اليمن بعد نكبة ٢٠١١.. بين محاكاة ربيع الإخوان وطوفان إيران .. دمار وطن وهلاك شعب
وقعت اليمن بين متغيرات المنطقة التي بدات بربيع الاخوان الذي بدأ في تونس عام ٢٠١٠، ووصل اليمن مطلع ٢٠١١، حاملًا شعارت إسقاط الأنظمة وإحلال الدمار بدلًا عنها، ليتحول ربيع الدمار الى طوفان ايراني ضرب المنطقة في ٧ اكتوبر ٢٠٢٣ ووصلت امواجه سواحل اليمن.
وما بين ربيع الاخوان وطوفان ايران، تعيش اليمن كافة التبعات، بعد ان تم كسر حاجز السيادة الوطنية، وفتح ابواب التدخلات الاجنبية على مصراعيها، لتعصف بحياة اليمنيين وتقذف بها الى اعماق ازمات سحيقة يصعب حلها، رغم الإجماع الدولي بأنها من أكثر الأزمات خطورة.
أزمات متطورة
تؤكد كل التقارير المحلية والدولية سواء الاقتصادية او الانسانية او الحقوقية او البيئية، إلى آخر كل الازمات التي يعرفها الانسان او سجلها ووثقها التاريخ، بأن اليمن وقعت ضحية ربيع الاخوان والمد الشيعي وطوفان ايران.
ومع ذكرى نكبة ربيع الاخوان التي حلت على البلاد، مطلع ٢٠١١، بدات الازمات والمصائب تتساقط على رؤوس اليمنيين، واشتدت بهم وطوّقتهم من كل مكان واتجاه، حتى وصلت بهم الى عدم قردتهم على توفير لقمة العيش.
ومع رفض مكونات النكبة لجميع مبادرات عدم جر البلاد نحو الهاوية التي قدمت من النظام الحاكم الذي انتخب من الشعب، واصرارها نحو استكمال ما طُلب منهم اقليميا ودوليا، تم دفع الاوضاع نحو تسليم اليمن للمد الايراني المتثل بعصابة الحوثي التي استدعيت بإلحاح من كهوفها الى صنعاء وبقية المدن من قبل قيادات حزب الاصلاح وشركائهم من احزاب اللقاء المشرك.
ووفقًا لتاريخ الاحداث التي بدأت مع سرقة احتجاجات الشباب المطالبة بإصلاحات محقة تم الاستجابة لها من قبل النظام، سرقتها من قبل الاخوان وشركائهم في ٢٠١١، مرورًا بجرائم الساحات التي اريد منها اختصار الزمن للوصول للحكم والثروات، وابرزها مجزرة جمعة ١٨ مارس بساحة جامعة صنعاء، وحريق ساحة الحرية بتعز، واستهداف جامع دار الرئاسة في اول جمعة من رجب الحرام مطلع يونيو ٢٠١١، والتي طالت كبار رجال الدولة ورأس نظامها الزعيم الراحل الشهيد علي عبدالل صالح.
وكذا حرب الحصبة وتدمير مؤسسات الدولة هناك واستهداف معسكرات الجيش في ارحب بصنعاء، والتي كانت مؤشرًا على وجود مخطط ممول خارجيا لتدمير اليمن، دفعت بالنظام الى انقاذ كيان الدولة وصون دماء اليمنيين، بالقبول بالمبادرة الخليجية التي تضمنت حلولًا، نوعًا ما مقبولة لإخراج اليمن من أتون ربيع الاخوان الممول دوليا.
وفتح تسليم السلطة سلميا من قبل الزعيم الصالح لنائبه حينها عبد ربه منصور هادي، الباب لدخول الاخوان والحوثيين والسيطرة على مؤسسات الدولة ومقرات الوطن وتسخيرها لصالح عناصر الجماعتين الارهابيتين، كما فتحت الباب لبقية الجماعات الارهابية كالقاعدة وداعش للظهور الى السطح والانتشار في محافظات عدة بينها شبوة وابين وحضرموت والبيضاء.
ذرائع لاستمرار الأزمات
ومع تنصل تلك المكونات عن تنفيذ المبادرة الخليجية، دخلت البلاد مرحلة خطيرة من الازمات المخطط لمسارها جيدا من قبل الخارج، حيث تم التنصل عن مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، ومحاصرة صنعاء من قبل الحوثيين بحجة اسقاط ال ٥٠٠ ريال التي اضيفت على سعر دبة البترول سعة ٢٠ لترا، ليتم اجتياح صنعاء في ٢١ سبتمبر ٢٠١٤ والسبطرة على مؤسسات الدولة ونهب المعسكرات والمقار الامنية والعسكرية والاقتصادية من قبل الحوثيين.
