![Image](uploads/news/02-10-25-8240608.jpg)
من هو زعيم المتمردين الذي تجسد مسيرته الاضطرابات في رواندا والكونغو الديمقراطية؟
تعيش جمهورية الكونغو الديمقراطية حالة من الاضطراب، بعد أن بدأ مقاتلو جماعة المتمردين إم 23 "مشهورة بأعمالها العدائية"، بالزحف عبر شرق البلاد، حيث يقاتلون الجيش الوطني ويستولون على أماكن رئيسية أينما ذهبوا.
ويقال إن الآلاف من الناس لقوا حتفهم في غضون أسبوعين فقط، وأثار القتال حرباً كلامية بين جمهورية الكونغو الديمقراطية وجارتها رواندا.
فكيف وصلت جمهورية الكونغو الديمقراطية - أكبر دولة في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى - إلى هذه النقطة؟
يمكن فهم أصول هذا الصراع المعقد من خلال قصة رجل واحد – زعيم حركة إم 23، سلطاني ماكينغا، الذي أصبح موضوعاً لاتهامات مختلفة بارتكاب جرائم حرب.
إن العودة إلى الوراء في حياة ماكينغا حتى الآن تعني النظر في عقود من الحرب والتدخل الأجنبي المتقطع، والإغراء المستمر للموارد المعدنية الغنية في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
بدأت حياته في يوم عيد الميلاد عام 1973، عندما ولد في بلدة "ماسيسي" الكونغولية الخصبة.
نشأ ماكينغا على يد والديه من جماعة التوتسي العرقية، وترك المدرسة في سن السابعة عشرة للانضمام إلى جماعة متمردة من التوتسي عبر الحدود في رواندا.
كانت هذه المجموعة، التي أطلق عليها اسم الجبهة الوطنية الرواندية (RPF)، تطالب بتمثيل أكبر للتوتسي في حكومة رواندا، التي كانت في ذلك الوقت تهيمن عليها الأغلبية من عرقية الهوتو.
كما أرادوا أن يتمكن مئات وآلاف اللاجئين التوتسي، الذين أجبروا على مغادرة البلاد بسبب العنف العرقي، من العودة إلى ديارهم.
لمدة أربع سنوات، قاتل ماكينغا والجبهة الوطنية الرواندية الجيش الذي يهيمن عليه الهوتو في رواندا. وكانت معركتهم متشابكة مع الإبادة الجماعية عام 1994، عندما قتل المتطرفون الهوتو 800 ألف من التوتسي والهوتو المعتدلين.
في مقابلة نادرة أجريت معه عام 2013، قال ماكينغا: "حياتي حرب، وتعليمي حرب، ولغتي حرب... لكنني أحترم السلام".
استولت الجبهة الوطنية الرواندية تدريجياً على المزيد والمزيد من الأراضي، قبل أن تزحف إلى العاصمة الرواندية كيغالي، وتطيح بحكومة الهوتو المتطرفة - التي فر العديد منها إلى ما يُعرف الآن بجمهورية الكونغو الديمقراطية.
مع وصول الجبهة الوطنية الرواندية إلى السلطة، تم استيعاب ماكينغا في الجيش الرواندي الرسمي، وترقى إلى رتبة رقيب ونائب قائد فصيل.
قال أحد زملاء ماكينغا في الجبهة الوطنية الرواندية في تصريحات لمعهد "ريفت فالي" -منظمة أبحاث غير ربحية-: "كان جيداً جداً في نصب الكمائن".
لكن تقدمه في الجيش الرواندي وصل إلى سقف محدد. وقال معهد "ريفت فالي" إن حقيقة أنه لم يتلق سوى تعليم أساسي، ويتحدث الفرنسية والإنجليزية بصعوبة، كانت "عقبة أمام مسيرته العسكرية".
ويقال أيضا إن ماكينغا - حتى يومنا هذا - متحفظ للغاية ويواجه صعوبة في التحدث أمام الجمهور.
في عام 1997، كانماكينغا جزءاً من القوات المدعومة من رواندا، التي انتهت بالاستيلاء على السلطة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، والإطاحة بالحاكم موبوتو سيسي سيكو الذي حكم البلاد لفترة طويلة. وفي مكانه، نصّبوا زعيم المتمردين الكونغوليين المخضرم لوران كابيلا.
