Image

اضطرابات في سوق النفط بعد عقوبات أميركية جديدة على روسيا

أدى تشديد العقوبات الأميركية على موسكو إلى تعطيل إمدادات النفط الروسي الأقل سعراً إلى الصين والهند، وزاد الطلب على نفط الشرق الأوسط وأفريقيا، وأشاع الاضطرابات في قطاع الشحن ودفع أسعار النفط إلى الصعود.

واستهدفت العقوبات التي فرضتها واشنطن في الـ10 من يناير (كانون الثاني) الماضي ناقلات تحمل الخام الروسي في محاولة لتقليل إيرادات موسكو من النفط بصورة أكثر فاعلية، وهو الهدف من العقوبات الغربية المفروضة على موسكو بعد غزوها أوكرانيا قبل ثلاث سنوات.

وتركت العقوبات الجديدة ناقلات تحمل ملايين البراميل هائمة على وجهها في طرق التجارة البحرية ودفعت المتعاملين إلى البحث عن بدائل، في حين تباطأت التعاملات في الخام الروسي لشهر مارس (آذار) المقبل، والنفط الروسي، وهو المصدر الأساس لأكبر بلدين مستوردين في العالم، وهما الصين والهند.

ودفعت حال الارتباك التي أحدثتها تلك القرارات السوق إلى حال من الفوضى، فخلال أسابيع قليلة أصبح خام دبي القياسي عالي الكبريت أكثر كلفة من خام "برنت" منخفض الكبريت الذي يسهل معالجته، وأتاح ذلك فرصة للمنتجين من البرازيل إلى قازاخستان للاستحواذ على حصة من واردات الصين والهند.

وقال متعاملون في تصريحات لـ"رويترز" إن علاوة الخام البرازيلي قفزت الشهر الماضي إلى نحو خمسة دولارات للبرميل فوق سعر خام "برنت" بما يشمل كلفة الشحن إلى الصين، ارتفاعاً من نحو دولارين في الشهر السابق، وانخفضت العلاوة حالياً إلى أقل قليلاً من خمسة دولارات للبرميل للشحنات المقرر تسليمها في مايو (أيار) 2025.

وأظهرت بيانات "كبلر" أن الصين من المقرر أن تستورد في مارس المقبل أول شحنة من مزيج "سي بي سي" القازاخستاني منذ يونيو (حزيران) 2024.

وقال متعامل في سنغافورة إن الذراع التجارية لشركة "توتال إنرجيز" تلقت الأسبوع الذي أعقب العقوبات الجديدة عديداً من الاستفسارات لدرجة أنها أجرت مناقصات بدلاً من المفاوضات المباشرة لبيع شحناتها من خامات الشرق الأوسط، والتي ذهبت في النهاية إلى شركتي "سينوك ورونغشنغ" الصينيتين، ولم ترد "توتال إنرجيز" على طلب للتعليق بعد.

وفي انعكاس للطلب المتزايد على خامات في الشرق الأوسط زادت العلاوة على خامات عمان ودبي ومربان القياسية بأكثر من المثلين في يناير الماضي مقارنة بديسمبر (كانون الأول) 2024 على رغم انخفاض الطلب من المصافي تزامناً مع أعمال صيانة موسمية.

ورفعت "أرامكو السعودية"، أكبر مصدر للنفط في العالم، أسعار الخام الذي تبيعه إلى آسيا إلى أعلى مستوى منذ ديسمبر 2023، مما رفع الكلف على المصافي، وقال متعامل أنغولي إن هناك زيادة في الطلب من مشترين آسيويين.

وقال متعامل صيني إن شركة "يونيبك" تأخذ كثيراً من شحنات الخام من غرب أفريقيا، وخصوصاً البراميل الأنغولية، و"يونيبك" هي الذراع التجارية لشركة "سينوبك" التي تعد أكبر مصفاة في آسيا، ولم ترد "سينوبك" على طلب للتعليق بعد.

ومع توقف السفن الخاضعة للعقوبات في طرق التجارة البحرية سارع عديد من المتعاملين في التحول إلى سفن أخرى بكلف تفوقها مرات عدة، مما يرفع كلفة الشحنة الواحدة ملايين الدولارات.

ارتباك في الهند

إلى ذلك يشكل ارتفاع الكلف صعوبة كبيرة لمصافي النفط في الهند، ففي أواخر العام الماضي كثفت البلاد اعتمادها على النفط الروسي، بدلاً من خامات الشرق الأوسط، عندما أبرمت شركة "ريلاينس إندستريز" اتفاق توريد مدتها 10 سنوات مع "روسنفت" الروسية العملاق بقيمة 13 مليار دولار سنوياً.

