من أشعل فتيل الأزمة في الكونغو الديمقراطية؟
تثير الأحداث الدامية التي تعرفها جمهورية الكونغو الديمقراطية الواقعة وسط أفريقيا، بعد هجوم شنه متمردو حركة "أم 23" على شرق البلاد واندلاع احتجاجات في العاصمة كينشاسا كثيراً من التساؤلات حول الأسباب الكامنة خلف تفجر الوضع في هذا البلد الغني بكنوزه على غرار الألماس.
وأقدم محتجون على إضرام النار في سفارات غربية أبرزها فرنسا والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، في وقت سيطر المتمردون على مطار مدينة غوما الإستراتيجية شرق البلاد، مما يؤشر إلى مرحلة عنوانها الأبرز "العنف" في هذا البلد.
وتسببت هذه الأحداث في سجالات عنيفة بين الكونغو الديمقراطية ورواندا، الداعم الرئيس للمتمردين والتي تدعو إلى حوار مباشر بين كينشاسا وحركة "أم 23" التي حققت مكاسب ميدانية مهمة.
وتثير هذه التطورات تساؤلات أهمها من حرك المياه الراكدة في هذا البلد؟ وما أفق الأحداث هناك؟.
أزمة معقدة
وتُعدّ أزمة الكونغو الديمقراطية معقدة ومركبة، إذ تتداخل فيها عناصر سياسية بأخرى عرقية واقتصادية، وتدخلات أجنبية مثيرة للجدل. وتمثل مناطق كيفو الشمالية والجنوبية وأيضاً إيتوري شرق البلاد بؤر هذه الأزمة التي نجحت الحكومة في إخمادها لأعوام، لكنها أطلت برأسها من جديد مما يطرح تساؤلات جدية حول مستقبل الكونغو الديمقراطية.
ووقع متمردون يزعمون الدفاع عن أقلية التوتسي اتفاقاً مع الحكومة المركزية في الكونغو الديمقراطية عام 2009 وهو اتفاق أسكت فوهات البنادق.
وتأسست حركة "أم 23" التي أعلنت عن نفسها كجناح مسلح لإثنية التوتسي في الكونغو عام 2012، ثم أطلقت حملة تمرد واسعة نجحت خلالها في تحقيق مكاسب ميدانية قبل أن تستعيد القوات الحكومية عافيتها عام 2013، مما أدى إلى استسلام مئات المتمردين وتواري حركة "أم 23" عن الأنظار.
وقال الصحافي والباحث السياسي الكونغولي إدموند إيزيبا إن "هناك كثيراً من الأسباب في الواقع التي قادت إلى تحرك الأوضاع الميدانية أخيراً في البلاد أهمها إصدار أحكام إعدام غيابية بحق عدد من متمردي ’أم 23‘ ومصادرة ممتلكاتهم وبيعها علناً".
وأضاف إيزيبا في حديث إلى "اندبندنت عربية" أن "هناك أسباباً أخرى تتعلق بسعي الرئيس الحالي لجمهورية الكونغو الديمقراطية إلى القيام بإصلاحات سياسية ودستورية ورفض المعارضة الراديكالية لذلك، لا سيما معارضين بارزين يقيمان حالياً في المنفى".
وأوضح أن "السبب الآخر يتعلق بفشل المفاوضات الرامية إلى توقيع اتفاق جديد بين متمردي ’أم 23‘ والحكومة الكونغولية، وطبيعي أن ترفض الحكومة التفاوض مع هؤلاء المدعومين من الخارج، تحديداً النظام في رواندا بقيادة الرئيس بول كاغاما".
وأردف أن "هناك تقارير صادرة عن الأمم المتحدة تكشف عن وجود نحو 4000 جندي من قوات الدفاع الرواندية على أراضي الكونغو الديمقراطية، مما يؤكد أن كيغالي تتدخل في شؤون بلدنا".
وتستضيف رواندا بالفعل عدداً من متمردي "أم 23"، وكثيراً ما دعت حكومتها كينشاسا إلى إطلاق حوار مباشر مع هذه الحركة، مما ترفضه بشدة السلطات الكونغولية التي لا تعترف بالمتمردين. وينتمي كاغاما الذي تتهمه الكونغو الديمقراطية بتأجيج وضعها الداخلي إلى إثنية التوتسي التي ينتمي إليها المتمردون.
