![Image](uploads/news/67aee80e1c823.jpg)
"الحل النهائي للحوثيين: استراتيجية متعددة الأبعاد تتطلب جهوداً أكبر من مجرد إبادة زعيمهم"
أفاد إدموند فيتون براون، السفير البريطاني السابق في اليمن، بنقاش مرعب حدث في عام 2016 مع مفاوضي الحوثيين، حيث زعم المسؤولون الحوثيون أن ميزتهم الاستراتيجية على القوات المدعومة من الغرب هي عدم اهتمامهم بعدد اليمنيين الذين يمكنهم قتلهم، مؤكدين أنه عندما يصل عدد الضحايا إلى حد معين، فإن الغرب سيأتي إليهم يتوسل للتوصل إلى حل سلمي.
تبين أن هذا التوقع كان دقيقًا بشكل عام، إذ تأثر التحالف المناهض للحوثيين بضغوط متزايدة منذ عام 2018 لإنهاء الحرب في اليمن بسبب الخسائر البشرية الكبيرة. على الرغم من عدم اهتمام الحوثيين بعدد القتلى اليمنيين، إلا أنهم قد يتأثرون بشدة بمقتل الزعيم عبد الملك الحوثي.
قد اقترح بعض المحللين أن قتل عبد الملك الحوثي قد يؤدي إلى انهيار التنظيم وتقديم حلاً للتهديد الذي يمثله الحوثيون. ومع ذلك، يبقى من غير المرجح أن يحل ذلك بشكل نهائي مشاكل الجماعة.
على الرغم من أن قتل الزعيم الحوثي يمكن أن يكون تطورًا إيجابيًا، إلا أنه لا يعتبر حلاً شاملاً للتهديدات التي تشكلها الحركة. من الجدير بالذكر أن الحوثيين يمتلكون قدرة على شن هجمات على الأصول الأميركية وحلفائها، وعلى إعاقة حركة المرور في البحر الأحمر، بالإضافة إلى استعدادهم للتعاون مع الجهات المارقة في سبيل الحصول على الأموال.
من المهم أن نفهم أن اغتيال عبد الملك الحوثي ليس حلاً نهائيًا للتهديدات التي تشكلها الحركة. وعلينا أن نكون حذرين في التعامل مع هذا الأمر، حتى لا نزيد من تعقيد الوضع في اليمن والمنطقة بشكل عام.
على الرغم من أن القضاء على عبد الملك الحوثي قد يبدو وكأنه سيحقق العدالة والمصالح القومية، إلا أن تأثير هذا المقتل لا يجب أن يتم تضخيمه بشكل زائد بواسطة استراتيجيات مناهضة للحوثيين. هناك أربعة أسباب على الأقل قد تؤدي إلى نتائج غير متوقعة بعد مقتل زعيم حركة الحوثي:
أولاً، يجب أن ندرك أن الحوثيين قد تحولوا إلى كيان شبه دولة بعد سيطرتهم على أجهزة الدولة اليمنية في عام 2014 وتأسيس هياكل قيادية موازية مستوحاة من حزب الله. يتضمن ذلك السيطرة على البيروقراطية والاقتصاد في المناطق التي يسيطرون عليها، مما يجعل إزاحتهم أمرًا صعبًا.
بالإضافة إلى ذلك، يحكم الحوثيون الآن جميع الصناعات الرئيسية في أراضيهم، بما في ذلك شركات الاتصالات والبنوك، ويسيطرون على الموانئ البحرية والحدود البرية. هذا يعني أنهم يتمتعون بالسيطرة على التجارة الخارجية ويضمنون التعاون معهم عن طريق المشرفين الحوثيين.
بشكل عام، يظهر أن الحوثيين قد بنوا هياكل تنظيمية قوية تجعلهم صعبين الإزاحة، وبالتالي فإن مقتل عبد الملك الحوثي قد لا يكون الحل النهائي للتحديات التي تواجههم.