ووفقاً لوكالة "رويترز" قال وزير النفط الهندي هذا الأسبوع إن "مصافي التكرير في البلاد ترغب في شراء النفط الروسي عبر شركات وسفن غير خاضعة لعقوبات الولايات المتحدة، والتي أدت بالفعل إلى تقليل عدد الشحنات والسفن المتاحة وفقاً لمصادر هندية بقطاع التكرير".

وأوضحت المصادر أنه في ظل وجود إمدادات محدودة من الشحنات غير الخاضعة للعقوبات، تقلصت الخصومات على خام "الأورال" الروسي مقارنة بخام "برنت" إلى 2.50-2.90 دولار للبرميل للتسليم في مارس المقبل، مقابل ثلاثة إلى ثلاثة دولارات ونصف دولار قبل عقوبات يناير الماضي، وهي زيادة كبيرة في الكلفة على شحنة قياسية حجمها مليون برميل.

وقالت المصادر الهندية بقطاع التكرير إن ارتفاع كلفة الخام الروسي قلص الفجوة السعرية مع نفط الشرق الأوسط إلى نحو ثلاثة دولارات للبرميل من ستة إلى سبعة دولارات للمصافي الهندية، وهو ما لا يوفر حافزاً كبيراً للمخاطرة بتكبد عقوبات ثانوية.

وأوضحت المصادر أن المشترين الهنود رفضوا عروضاً من شركة الشحن الروسية العملاق "سوفكومفلوت" لتلقي مدفوعات بأي عملة، بما في ذلك الروبية الهندية، مقابل النفط الروسي المنقول على ناقلات خاضعة للعقوبات، بعدما التقى رئيسها التنفيذي بالمشترين الهنود على هامش مؤتمر للطاقة في الهند هذا الأسبوع وفقاً لما نشرته "رويترز".

ويعني ذلك التباطؤ أن مخزونات النفط الروسي العائمة زادت 17 مليون برميل منذ الـ10 من يناير الماضي، وفقاً لمذكرة صادرة عن "غولدمان ساكس" في الخامس من فبراير (شباط) الجاري، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 50 مليون برميل في النصف الأول من 2025.

استهداف النفط الإيراني

يأتي توقف الإمدادات الروسية في أعقاب انخفاض واردات الخام الإيراني إلى الصين، وهي أكبر مُشترٍ له، وسط ضغوط أميركية مشددة وتعهد من الرئيس الأميركي دونالد ترمب أخيراً بخفض صادرات طهران النفطية إلى الصفر.

ويقدر "غولدمان ساكس" أن مخزونات النفط الإيراني العائمة زادت 14 مليون برميل منذ بداية العام إلى أعلى مستوى لها في 14 شهراً، وقال المحللون إن فرض عقوبات أشد قد يخفض إنتاج إيران بمقدار مليون برميل يومياً ويرفع سعر "برنت" إلى 80 دولاراً للبرميل بحلول مايو 2025.

وقال أحد المتعاملين إن تقليص المتاح من الخام الأقل سعراً وضعف الطلب في الصين دفع عديداً من المصافي إلى الإغلاق للصيانة بدلاً من خسارة 500 يوان (68.62 دولار) لكل طن من النفط غير الخاضع للعقوبات.

تحذير مسبق

في غضون ذلك قال مسؤولون في قطاع التكرير إنه قبل أسابيع من الإعلان عن العقوبات في وثيقة مكونة من 27 صفحة، حذرت السلطات الهندية المصافي في البلاد، مما دفعها إلى إبرام بعض عمليات الشراء في خطوة استباقية، ولم ترد الحكومة الهندية على طلب للتعليق لـ"رويترز".

وفي الصين أصدرت مجموعة موانئ شاندونغ حظراً على رسو السفن الخاضعة للعقوبات قبل ثلاثة أيام من إعلان تلك الإجراءات، لكن من غير الواضح ما إذا كانت تلك الخطوة مرتبطة بتحذير مسبق.

وقال متعاملون إن هناك إشارات إضافية على أن الأسواق توقعت عقوبات جديدة، منها ارتفاع الطلب على نفط الشرق الأوسط وأفريقيا من المشترين الصينيين والهنود، والتدافع على استئجار سفن، مما أدى لاحقاً إلى ارتفاع حاد في أسعار الناقلات.