كانت حكومة الاخوان عمدت بين عامي ٢٠١٣ و٢٠١٤ الى تدمير المؤسسة العسكرية والامنية من خلال ما سمي "هيكلة الجيش" التي نفذها خبراء اجانب تم تقديم جميع الاسرار العسكرية والتسليح لهم بالكامل ليتم بعدها، وضع مخطط لتدميرها لاحقا.
وبعد تسليم الاسرار العسكرية خاصة فيما يتعلق بالتسليح وحجم القوى البشرية، لعصابة الحوثي ومنها للمخابرات الايرانية، وقبلها الى مخابرات عدة دول اقليمية متربصة باليمن، تم وضع خطط اسقاط الدولة اليمنية وانتهاك سيادته، ابتداء باجتياح صنعاء وبقية المدن من فبل وكلاء ايران بتواطؤ جماعة الاخوان الحاكمة حينها والتي بدات باسقاط دماج بصنعاء وصولا الى عدن في جنوب البلاد، والسيطرة على الحديدة على سواحل البحر الاحمر وباب المندب، هدف ايران الرئيسي، بذرائع محاربة الدواعش والارهاب بدعم امريكي اوروبي، بدات مرحلة تدمير اليمن وتشكل بقية الازمات.
تنفيذ مخطط الهيكلة
وبعد سماح الحوثيبن للرئيس هادي بمغادرة صنعاء بطلب سعودي - امريكي، والسماح لقيادات الاصلاح والمشترك وعلى راسهم علي محسن، وتسهيل خروج اعضاء الدبلوماسية الاجنبية من صنعاء، تمهيدًا لبدء تدمير معسكرات الجيش ومخازن اسلحته وفقًا لمعلومات الهيكلة المشؤومة.
ومع وصول هادي الى السعودية مع بقية قيادات النكبة من عناصر الاخوان، بدات ما سمي عاصفتي الحزم والأمل في تدمير معسكرات ومخازن الجيش اليمني بذريعة استهداف عصابة الحوثي التي لم يجرح منها اي قيادي حتى اليوم.
وتوثق المعلومات والاحداث بداية الحرب مع شن اول غارات للتحالف بقيادة السعودية في ليلة ٢٥ و٢٦ مارس ٢٠١٥، لتدخل البلاد في اتون حرب جوية وبرية في مناطق عدة امتدت من صعدة شمالا الى عدن جنوبا.
وعلى مدى عشرة اعوام تم تدمير اليمن تدميرا ممنهجا، كان اشدها وقعا على اليمنيين ما حدث من قبل مخابرات اجنبية بمساندة الحوثيين للقضاء على اول انتفاضة شعبية مسلحة ضد المد الفارسي في اليمن بقيادة الرئيس السابق الزعيم علي عبدالله صالح في ديسمبر ٢٠١٧ بصنعاء ليقدم نفسه شهيدا للحفاظ على اليمن ارضا وانسانا وصون الجمهورية والثورة اليمنية.
مرحلة الأزمات الإنسانية
وبعد استشهاد الزعيم الصالح، وتراجع مد القتال ضد الحوثيين من قبل جيش الاخوان المستنسخ من بقايا الفرقة الاولى مدرع بقيادة الجنرال علي محسن، وتم تسليم جبهات صنعاء والجوف وجنوب مارب وغرب شبوة للحوثيين، فيما تم وقف القتال في تعز.
وبعد إيقاف تحرير الحديدة بجهود الاخوان والغرب على راسها امريكا من خلال ما سمي اتفاق ستوكهولم في نهاية ٢٠١٨، وهدنة ابريل ٢٠٢٢ ووقف القصف الجوي للتحالف ووقف القتال بالجبهات، بدأت مرحلة اشتداد الازمات الاقتصادية التي تستهدف المواطنين بعد ان تم تدمير جيشهم ومؤسسات دولتهم ونهبها وتقاسم ما تبقى منها.
وبدات ما سميت "الحرب الاقتصادية" بين مكونات نكبة ٢٠١١ وانقلاب ٢٠١٤، باستهداف موانئ تصدير النفط والغاز في شبوة وحضرموت في اغسطس ٢٠٢٢، وتحويل سفن التجارة والبضائع الى موانئ الحديدة الواقعة تحت سيطرة الحوثيين بعد رفع الحصار عنها ومطار صنعاء.