ومع ذلك، بدأ ماكينغا في الصدام مع رؤسائه - إذ ألقت السلطات الرواندية القبض عليه بعد رفضه الأوامر بالعودة إلى رواندا، وفقاً لتقرير مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ولذلك سُجن لعدة سنوات في جزيرة إيواوا.
وفي الوقت نفسه، تدهورت العلاقات بين كابيلا وزعماء رواندا الجدد.
كانت رواندا تسعى إلى سحق رجال الميليشيات الهوتو المسؤولين عن الإبادة الجماعية، ولكنهم فروا عبر الحدود في عام 1994. وكان خوف رواندا هو أن يتمكنوا من العودة وزعزعة استقرار البلاد الذي اكتسبته بشق الأنفس.
لكن كابيلا فشل في منع المسلحين من تنظيم أنفسهم، وبدأ أيضاً في إجبار القوات الرواندية على الخروج.
ونتيجة لهذا، غزت رواندا جمهورية الكونغو الديمقراطية في عام 1998. وعندما أُطلق سراح ماكينغا من السجن، عُيِّن قائداً على خط المواجهة في صفوف جماعة (كونغولية) متمردة تدعمها رواندا.
ومع مرور السنين، اكتسب سمعة طيبة لكونه مخططاً جيداً للغاية، وماهراً في قيادة مجموعات كبيرة من الجنود إلى المعركة.
وبعد عبور القوات الرواندية إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، كانت هناك زيادة في التمييز ضد مجتمع التوتسي. وزعم كابيلا أن التوتسي دعموا الغزو، في حين حرض مسؤولون آخرون الجمهور على مهاجمة أعضاء المجموعة العرقية.
واتهم ماكينغا - الذي كان لا يزال في جمهورية الكونغو الديمقراطية - الزعيم الكونغولي بخيانة مقاتلي التوتسي، قائلاً: "كان كابيلا سياسياً، بينما أنا لست كذلك. أنا جندي، واللغة التي أعرفها هي لغة البندقية".
وتورطت عدة دول مجاورة في الصراع، ونُشرت قوة عسكرية كبيرة تابعة للأمم المتحدة لمحاولة الحفاظ على النظام.
ويُعتقد أن أكثر من خمسة ملايين شخص لقوا حتفهم في الحرب وبعدها.غالبيتهم بسبب فقدوا حياتهم بسبب الجوع أو المرض.
انتهت المعارك رسميا في عام 2003، لكن ماكينغا استمر في الخدمة في الجماعات المسلحة المعارضة للحكومة الكونغولية.
وبروح المصالحة، تم دمج المتمردين التوتسي مثل ماكينغا في نهاية المطاف في القوات المسلحة للحكومة الكونغولية، في عملية سميت "الدمج".
ولكن الرمال السياسية في جمهورية الكونغو الديمقراطية تتغير باستمرار - انشق ماكينغا في النهاية عن الجيش للانضمام إلى تمرد إم 23 الصاعد.
أصبحت حركة إم 23 نشطة بشكل متزايد في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث أعلنت أنها تقاتل لحماية حقوق التوتسي، وأن الحكومة فشلت في احترام اتفاق السلام الذي وُقع في عام 2009. وجرى ترقية ماكينغا إلى رتبة جنرال في حركة إم 23، ثم بعد فترة وجيزة إلى أعلى منصب في الحركة.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني عام 2012، قاد ماكينغا المتمردين في "انتفاضة وحشية"، حيث استولوا على مدينة غوما، وهي مدينة شرقية كبرى يبلغ عدد سكانها أكثر من مليون نسمة.
واتهمت الكونغو الديمقراطية والأمم المتحدة حكومة رواندا، التي يهيمن عليها التوتسي، بدعم حركة إم 23، وهو الادعاء الذي نفته كيغالي بشدة. لكن في الآونة الأخيرة، تغير الرد الرسمي، حيث صرح المتحدثون باسم الحكومة الرواندية بأن القتال بالقرب من حدودها يشكل تهديداً أمنياً.
