Image

"وول ستريت" تتجاوز أزمة "ديب سيك" وتنتظر قرار الفائدة

على عكس ما حدث أول من أمس الإثنين، تعافت "وول ستريت" سريعاً من الصدمة التي تلقتها شركات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي بسبب ظهور تطبيق "ديب سيك" الصيني وتكبّدها خسائر تفوق تريليون دولار، في وقت تنتظر الأسواق العالمية قرار الفائدة الأميركية اليوم الأربعاء.

تعافي المؤشرات الأميركية

وتعافت المؤشرات الأميركية، فقفز مؤشر "ناسداك" الذي يقيس شركات التكنولوجيا بنسبة اثنين في المئة بعد خسائر تجاوزت ثلاثة في المئة أول من أمس، بينما ارتفعت شركة "إنفيديا" بنسبة تسعة في المئة تقريباً بعدما تراجعت بنسبة 17 في المئة، وفقدت قيمتها السوقية نحو 600 مليار دولار في أكبر خسارة تاريخياً خلال جلسة واحدة لشركة أميركية مدرجة.

وارتفع مؤشر "داو جونز الصناعي" 0.31 في المئة، بينما صعد أيضاً مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" واحداً في المئة.

وجاء هذا التعافي بعد موجة البيع المكثفة في قطاع التكنولوجيا عقب إطلاق شركة "ديب سيك" الناشئة لنماذج الذكاء الاصطناعي الشبيهة بـ"تشات جي بي تي"، لكن كلفتها تكاد لا تذكر مقارنة بتطبيقات الدردشة الأميركية.

اتهام بالسرقة

لكن شركة "أوبن أي آي" المالكة لـ"تشات جي بي تي" تتهم الآن الشركة الصينية بأنها استخدمت برامجها لتدريب أحدث نموذج من "ديب سيك" وأنها تشارك "مايكروسوفت" التحقيق في ذلك، وإن صح هذا الاتهام، فقد يغيّر كل ما ساد في الأيام الماضية من اعتقاد بأن التطبيق الصيني تفوق على التكنولوجيا الأميركية من ناحية الكلفة.

وصرح وزير الذكاء الاصطناعي ديفيد ساكس بأن هناك "أدلة قوية" تفيد بأن التطبيق الصيني استخدم نماذج شركة "أوبن أي آي" لتطوير تقنياته وبرامجه، وقد يفتح ذلك معركة جديدة بين واشنطن وبكين بخصوص حماية الملكية الفكرية وسرقة التكنولوجيا، ويزيد التعقيدات بين البلدين حول إمكان التوصل إلى اتفاقات تنهي الحرب التجارية بينهما.

ترقب للفائدة

وتترقب الأسواق قرار الفائدة من مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) الذي يجتمع اليوم للإعلان عن قراره الأول مع بدء عهد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

ومن المتوقع أن يثبت "الفيدرالي" الفائدة وألّا يرضخ لما يريده ترمب لناحية خفض أسعارها، إذ إنه يتمتع باستقلالية تامة في الولايات المتحدة، ولا يملك الرئيس الأميركي أي نفوذ لفرض ما يراه مناسباً بخصوص الفائدة، إذ يركز "الفيدرالي" على بيانات التضخم والتوظيف وهي وحدها التي تحدد قرار الفائدة.

مطالب ترمب

وقال ترمب في وقت سابق إن أسعار الفائدة يجب أن تخفض بغض النظر عن بيانات التضخم والتوظيف، بينما أكد أنه يعرف عن سياسات الفائدة أكثر من صناع السياسات في بنك الاحتياط الفيدرالي، وقد يؤشر تثبيت الفائدة وعدم الإصغاء لترمب إلى صدام محتمل مع "الفيدرالي" في المرحلة المقبلة.

ومنذ أن أدى اليمين الدستورية كرئيس للمرة الثانية في الـ20 من يناير (كانون الثاني) الجاري، أصدر ترمب عشرات الأوامر التنفيذية، بما في ذلك أمر يوقف بعض الإنفاق الفيدرالي، مما شكّل صدمة مالية غير متوقعة يمكن أن توجه ضربة للاستهلاك والنمو، وكثف أيضاً ترحيل المهاجرين وهدد بفرض تعريفات جمركية بنسبة 25 في المئة على السلع المستوردة من المكسيك وكندا في أقرب وقت السبت المقبل، وهي خطوات يرى معظم الاقتصاديين أنها من المرجح أن تؤدي إلى تفاقم التضخم بدلاً من الإسهام في تهدئته أكثر، بالتالي في رفع الفائدة وليس خفضها كما يريد ترمب.