أزمة قديمة
في المقابل، يعتقد المدافعون عن أفكار المتمردين وتحركهم بأن رفعهم للسلاح بوجه القوات الكونغولية مشروع انطلاقاً من رؤيتهم، إذ يقول هؤلاء إن إثنية التوتسي تعاني تهميشاً متزايداً من قبل الحكومة المركزية في الكونغو الديمقراطية.
وأدى النزاع المستمر لعقود في شرق الكونغو الديمقراطية الذي يوصف بأنه من أكثر النزاعات دموية في العالم منذ الحرب العالمية الثانية، إلى مقتل نحو ستة ملايين شخص بحسب تقارير أممية وهي حصيلة ثقيلة.
وطوال الأشهر الماضية جرت مفاوضات بين الكونغو الديمقراطية ورواندا في محاولة لنزع فتيل الأزمة، لكن انهيار هذه المحادثات أدى إلى تفجر الوضع ميدانياً حين شنت حركة أم 23" هجومها.
الباحث السياسي المقيم في رواندا جبرين عيسى يرى أن "جذور مشكلة شرق الكونغو الديمقراطية تعود في الواقع لبداية الستينيات، وهي أزمة قديمة في منطقة تعاني سيطرة قبائل ’الباهندا‘ وهم الأقلية في شرق الكونغو وهم بنو رواندا ومن التوتسي".
وأردف عيسى في تصريح خاص أن "هؤلاء كانوا الغالبية في شرق الكونغو الديمقراطية، وعانوا التهميش وعدم الاهتمام من الحكومة، خصوصاً حكومة موبوتو التي جردتهم حتى من الجنسية، لذلك نحن أمام مشكلة تاريخية ليست مرتبطة بالأحداث الأخيرة وما حصل في غوما".
وتابع أن "هناك أربعة اتفاقات سلام، لكن الحكومة الكونغولية لا تلتزم شروط وبنود هذه الاتفاقات، لذلك لم تستطع هذه التفاهمات الصمود أمام فشل الحكومة في كينشاسا ورفضها دخول البنو رواندا أو التوتسي في حكم مناطقهم التي هي الأغنى على مستوى العالم".
وأكد عيسى أنه "في هذا الصراع المستمر نجد كثيراً من الأبعاد الاقتصادية والسياسية والعرقية، إذ هناك شركات غربية تعمل في شرق الكونغو الديمقراطية، لذلك تعرب القوى الغربية عن مخاوفها من تفجر الوضع".
رسالة احتجاج قوية
في غضون ذلك، أثار إقدام محتجين على إضرام النار في سفارات غربية تساؤلات حول أسباب ذلك وما إذا كانت هناك قوى حرضت عليه.
وقال إيزيبا الذي تحدث إلى "اندبندنت عربية" من العاصمة كينشاسا إن "هذه الخطوة أراد من خلالها الشعب الكونغولي ككل إرسال رسالة احتجاج قوية إلى البلدان التي تدعم بوضوح رأي الرئيس الرواندي بول كاغامي".
وأوضح أن "فرنسا من خلال رئيسها إيمانويل ماكرون، لم تدِن بصورة واضحة هذا الاعتداء الرواندي وبول كاغامي، على رغم الاتهامات المتعددة والتقارير الصادرة عن خبراء الأمم المتحدة التي تثبت وجود أكثر من 4000 جندي من قوات الدفاع الرواندية على الأراضي الكونغولية دعماً لحركة ’أم 23‘ وحلفائها".
وأردف أن "الولايات المتحدة الأميركية تتبنى خطاباً غامضاً تجاه الأحداث في الكونغو الديمقراطية".
وعلى رغم أن الدول المعنية دعت حركة "أم 23" إلى وقف هجماتها شأنها في ذلك شأن تكتلات إقليمية، فإن استمرار المعارك في شرق الكونغو الديمقراطية تنذر على الأرجح باتساع رقعة الصراع.