وبحلول عام 2012، كان ماكينغا وآخرون في حركة إم 23 يواجهون اتهامات خطيرة بارتكاب جرائم حرب. فرضت الولايات المتحدة عقوبات عليه، قائلة إنه مسؤول عن "تجنيد الأطفال، وحملات العنف ضد المدنيين". وقال ماكينغا إن المزاعم بأن حركة إم 23 استخدمت الأطفال كجنود "لا أساس لها".
وقالت الأمم المتحدة إنه ارتكب، وكان مسؤولاً عن أعمال مثل، القتل والتشويه والعنف الجنسي والاختطاف.
وإلى جانب تجميد الأصول، واجه ماكينغا انقساماً مريراً داخل حركة إم 23. إذ دعمه أحد الفريقين كزعيم، بينما دعم الجانب الآخر منافسه الجنرال بوسكو نتاغاندا.
وقالت منظمة "إناف بروجكت"، وهي منظمة غير ربحية تعمل في جمهورية الكونغو الديمقراطية، إن الفصيلين انحدرا إلى "حرب كاملة" في عام 2013، ونتيجة لذلك، قُتل ثلاثة جنود وثمانية مدنيين.
انتصر فريق ماكينغا وفر الجنرال نتاغاندا إلى رواندا، حيث سلم نفسه للسفارة الأمريكية.
وقد حكمت المحكمة الجنائية الدولية على الجنرال نتاغاندا، الذي لُقّب بـ"المدمر" بسبب قسوته، بالسجن لمدة ثلاثين عاماً بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
ولكن بعد أشهر من انتصار ماكينغا، ظهر تهديد آخر أكبر. إذ نشرت الأمم المتحدة قوة قوامها ثلاثة آلاف جندي بتفويض لدعم الجيش الكونغولي في استعادة غوما، الأمر الذي دفع حركة إم 23 إلى الانسحاب.
وطُردت الجماعة المتمردة من البلاد، وفر ماكينغا إلى أوغندا، وهي الدولة التي اتُهمت أيضاً بدعم حركة إم 23 ـ ، الادعاء الذي تنفيه أوغندا.
وتلقت أوغندا طلباً من جمهورية الكونغو الديمقراطية بتسليم ماكينغا، ولكنها لم تتحرك بشأنه.
ومرت ثماني سنوات. وكانت عشرات الجماعات المسلحة الأخرى تجوب شرق البلاد الغني بالمعادن، وتثير الفوضى، ولكن ليس من بينها ماكينغا ورجاله.
كان هذا حتى عام 2021.
حمل ماكينغا ومتمردوه السلاح مرة أخرى، واستولوا على أراضٍ في إقليم شمال كيفو.
فشلت عدة اتفاقات لوقف إطلاق النار بين حركة إم 23، والسلطات الكونغولية، وفي العام الماضي حكم قاضٍ على ماكينغا بالإعدام غيابياً.
وخلال أحدث تقدم لحركة إم 23، الذي يقال إن المتمردين مدعومون خلاله بآلاف الجنود الروانديين، لم يظهر ماكينغا في العلن تقريباً.
بدلاً من ذلك، يترك الخطب والتصريحات العامة للمتحدث باسمه، إلى جانب كورنيل نانغا، الذي يرأس تحالفاً من الجماعات المتمردة بما في ذلك حركة إم 23.
لكن ماكينغا يظل لاعباً رئيسياً، ويبدو أنه يركز على التخطيط وراء الكواليس. وقال إن قتاله الدؤوب كان من أجل أطفاله الثلاثة، "حتى يكون لهم ذات يوم مستقبل أفضل في هذا البلد".
وقال "لا ينبغي أن يُنظر إليّ باعتباري رجلاً لا يريد السلام. لدي قلب وعائلة وأشخاص أهتم بهم".
لكن الملايين من المدنيين يدفعون ثمن هذا الصراع. وإذا ما ألقت القوات الكونغولية القبض عليه، فإن ماكينغا يواجه عقوبة الإعدام.
لكنه لا يتراجع عن عزمه. "أنا مستعد للتضحية بكل شيء"، كما قال.