ارتفاع الفائدة والتضخم

ولا يزال المستثمرون وكثير من الاقتصاديين يتوقعون أن يخفض بنك الاحتياط الفيدرالي أسعار الفائدة في وقت لاحق من هذا العام، لكن كلمة السر لصناع السياسات في الوقت الحالي قد تكون الحذر حتى يصبحوا أكثر يقيناً من أن التضخم سينخفض ​​إلى هدف البنك المركزي الذي يبلغ اثنين في المئة وأن تفاصيل خطط ترمب للتعريفات والضرائب والإنفاق معروفة.

ومن المقرر أن يعقد رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي جيروم باول مؤتمراً صحافياً بعد قرار الفائدة، وستكون تصريحاته مهمة جداً لفهم كيف يفكر صناع السياسات النقدية بقرارات ترمب الأخيرة وتوقعاتهم للتضخم في المرحلة المقبلة.

باول يستمع إلى البيانات

ورشح ترمب، باول لشغل أعلى منصب في بنك الاحتياط الفيدرالي في أواخر عام 2017، لكنه سرعان ما انقلب على من عينه بعد أن شرع باول في رفع أسعار الفائدة التي لم يوافق عليها الرئيس الجمهوري.

ومنذ توليه منصبه الأسبوع الماضي، قال ترمب إنه "سيطالب" بأسعار فائدة أقل وكرر تأكيدات سابقة أنه يعتقد بأن بنك الاحتياط الفيدرالي يجب أن يأخذ آراءه في الاعتبار.

ومن المرجح أن يُسأل باول اليوم عن تعليقات ترمب، وإذا استمرت الممارسة السابقة، فسيقول إن مسؤولي بنك الاحتياط الفيدرالي يتركون السياسة خارج عملية صنع القرار.

مسار الفائدة

وكان بنك الاحتياط الفيدرالي خفض سعر الفائدة القياسي بنسبة مئوية كاملة (1 في المئة) خلال اجتماعاته الثلاثة الأخيرة عام 2024، لكن المسؤولين اتفقوا خلال اجتماعهم في الـ 17 والـ18 من ديسمبر (كانون الأول) 2024 على أنهم "عند  أو قرب النقطة التي سيكون من المناسب عندها إبطاء وتيرة تخفيف السياسة"، وفقاً لمحاضر الجلسة.

وأعرب بعضهم عن قلقهم من أن التقدم في التضخم توقف مع ارتفاع المعدل فوق الهدف، بينما أعرب آخرون عن قلقهم من أن قوة الاقتصاد قد تؤدي إلى تأجيج ضغوط الأسعار من جديد، في حين "حكم جميع المشاركين على أن عدم اليقين في شأن نطاق وتوقيت والآثار الاقتصادية للتغييرات المحتملة في السياسات التي تؤثر في التجارة الخارجية والهجرة كان مرتفعاً".

الاقتصاد الأميركي

وكان النمو عندما تولت إدارة ترمب الجديدة السلطة يسير بمعدل سنوي يبلغ نحو ثلاثة في المئة للربع الرابع من عام 2024، مما يفوق معظم التقديرات للإمكانات الأساسية للاقتصاد، وفقاً لمتتبع الناتج المحلي الإجمالي الذي يحتفظ به بنك الاحتياط الفيدرالي في أتلانتا.

وأظهرت التوقعات الصادرة في نهاية اجتماع السياسة الشهر الماضي أن مسؤولي بنك الاحتياط الفيدرالي يتوقعون خفض أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية هذا العام، "إذا جاءت البيانات كما هو متوقع".

وقال صناع السياسات إنهم يثقون عموماً باستمرار انخفاض التضخم إلى هدف اثنين في المئة من المستويات الحالية التي تزيد بنحو نصف نقطة مئوية على الهدف.

بيانات الاستهلاك

ومن المتوقع أن تظهر البيانات المقرر إصدارها بعد غدٍ الجمعة أن مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي، وهو المقياس المفضل لبنك الاحتياط الفيدرالي لضغوط الأسعار، ارتفع في ديسمبر 2024 بمعدل يقترب من اثنين في المئة على فترات ثلاثة وستة أشهر.

وأظهر تقرير حديث صادر عن مكتب إحصاءات العمل انخفاض إيجارات الشقق الجديدة خلال الأشهر الأخيرة من عام 2024، مما أضاف إلى ثقة المسؤولين بأن التضخم الإجمالي في أسعار المساكن من المتوقع أن يتباطأ، ومع ذلك، لا يتوقع المستثمرون حالياً أي خفوضات أخرى في الأسعار.