![Image](uploads/news/67aa2462ec92a.jpg)
اليمن بعد نكبة 11 فبراير .. سنوات من الحرب والجوع والانهيار الاقتصادي
مَرَّ اليمن منذ أحداث نكبة 11 فبراير 2011 بتحولات عميقة حوّلت البلاد إلى ساحة صراع مدمر، حيث تدهورت الأوضاع السياسية والاقتصادية والإنسانية بشكل كارثي.
هذه الأحداث التي بدأت تحت مسمى "ثورة شبابية" انتهت إلى صراع متعدد الأطراف، بأجندات خارجية، مما جعل اليمن مثالًا حيًا لمعاناة شعب دفع ثمن الصراعات السياسية والفساد والتدخلات الإقليمية.
نهب الموارد وتدمير المؤسسات
منذ انقلاب عصابة الحوثي على الدولة اليمنية في 2014، دخل اليمن في دوامة حرب شاملة. بحسب تقارير أممية، أسفر الصراع عن مقتل وإصابة أكثر من 377,000 شخص حتى 2023، معظمهم من المدنيين.
و سعت عصابة الحوثي عقب الانقلاب واعلانها الحرب على اليمنيين إلى نهب الموارد وتدمير مؤسسات الدولة، حيث استولت على الموارد الحيوية في المناطق الخاضعة لسيطرتها، مثل عائدات النفط والغاز والجمارك، والضرائب وأجبرت التجار والمواطنين على دفع جبايات مالية ضخمة بمسميات متعددة استخدمتها لتمويل مشاريعها وأجنداتها الطائفية، تاركة المواطنين في حالة من الحرمان الشديد.
وبحسب محلليين سياسيين واقتصاديين فإن الحرب التي اشعلتها عصابة الحوثي في اليمن ليست فقط نتيجة خلافات سياسية داخلية، بل هي صراع متعدد الأبعاد، حيث لعبت العصابة دورًا كبيرًا في تفاقم الأوضاع من خلال توجيه موارد الدولة نحو أجنداتها الخاصة بدلاً من تحسين حياة المواطنين ، وعلى راسها دفع رواتب موظفي الدولة في مناطق سيطرتها.
مأساة بلا حدود
بحسب تقرير برنامج الغذاء العالمي لعام 2024، فإن أكثر من 20 مليون يمني يعانون من انعدام الأمن الغذائي، مع وجود 5 ملايين شخص في حالة "طوارئ غذائية"، أي على حافة المجاعة.
يعود السبب الرئيسي لذلك إلى تعطل سلاسل الإمداد، وارتفاع الأسعار، وانهيار العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية.
وأشار التقرير إلى أن سيطرة عصابة الحوثي على المساعدات الإنسانية في مناطق نفوذهم أدى إلى سوء توزيعها وحرمان مستحقيها منها. إضافةً إلى ذلك، أدى الفساد الحكومي والانقسامات السياسية إلى تفاقم الأزمة، حيث يتم توجيه معظم المساعدات لصالح الفئات الموالية للأطراف المتصارعة.
انهيار اقتصادي شامل
انهار الاقتصاد اليمني بشكل غير مسبوق، مع تراجع قيمة الريال اليمني إلى مستويات قياسية، حيث تجاوز سعر صرف الريال اليمني الى اكثر من 2287 ريال للدولار الواحد في المناطق الخاضعة للحكومة الشرعية، وبلغ سعر صرف الريال اليمني 600 ريال مقابل الريال السعودي.
بينما استمرت عصابة الحوثي بتثبيت السعر في مناطق سيطرتها عبر إجراءات قمعية تستنزف التجار والمواطنين.
حيث يعاني المواطنون في مناطق سيطرتها من ارتفاع الأسعار بما فيها اسعار المواد الغذائية رغم استقرار اسعار الصرف، وفق محللين اقتصاديين.
وفقًا لتقرير البنك الدولي لعام 2023، يعتمد 80% من اليمنيين على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة. كما أوضح التقرير أن جماعة الحوثي تستغل الموارد الاقتصادية مثل الضرائب والجمارك لصالح تمويل حربها، بدلًا من صرف مرتبات الموظفين، التي توقفت في مناطق سيطرتها منذ 2016، مما دفع ملايين الأسر إلى حافة الفقر المدقع.
محللون اقتصاديون أشاروا إلى أن "نهب عصابة الحوثي لموارد الدولة والجبايات المالية وتوجيهها لصالح مشاريعها الطائفية لم يضر فقط بالاقتصاد، بل ساهم في تعميق الفجوة بين المناطق الواقعة تحت سيطرتها وباقي أنحاء اليمن.
الفساد الحكومي ضاعف معاناة المواطنين
إلى جانب ممارسات عصابة الحوثي، ساهمت الحكومات المتعاقبة في المناطق المحررة في تعميق الأزمة ومضاعفة معاناة المواطنين بسبب غياب الشفافية والفساد الإداري.
ووفق مصادر حقوقية واقتصادية، تواجه الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا اتهامات خطيرة بالفساد، تشمل نهب موازنات الدولة بالعملة الصعبة وسوء استغلالها، فضلاً عن الفساد في التعيينات الدبلوماسية وتوزيع المناصب القيادية ومراكز صنع القرار لغير المؤهلين.
كما يتم التلاعب بالمنح الدراسية لصالح ابناء واقارب قيادات الدولة ومسؤولي الحكومة وحرمان المستحقين منها.
وانعكس هذا الفساد بشكل مباشر على غياب الخدمات الأساسية، مثل الكهرباء والمياه، مما زاد من معاناة المواطنين وفاقم الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
وفي هذا السياق، تشير تقارير دولية إلى أن جزءًا كبيرًا من المساعدات والمنح الدولية لم تصل إلى مستحقيها، بل تم توجيهها لجيوب المسؤولين أو لتعزيز نفوذهم السياسي.
حرمان اليمنيين من أبسط حقوقهم
في مناطق سيطرة عصابة الحوثي، يعاني المواطنون من غياب الخدمات الأساسية. لا يحصل الموظفون على مرتباتهم منذ سنوات، ويتم فرض إتاوات متعددة تحت مسميات مثل "المجهود الحربي"، ما أثقل كاهل السكان.
وفي هذا السياق أكدت تقارير حقوقية دولية ومنها تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش لعام 2023 أن عصابة الحوثي تعتمد على سياسة الحرمان الممنهج من الحقوق كأداة للسيطرة، بما في ذلك منع رواتب الموظفين، وعرقلة وصول المساعدات، وفرض ضرائب وإتاوات تعجيزية على التجار والمزارعين.
مصير غامض ومستقبل مجهول
رغم الجهود الدولية والإقليمية لإيجاد حل سياسي، إلا أن غياب الإرادة الجادة من جميع الأطراف يحول دون تحقيق السلام.
المواطن اليمني، الذي يعاني يوميًا من الجوع والفقر والحرمان، يبقى الضحية الأكبر لهذه الحرب ومطامع اطرافها.
حيث يعيش اليمنييون بعد 11 فبراير 2011 واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العصر الحديث، نتيجة الصراع على السلطة والفساد ونهب الموارد.
في ظل استمرار هذا الوضع، يبقى السؤال: هل يمكن لليمن أن ينهض يومًا من تحت رماد الحرب، أم أن معاناته ستستمر لعقود قادمة؟!.