Image

كردفان تتنفس الصعداء بعد 18 شهرا تحت قبضة "الدعم السريع"

بعد أكثر من عام ونصف العام من الحصار المحكم تحت قبضة قوات "الدعم السريع"، تنفست ولايات شمال وغرب وجنوب كردفان الصعداء بدخول الجيش السوداني إلى مدينة أم روابة، إحدى كبرى محليات إقليم شمال كردفان، مما يفتح الطريق أمامه للوصول حتى مدينة الرهد التي تعد آخر مداخل مدينة الأبيض.

تقع أم روابة على الطريق القومي الاستراتيجي الرابط بينها وبين ولاية النيل الأبيض والعاصمة الخرطوم، مما يمهد لفك الحصار الذي كان مضروباً على مدينة الأبيض عاصمة شمال كردفان وتأمين أقاليم وسط وشرق السودان، إضافة إلى فتح طريق الصادرات الذي يربط بين أم درمان والأبيض وتسهيل عملية مرور البضائع والسلع الاستهلاكية الضرورية والأدوية، وكذلك التمهيد لعودة آلاف النازحين إلى المدن والقرى.

أهمية استراتيجية

مدير معهد التحليل السياسي والعسكري الرشيد محمد إبراهيم قال، إن "تحرير أم روابة يمثل نقلة نوعية في مسار العمليات العسكرية واستراتيجية الجيش المبنية على الانفتاح وتوسع مساحات سيطرته، وتعد أول خطوة للتوجه نحو غرب السودان ضمن المرحلة الثالثة التي نفذتها القوات المسلحة، فضلاً عن القيمة العملياتية المهمة لكسب نقاط إضافية في المعارك.

وأضاف، أن "سيطرة الجيش على مدينة أم روابة تعني إحكام قبضته على طرق حيوية تربط بين كوستي ومحور الأبيض، وهو ما يمنحه قيمة استراتيجية ويعزز قدراته الهجومية، وبدلاً من أن تكون القوات المسلحة في منطقة متقدم ولاية سنار، تحولت الآن إلى محور كردفان، وتسهم هذه العملية العسكرية في تأمين المناطق المحررة، فضلاً عن فتح الطرق القومية، وقد أدت معركة استعادة السيطرة على منطقة جبل موية إلى إحكام القبضة على طرق تربط بين أربع ولايات، وهي النيل الأبيض وسنار والنيل الأزرق والجزيرة".

 

وأوضح إبراهيم، أن "الأهمية الاستراتيجية لاسترداد الجيش لمدينة أم روابة تتمثل في الجانب العسكري، إذ يسهم هذا الانتصار في تأمين ولاية جنوب كردفان والطريق الدائري والتمهيد لفتح طريق الصادرات الرابط بين أم درمان والأبيض مروراً بمدينة النهود في ولاية غرب كردفان".

وأشار مدير معهد التحليل السياسي والعسكري إلى أن "هناك هدفاً آخر يتمثل في التحرك والإسهام في المعارك بجبهات عدة، خصوصاً عملية الانتقال لمحور دارفور، مما ينعكس بصورة إيجابية على الموقف العملياتي والتوغل داخل مدينة الفاشر لفك الحصار بأكثر من طريقة".

وأردف، أن "توسع مساحات سيطرة الجيش وانفتاحه في محور كردفان يتيح له إمكانية تشغيل مطار الأبيض وتأمين وصول الإمدادات اللوجيستية الخاصة بالعمل الإنساني، إضافة إلى تحقيق مكاسب ترتبط بالاتفاقات مع المجتمع الدولي تعزيزاً لجهود تسهيل انسياب المساعدات الإنسانية، وتوسيع دائرة التأمين والحد من فرص التدخل الدولي ومحاولة إلصاق تهمة تعويق وصول المساعدات بالجيش السوداني".

وشرح أن الاستراتيجية العسكرية التي ينتهجها الجيش في الوقت الراهن ترتكز أيضاً على فك الحصار وفتح الممرات الآمنة من خلال ربط طريق الأبيض كوستي وبورتسودان لتسهيل وصول البضائع والمواد الغذائية إلى ولايات كردفان الثلاث، وعودة التبادل التجاري وانسياب السلع والمعادن، وعلى رأسها الذهب والصمغ العربي والسمسم والدخن والذرة الرفيعة والكركدي إلى جانب المواشي على أنواعها من أبقار وماعز وضأن".