وعلى وقع نقل البنك المركزي من صنعاء الى عدن عام ٢٠١٦، اقدمت عصابة الحوثي على منع تداول العملة الجديدة الصادرة عن البنك في عدن، بمناطق سيطرتها خاصة صنعاء، ما تسبب بأزمة فارق تحويل بين المناطق الشرعية والحوثيين، والتي ارتفعت لتصل حاليا الى ما نسبته ٣٥٠ بالمائة.
زاد انقسام العملة المحلية من ازمة ندرة النقد في مناطق الحوثي لتمارس اجراءات قمعية بحق البنوك الخاصة وشركات الصرافة، لتشهد مناطقها ازمة اسعار تتناقض مع استقرار الصرف الذي يتم معالجتها بالإجراءات ضد البنوك والصرافة.
ومع استفحال ازمة عدم صرف مرتبات الموظفين من قبل الحوثيين ونهبها منذ ٢٠١٦، وبدء ازمة فارق صرف العملة المحلية والحرب الاقتصادية على اليمنيين، خاصة مع تواطؤ الامم المتحدة ودول الاقليم المؤثرة على الاطراف، فيما يتعلق باجراءات الحفاظ على عملية النقد وودائع البنوك ومطالبتها بنقل مقراتها من صنعاء الى عدن من قبل البنك المركزي بعدن والتي تم الغائها تحت ضغوط اقليمية واممية، انهارت العملة المحلية في عدن وبقية المناطق الواقعة تحت سيطرة مكون الشرعية.
أسباب متعددة وهدف واحد
ومنذ التحجج بذريعة الازمة الانسانية التي اوقفت تحرير الحديدة، مرورًا بمضايقة ونهب المساعدات الانسانية والادوية المقدمة من المنظمات الدولية من قبل الحوثيين، مرورا بالحرب الاقتصادية، وانقسام العملة والغاء اجراءات البنك وصولا الى انهيار العملة والاقتصاد الحالية، يتضح بأن كلها مرتبطة بما يجري من جهود دولية واقليمية بهدف تمرير مخطط جديد في اليمن.
وتؤكد المعلومات ان ما يجري في اليمن حاليا مرتبط بمخطط مؤامرة نكبة ٢٠١١، وانها تصب في استكمال ذلك المخطط، من خلال تنفيذ مخطط جديد يصب في ايجاد صيغة تقاسم للمكاسب بين ادوات النكبة، مع مراعاة الكيانات الجديدة التي تشكلت ما بعد الحرب، ومصالح الدول الداعمة لكل مكون سواء من المكونات القديمة او الجديدة.
ضياع دولة وهلاك شعب
ويرى المراقبون بأن ما يجري في اليمن منذ بداية النكبة وحتى اليوم مرتبط بمصالح الدول الراعية والممولة والمشاركة في تدمير اليمن وقتل وهلاك اليمنيين.
ويؤكدون ان كل ما جرى منذ ٢٠١١ حتى طوفان الاقصى الايراني، وحرب السفن والملاحة في البحر الاحمر وخليج عدن، والعدوان الغربي والصهيوني الأخير، كله مرتبط بمصالح تلك الدول، دون النظر او الاهتمام بمصالح وحياة الشعب اليمني الذي فقد قيادته الوطنية تحت شعار التغيير والمتاجرة بالدين وقضايا الامة.
وتتوقع المصادر استمرار ازمات النكبة والطوفان، واحتمال اندلاع حرب جديدة في اليمن ستكون وطأتها اشد، لكنها قد تحمل جزءًا من تطلعات اليمنيين الذين استبعدوا من مشهد جهود السلام الفاشلة منذ بداية النكبة.
أخيرًا.. تبقى الحقيقة الماثلة على الأرض بعد مرور ١٤ عامًا على النكبة، ان من يدفع ثمن صراع الدول الداعمة لأذرع الدمار والفساد والقتل، هم اليمنيين الذين تطحنهم ازمات مفتعلة ومدارة من اطراف الداخل وداعميهم بالخارج.
ومن خلال قراءة الواقع المعاش فإن عودة اليمن الى ما قبل النكبة أصبح حلمًا يراود جميع اليمنيين، الذين ينتظرون فرصة واحدة تقودهم نحو الخلاص من مكونات الغدر والخيانة والتظليل والمتاجرة بمعاناتهم، وسيادة وطنهم وكرامتهم وحتى أعراضهم.