.

وخلال العام الماضي سجلت الاستثمارات الأجنبية في القطاع الفلاحي (الزراعي) منحى إيجاباً بلغ 35.5 في المئة، ليرتفع من 18 مليون دينار (5.8 مليون دولار) عام 2023 إلى 24.3 مليون دينار (7.8 مليون دولار) في 2024.

فرص عمل مهمة

ومن جانب آخر، كشفت معطيات الوكالة عن أن تدفق الاستثمارات الخارجية خارج قطاع الطاقة سمح بإنجاز 856 عملية استثمارية بقيمة 2220.8 مليون دينار (716.3 مليون دولار)، مكنت من توفير 15681 فرصة عمل مباشرة.

وتوزعت العمليات الاستثمارية على 105 عمليات متعلقة بمشاريع جديدة باستثمارات بقيمة 243.5 مليون دينار (78.5 مليون دولار)، أسهمت في توفير 4340 فرصة و751 عملية استثمارية في إطار برامج مشاريع التوسعة بقيمة 1977.3 مليون دينار (637.8 مليون دولار)، وفرت 11341 فرصة عمل.

فرنسا المستثمر الأول

وكشفت النتائج المسجلة أن 48 في المئة من الاستثمارات الخارجية التي تدفقت على تونس العام الماضي تركزت في محافظات تونس الكبرى (تونس العاصمة ومنوبة وبن عروس واريانة)، التي جذبت استثمارات بقيمة 1083 مليون دينار (349.3 مليون دولار)، يليها إقليم الشمال الشرقي الذي استقطب استثمارات خارجية بقيمة 629 مليون دينار (203 ملايين دولار).

وبالنسبة إلى توزيع إجمال الاستثمارات بحسب الدول، فقد حافظت فرنسا على مرتبتها الأولى كأول مستثمر أجنبي في تونس بقيمة 644.2 مليون دينار (207.8 مليون دولار)، تليها ألمانيا بـ340.2 مليون دينار (109.7 مليون دولار، ثم إيطاليا بـ306.2 مليون دينار (98.7 مليون دولار)، وقطر بـ126.9 مليون دينار (41 مليون دولار)، وتحتل الولايات المتحدة الأميركية المركز الخامس باستثمارات بقيمة تقارب 118 مليون دينار (38 مليون دولار).

استئناف الاستثمار في الطاقة

وفي تحليله لمجمل هذه المؤشرات، قال مدير مركزي بوكالة النهوض بالاستثمار الخارجي حاتم السوسي، لـ"اندبندنت عربية"، إن تراجع الاستثمارات الأجنبية في الحافظة المالية في 2024 يعود بالأساس إلى عدم حصول عمليات إدراج بالبورصة العام الماضي، عكس عام 2023 الذي سجل عمليات مهمة زيادة في رأس مال شركات عدة مدرجة ببورصة تونس، مما جعل هناك إقبالاً عليها من شركات ومستثمرين أجانب.

وفي المقابل، لفت إلى أن قطاع الطاقة في تونس شهد انتعاشة ملحوظة في 2024، من خلال عودة الاستثمار في هذا القطاع الحيوي للبلاد، إثر منح رخص استغلال جديدة مع تسجيل حركية استثمارية في مجال الاستكشاف.

وأوضح أن جانباً مهماً من هذه الاستثمارات يعود أيضاً إلى الاستثمارات المعلنة في مجال إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة، إثر توقيع الحكومة عدداً من العقود مع شركات عالمية في المجال.

وفي سياق الحركية المسجلة قال السوسي إن القطاع الفلاحي عرف بدوره انتعاشة ملحوظة، بتطور بنسبة 35 في المئة على رغم تواضع قيمة الاستثمارات.

وعزا ذلك إلى مواصلة استثمار ثلاث شركات أجنبية منها اثنتان هولنديتان في مشاريع إنتاج الخضر بواسطة المياه الجيوحرارية في منطقة الهيشة من محافظة قابس (جنوب شرقي البلاد)، وهي منتجات تصدر إلى دول أوروبية عدة.

أهداف مستقبلية

ومن جانب آخر، أشار السوسي إلى أن النتائج المسجلة جاءت نتيجة ثمرة إعداد الوكالة مخطط عمل يتماشى والمخطط التنموي الذي أعد خلال الفترة 2023/2025.

وتركزت التوقعات على جذب استثمارات خارجية بقيمة 2820 مليون دينار عام 2024 و3400 مليون دينار (1096.7 مليون دولار) عام 2025، على أن تصل إلى مستوى 4 مليارات دينار (1290 مليون دولار) عام 2026.

وأوضح أن النتائج الإيجابية المسجلة في العام الماضي تمت من خلال تواصل إنجاز إصلاحات اقتصادية عدة وتقديم مزايا تفاضلية للمستثمرين الأجانب، فضلاً عن أن إستراتيجية وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي ارتكزت على الجوانب التفاعلية والاتصال المباشر بكبرى الشركات العالمية.

وأقر السوسي أنه على رغم الظرف الاقتصادي العالمي الصعب، فإن الإستراتيجية المتبعة أعطت ثمارها عام 2024 من خلال تجاوز الهدف المرسوم.

المراهنة على 6 قطاعات إستراتيجية

في غضون ذلك، أبرز السوسي أن خطة عمل الوكالة تراهن على ستة قطاعات مهمة لاستقطاب كبرى الشركات العالمية إلى تونس، وتتعلق بمكونات السيارات ومكونات الطائرات والاقتصاد الرقمي والصناعات الغذائية والنسيج والصناعات الصيدلانية.

وعرج في هذا الصدد على البداية الواعدة مطلع عام 2025 من خلال تواصل توافد ممثلين لشركات عالمية لزيارة تونس وتنظيم زيارات ميدانية لعدد من المواقع المؤهلة بأن تحتضن مشاريعها، مرجحاً أن يصل عدد عمليات الاتصال المباشر بمختلف الشركات في هذا العام إلى نحو 400 اتصال، وأن تؤدي في الأقل 10 في المئة من هذه الاتصالات إلى إعلان عن تصريحات بالاستثمار في تونس.

مزيد الاقتراب من المستثمرين

وعلى صعيد آخر، علق السوسي على أن مشروع تنقيح قانون الاستثمار الذي تعتزم الحكومة إصداره خلال الربع الأول من عام 2025 سيمكن من مزيد الاقتراب أكثر من المستثمرين التونسيين والأجانب وحسن توظيف الامتيازات الممنوحة.

وشدد على أن التوجه المقبل من خلال المشروع المعروض على أنظار الحكومة سيعمل على إرساء مخاطب وحيد للمستثمرين في كل المحافظات، والابتعاد قدر الإمكان عن التعقيدات الإدارية وتبسيطها في خطوة لجذب الشركات.

وخلص إلى أن الحكومة ترغب من خلال تعديل قانون الاستثمار لعام 2016 في حل الإشكالات الإدارية على أقصى تقدير في ظرف أسبوع، والقطع مع الممارسات الماضية أين تذمر المستثمرون من تكلس الضوابط الإدارية وتشتت المصالح الحكومية بما ينفر من الاستثمار.