يتزايد تأثير الحوثيين على 20 مليون شخص تحت حكمهم من خلال أجهزة الاستخبارات الملتزمة بقمع أي تهديد للسلطة المطلقة. يدير إحسان الحمران الأمن الوقائي للجماعة ويسعى لتحييد أي تهديدات داخلية. بينما يقود عبد الحكيم الخيواني جهاز الأمن والمخابرات للتركيز على السيطرة على الحياة المدنية وضمان توزيع الموارد وفقا لمصالح النظام. تشمل آلية السيطرة الأخرى الشرطة وقوات الأمن المركزي. يظهر أن هذه المنظمات المخصصة تهدف إلى منع التهديدات وضمان السيطرة على النظام.
من المهم التأكيد على أن تطبيق استراتيجيات القتل التي تستخدمها بعض الدول لمكافحة الإرهاب لا يمكن بالضرورة تطبيقها على الحوثيين، الذين يمتلكون هيكل تنظيمي معقد وقوات مسلحة كبيرة. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن نفهم أن النظام الحوثي يمثل تحديا فريدا نظرا لتنوع مؤسساته وقدرته على السيطرة على الشعب والاقتصاد في شمال اليمن. قد يكون من الأنسب وصف النظام في صنعاء بأنه تحالف بين جماعة إرهابية مثل القاعدة ونظام استبدادي مثل إيران أو كوريا الشمالية.
ثانيا، أصبح لدى الحوثيين وداعميهم في بيروت وطهران الوقت الكافي للتحضير لمحاولات اغتيال عبد الملك الحوثي. ومن المرجح أنهم يتخذون التدابير اللازمة لمنع نجاح مثل هذه الضربات، فضلاً عن إعداد آلية لما بعد ذلك. ومن المرجح أن تتضمن هذه الخطوات عزله عن جميع الاتصالات الإلكترونية، وإبقائه في مخابئ آمنة وسرية، ومنع كبار القادة من التجمع، وتحديد الشكل الذي ينبغي أن تتخذه خلافته في حالة وفاته. ولكن حتى لو لم تعمل آلية الخلافة بسلاسة بعد مقتل عبد الملك، فلا ينبغي لنا أن نفترض بالضرورة أن حركة الحوثيين سوف تتفكك أو تنهار. فقد مكنت الروابط الأسرية والتاريخية والأيديولوجية الوثيقة بين الحوثيين في الماضي من حل النزاعات الساخنة بين كبار القادة.
وفي حين لا نستطيع أن نجزم بكيفية اختيار الوريث أو من سيكون، فمن الآمن أن نفترض أن هذه القضية قيد النظر من جانب صناع القرار الرئيسيين في النظام وأن هناك العديد من المرشحين الأوفر حظاً من داخل عائلة الزعيم، بما في ذلك وزير الداخلية عبد الكريم الحوثي والمسؤول الأمني الكبير علي الحوثي. ونظرًا للعلاقات الوثيقة التي تربط إيران بنواة النظام الحوثي، ففي حال خروج صنعاء مؤقتًا عن التوازن بسبب اغتيال، فمن المرجح أن تسعى طهران إلى مساعدتها على التعافي. ومثل نعيم قاسم من حزب الله، قد يلجأ خلفاء محتملون مؤقتًا خلال فترات قصيرة من الفوضى إلى ملاذ آمن في إيران.
ومن المرجح أن يشعروا بالراحة هناك وقد يثبتون استعدادهم للخضوع لخطط طهران للخلافة، كما فعلت إيران لأكثر من عقد من الزمان مع قادة الحوثيين الشباب من أجل رعايتهم. وفي حين قد يزعم المرء أنه نظرًا للفشل الذريع لوكلاء إيران على مدار العام الماضي، فإن طهران تتطلع الآن إلى تقليص خسائرها، وقد تكون قدرة الحوثيين المستمرة على زرع الفوضى في المنطقة المفاجأة السارة الوحيدة لإيران في الوقت الذي انهار فيه بقية محورها.
وبعد عدة عقود من الصراع ومئات الآلاف من القوات في صفوفهم، أصبح لدى الحوثيين مجموعة كبيرة من المرشحين المحتملين ذوي الخبرة والإعداد الجيد لخلافة عبد الملك. ووفقًا لكلاين، فإن هذه الخصائص قد تضعهم في وضع يسمح لهم بالتخفيف من تأثير اغتيال الزعيم.