تطبيع وتطهير

إلى ذلك شرعت القوات النظامية في إزالة الأجسام الغريبة والمتفجرة من مدينة أم روابة، وأكملت فرق صيانة شبكات الاتصال ومهندسو الكهرباء أعمال الصيانة اللازمة وعادت شبكة سوداني للاتصالات للعمل من جديد.

من جانبها اتخذت رئاسة قوات الشرطة الترتيبات اللازمة لعودة الخدمات بصورة كاملة إلى المدينة، وأعلن الناطق الرسمي باسم الشرطة العميد فتح الرحمن محمد توم، عن استئناف شرطة محلية أم روابة لمهامها بعدما نجح الجيش والقوات المساندة له في استعادة المنطقة من ميليشيات "الدعم السريع". وأشار إلى أن "قوات الشرطة بجميع وحداتها وتشكيلاتها في حال استعداد تام لتقديم الخدمات الأمنية للمواطنين في كل منطقة يتم تحريرها".

في حين عد والي ولاية شمال كردفان عبدالخالق عبداللطيف أن "تحرير مدينة أم روابة يمثل بداية النهاية لميليشيات الدعم السريع"، داعياً لتضافر الجهود حتى تعود المنطقة إلى سيرتها الأولى.

وطالب عبداللطيف قوات "الدعم السريع" الموجودة بمنطقة الرهد ومدن ولاية شمال كردفان كافة بالاستسلام ورفع الراية أو انتظار الدحر وحسم المعركة لمصلحة القوات المسلحة.

دعم اقتصادي

في سياق متصل، أوضح الباحث الاقتصادي السوداني أيمن الشريف أن "فك حصار مدينة الأبيض يسهم في فتح الطريق القومي الرابط بين المدينة وكوستي على النيل الأبيض الذي كانت تسيطر عليه قوات الدعم السريع، وهو طريق مهم يربط مدن تندلتي وأم روابة والرهد التي تحوي مشاريع زراعية مهمة للاقتصاد القومي".

وأضاف، "من الناحية الاقتصادية فهي ممر تجاري مهم، وتشتهر بأكبر سوق للمحاصيل النقدية وبها أكبر بورصة للصمغ العربي في العالم، وفيها مصفاة الأبيض إحدى أربع مصاف للنفط إلى جانب مصفاة الخرطوم (الجيلي) ومصفاة بورتسودان ومصفاة أبوجابرة".

 

ولفت الشريف إلى أنه "حال تمكن الجيش السوداني من استعادة مدينة الرهد ستكون عملية مرور البضائع والسلع لمواطني ثلاث ولايات سودانية سهلة وميسرة، فضلاً عن عودة آلاف النازحين إلى المدن والقري في أقاليم كردفان الثلاث".

ويتابع الباحث الاقتصادي السوداني، "ولايات كردفان تمتلك موارد طبيعية ضخمة وثروة حيوانية، إلى جانب التنوع الكبير في المحاصيل، التي يندر وجودها على مستوى العالم، نظراً إلى خصائصها الممتازة كالصمغ العربي، وكذلك وجود المعادن في باطن الأرض على رأسها الذهب ومعادن نفيسة أخرى".

أخطار وأزمات

وحذر المتخصص في العمل الإنساني الفاضل جبريل من أن تمثل الانسحابات الكبيرة لمجموعات من "الدعم السريع" من مدينتي أم روابة والرهد نحو مناطق الدبيبات وأبوزبد والفولة تعزيزات بشرية لقواتها لعرقلة وصول البضائع والسلع إلى ولايتي جنوب وغرب كردفان بحكم وجود عناصر من تلك القوات في طريق الأبيض النهود والدبيبات الدلنج، فضلاً عن تأثر مدينة كادقلي بهجمات الحركة الشعبية - شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو، مما يفاقم الأوضاع الإنسانية للسكان الذين يهددهم شبح المجاعة نتيجة توسيع هذه القوات من نقاط تفتيشها وفرضها جبايات طائلة على الشاحنات التي تنقل البضائع".

وأوضح جبريل، أنه "رغم سيطرة الجيش على مدينة أم روابة وفتح طرق عدة، فإن الأزمات لن تنتهي بصورة كاملة نظراً إلى عدم تحرير مدينة الرهد ووجود قوات من الدعم السريع جنوب وغرب الأبيض، فضلاً عن توالي وصول التعزيزات والأسلحة المتطورة وعلى رأسها المسيرات الاستراتيجية مما يهدد فك الحصار الكامل عن ولايات كردفان".