ثالثًا، هناك أمثلة تاريخية ذات صلة حيث فشلت عمليات الاغتيال الناجحة لقادة الإرهاب في التأثير سلبًا على أداء ساحة المعركة أو حتى تمهيد الطريق لقادة أكثر كفاءة لتولي زمام الأمور. يمكن للمرء أن يقول بأن اغتيال إسرائيل لزعيم حزب الله عباس الموسوي في عام 1992، مهد الطريق أمام حسن نصر الله لتولي القيادة بشكل أفضل. قبل وفاته في عام 2024، نجح نصر الله في تحويل المنظمة إلى أكبر وأكثر تمويلًا في العالم.
هناك أمثلة أخرى تحدث داخل اليمن، حيث لم يتولى عبد الملك السيطرة على حركة الحوثيين إلا بعد مقتل شقيقه حسين على يد الحكومة اليمنية في عام 2004. منذ ذلك الحين، نجح عبد الملك في تطوير حركة الحوثيين وتحويلها إلى جهاز يشبه الدولة بترسانة قوية من الصواريخ الباليستية.
في الآونة الأخيرة، قتل التحالف المناهض للحوثيين بعض القيادات المهمة مثل طه المداني في عام 2016، وصالح الصماد في عام 2018، وإبراهيم الحوثي في عام 2019. ورغم استبدال هؤلاء القادة، لم تحدث فوضى تنظيمية.
تعتبر استراتيجية الاستهداف بالاغتيال محفوفة بالمخاطر، حيث يحتاج الأمر إلى معلومات دقيقة وفرص عملية لشن الضربة. يجب أيضًا أن تركز الجهود على تقويض بنية النظام بشكل شامل، بما في ذلك الهيكل الاقتصادي والعسكري والإعلامي والتنظيمي.
على الرغم من أن عملية الاغتيال يمكن أن تكون جزءًا من الاستراتيجية العامة ضد المنظمات المسلحة، يجب أن تؤخذ في الاعتبار العوامل الأخرى التي قد تؤثر على نجاح هذه العملية.
الحملة الناجحة التي شنتها إسرائيل لإضعاف حزب الله اللبناني وإخضاعه تعتبر نموذجًا لنهج متعدد الأبعاد في محاربة الإرهاب. وقد استهدفت إسرائيل القيادات العليا والمتوسطة، بالإضافة إلى البنية التحتية والترسانة العسكرية والعمليات الإعلامية لحزب الله. كما قامت بحملة دبلوماسية لعزل الحزب ودعم المراكز البديلة داخل لبنان. هذا النهج يقدم مثالًا فعالًا للتحالف المناهض للحوثيين في اليمن لإضعاف وكيل إيران. ويشير الخبراء إلى أن تعطيل خطوط الإمداد ومهاجمة القدرات اللوجستية يعد أكثر فعالية في تقويض الجماعات الإرهابية.
إن الاستراتيجيات الشاملة تتطلب تدمير بنية النظام واقتصاده وآلته الدعائية وأدوات القمع والقدرات العسكرية والقيادة المتعددة المستويات. ويجب أن تكون هذه الجهود مستمرة وشاملة لضمان الهزيمة النهائية للجماعات الإرهابية. يجب أن تكون الهجمات على القيادات العليا جزءًا من استراتيجية أوسع تستهدف جميع جوانب البنية التحتية للجماعة الإرهابية.
في النهاية، يجب على الدول المعنية بالاستقرار في المنطقة، مثل الولايات المتحدة وإسرائيل، أن تعمل معًا لتدمير البنية التحتية التي تدعم الجماعات الإرهابية. وعلى الرغم من أن الحلول السريعة قد تبدو جذابة، إلا أن النهج الشامل والمستمر يعد الأفضل لضمان النجاح في محاربة الإرهاب وتحقيق الاستقرار في المنطقة.
المصدر: موقع warontherocks, العسكري